صدر كتاب (فلسطين في وجدان علماء الإسلام) عن المعهد العالي للدراسات التقريبية، أعده الأستاذ محمد الساعدي وقدم له الدكتور حميد شهرياري الأمين العامل للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية.
وإصدار هذا الكتاب في هذه الفترة الحساسة من حياة أمتنا له أهمية خاصة، فإن قوى الاستكبار العالمي وذيولها في المنطقة تحاول أن تملأ الساحة الإسلامية والعالمية بأجواء توحي بالتراجع والتنازل بشأن القضية الفلسطينية.
هذا الجمع من علماء المسلمين بمختلف مذاهبهم يتحدثون بلسان واحد عن القضية الفلسطينية باعتبارها قضية المسلمين الأولى ويرفضون ما يرتكبه المحتلون من جرائم بحق الفلسطينيين ومقدسات المسلمين ويرفضون محاولات التطبيع والانهزام لدى بعض الحكام، ويدينون الجرائم الأمريكية في مساندتها للاحتلال في إطار صفقة القرن وتهويد الأرض الفلسطينية ونقل بعض العواصم إلى مدينة القدس..
فكل ذلك بشكل سندًا لاغبار عليه يثبت أن الوجدان الإسلامي المتمثل بوجدان علمائها يرفض كل ألوان التآمر على القضية الفلسطينية ويدعو إلى المقاومة حتى التحرير الكامل من النهر إلى البحر.
يمكن للصهاينة وحماتهم أن يفرضوا حالة ذل وهوان على بعض الحكومات، يمكن أن يثيروا حالة من الرعب والخوف في النفوس المهزوزة، يمكن أن يمارسوا المزيد من القتل والدمار وإهلاك الحرث والنسل، يمكن أن يعبّأوا طاقاتهم لمواجهة محور المقاومة ويفرضوا عليه حربًا اقتصادية وإعلامية وعسكرية.. يمكن أن يفعلوا كل ذلك، لكنهم لن يستطيعوا أبدًا أن يغيّروا ما في وجدان المسلمين وعلمائهم وكل المساندين لهم من أحرار العالم من رفض للظلم والاغتصاب والعدوان.
وجدان المسلمين الذي يعبّر عنه علماؤهم في هذا الكتاب سيبقى على الفطرة " الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ".. سيبقى رافضًا ومقاومًا وصامدًا بوجه هؤلاء ممن " إِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ" .
سيبقى الوجدان الإسلامي العام يقضّ على الصهاينة وحماتهم مضاجعهم ويبعث الرعب في نفوسهم حتى يستيقن العدو الصهيوني وحماته أن الأرض الفلسطينية ليست هيّنة للاغتصاب، وأن الشعب الفلسطيني يأبى الإذلال والامتهان، وأن المسلمين عامة وأحرار العالم بأجمعهم لا يمكن أن يتخلوا عن مبادئهم الإنسانية والإسلامية في العدالة ورفض الظلم وإدانة العدوان.
والكتاب بعد ذلك بما يحمله من نصوص عن علماء المسلمين بمختلف مذاهبهم يعيد إلينا اليقين بأن مشتركات الأمة لا يمكن زعزعتها بإثارة الخلافات المفتعلة وبالضجيج الطائفي المفضوح. وإن مشتركات الأمة في فكرها وعقائدها ومشاعرها وآمالها وآلامها تشكل سدًا منيعًا أمام محاولات تمزيق الأمة.
وإن استطاعت هذه المحاولات أن تحقق بعض النجاح بسبب مخاوف بعض الحكام وعمالة بعض الفئات فكل هذه المحاولات هي زبد سرعان ما يذهب جفاء " وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ " والله غالب على أمره ولو كره الانهزاميون والانبطاحيون والضعفاء المهزوزون.
كما أن الكتاب يسجّل صفحات أخرى من مواقف علماء الأمة تجاه ما يحيط بها من تحديات.. هذه المواقف تضاف إلى مواقف العلماء على مرّ التاريخ في صيانة الأمة من الأخطار التي تهدد هويتها ووجودها، لأن العلماء الحقيقيين لا يخشون أحدًا سوى الله سبحانه " إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء "، وهم يمثلون في المجتمعات الإسلامية قمة مَنْ قال سبحانه بشأنهم "الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.... إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ".
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يمنّ على الذين ماتت ضمائرهم من المطبّعين أن يستيقظ وجدانهم ويعودوا إلى أحضان أمتهم. ولا شك أن الأمة ستغفر لهم ما ارتكبوه من إثم بعد عودتهم وإعلان توبتهم "وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ".