أقول: كونُ عددِهم مائةً وأربعةً وعشرين ألفَ نبيٍّ، هو المشهورُ عندنا، ورواياتُها كثيرةٌ جداً، مرويّةٌ في مختلف مصادرنا الحديثيّة عن أئمّتِنا (عليهم السّلام)، وعن رسول الله (صلّى اللهُ عليهِ وآله)، وروى بعضُها أيضاً أبناءُ العامّة، وأمّا روايةُ الثّمانيةِ آلاف فهيَ غيرُ معتمدةٍ وسيأتي الكلامُ عنها.
قال الشّيخُ الصدوق: إعتقادُنا في عددِهم أنّهُم مائةُ ألفِ نبيٍّ وأربعةٌ وعشرونَ ألفَ نبيٍّ، ومائةُ ألفِ وصيٍّ وأربعةٌ وعشرون ألفَ وصيٍّ، لكلِّ نبيٍّ منهُم وصيٌّ أوصى إليهِ بأمرِ اللهِ تعالى. (الإعتقاداتُ للصّدوقِ ص92).
الرّواية الأولى: روى الصّفّارُ بالإسنادِ عَن عبدِ اللهِ بنِ بكير الهجري ، عَن أبي جعفرٍ عليهِ السّلام قالَ : قال رسولُ اللهِ صلّى الله عليهِ وآله : إنَّ أوّلَ وصيٍّ كانَ على وجهِ الأرضِ هبةُ اللهِ بنُ آدم ، وما مِن نبيٍّ مضى إلّا ولهُ وصيٌّ، وكانَ عددُ جميعِ الأنبياءِ مائةُ ألفِ نبيٍّ وأربعةٌ وعشرونَ ألفَ نبيّ، خمسةٌ منهُم أولوا العزمِ: نوحٌ وإبراهيمُ وموسى وعيسى ومحمّدٌ عليهم السّلام وإنَّ علي بن أبي طالبٍ كان هبة الله لمُحمد، وورث علمَ الأوصياء، وعلمَ مَن كان قبله، أما إنَّ محمّداً ورثَ علمَ مَن كانَ قبلَه منَ الأنبياءِ والمُرسلين .
وعلى قائمةِ العرشِ مكتوبٌ: حمزةُ أسدُ اللهِ وأسدُ رسولِه وسيّدُ الشّهداءِ، وفي زوايا العرشِ مكتوبٌ عَن يمين ربّنا – وكلتا يديهِ يمينٌ - عليٌّ أميرُ المؤمنينَ" فهذهِ حُجّتُنا على مَن أنكرَ حقّنا ، وجحدَنا ميراثَنا ، وما منعنا مِن الكلامِ وأمامنا اليقيُن ، فأيُّ حجّةٍ تكونُ أبلغُ مِن هذا . (بصائرُ الدّرجاتِ للصّفّار : 1 / 230 تحقيقُ مؤسّسةِ الإمامِ المهديّ) .
ورواهُ الكُلينيّ (الكافي : 1 / 224) : مائةُ ألفِ نبيٍّ وعشرينَ ألفِ نبيّ ! وسقطَ منها : وأربعةُ ، ولكنَّ المحقّقينَ أشاروا في الهامشِ وقالوا : في حاشيةِ « بر » والبصائرِ ، ص 121 : + / « وأربعة » . (الكافي (دارُ الحديثِ) : 1 / ٧٩٩) .
الرّوايةُ الثّانيةُ : وروى الصّفّارُ بالإسنادِ عَن أبي الحجاز قالَ : قالَ أميرُ المؤمنينَ عليه السّلام : إنَّ رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله ختمَ مائةَ ألفِ نبيٍّ وأربعةً وعشرينَ ألفَ نبيٍّ، وختمتُ أنا مائةَ ألفِ وصيّ وأربعةً وعشرينَ ألفَ وصيّ ، وكُلّفتُ وما كُلّفَ الأوصياءُ قبلي واللهُ المُستعان ... (بصائرُ الدّرجات : 1 / 231 رقم 466) .
الروايةُ الثّالثة : وروى الصّدوقُ بإسنادِه عَن أبي ذرٍّ الغفاري – في حديثٍ – قالَ : قلتُ : يا رسولَ اللهِ كمِ النّبيّونَ ؟ قالَ : مائةُ ألفٍ وأربعةٌ وعشرونَ ألفَ نبيّ ، قلتُ : كم المُرسلونَ منهُم ؟
قالَ: ثلاثمائةٌ وثلاثةُ عشرَ جماء غفيراء .
قلتُ: مَن كانَ أوّلَ الأنبياء؟
قالَ: آدمُ .
قلتُ: وكانَ منَ الأنبياءِ مُرسلاً ؟
قالَ: نعم خلقَهُ اللهُ بيدِه ونفخَ فيهِ مِن روحِه . (الخصالُ للصّدوق ص524 ، معاني الأخبار 333) .
الرواية الرابعة : وروى الصّدوقُ بسندينِ عن عليٍّ بن الحسين (ع) ، عن أبيه الحُسين بن علي (ع) ، عن أمير المؤمنين عليٍّ بنِ أبي طالبٍ (عليهما السّلام) ، عنِ النّبيّ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) ، قالَ : خلقَ اللهُ عزَّ وجلَّ مائةَ ألفِ نبيٍّ وأربعةً وعشرينَ ألفَ نبي ، أنا أكرمُهم على اللهِ ولا فخر ، وخلقَ اللهُ عزَّ وجلَّ مائةَ ألفِ وصيٍّ وأربعةً وعشرينَ ألفَ وصيّ، فعليٌّ أكرمُهم على اللهِ وأفضلهم . (الأمالي للصّدوقِ ص307 ، والخِصال ص641) .
الرّوايةُ الخامسةُ : وروى الصّدوقُ قالَ : وقالَ رسولُ اللهِ (صلّى اللهُ عليهِ وآله) : إن للهِ تعالى مائةَ ألفَ نبيٍّ وأربعةً وعشرينَ ألفَ نبيٍّ أنا سيّدُهم وأفضلهم وأكرمُهم على اللهِ عزّ وجلَّ ولكلِّ نبيٍّ وصّيٌّ أوصى إليهِ بأمرِ اللهِ تعالى ذكرُه ، وإنّ وصيّي عليٌّ بنُ أبي طالب لسيّدُهم وأفضلُهم وأكرمُهم على اللهِ عزّ وجلّ . (مَن لا يحضرُه الفقيهُ للصّدوق : 4 / 180 ) .
الرّوايةُ السّادسةُ : وروى في الإختصاص قالَ : رويَ عَن إبنِ عبّاسٍ أنّهُ قالَ : أوّلُ المُرسلينَ آدمُ عليهِ السّلام وآخرُهم محمّدٌ صلّى اللهُ عليهِ وعليهم وكانَت الأنبياءُ مائةَ ألفٍ وأربعةً وعشرينَ ألفَ نبيّ، الرّسلُ منهُم ثلاثُمائةٍ وخمسةٍ ومنهُم خمسةٌ أولوا العزمِ صلواتُ اللهِ عليهم : نوحٌ وإبراهيمُ وموسى وعيسى ومحمّدٌ صلّى اللهُ عليهم وخمسةٌ منَ العربِ: هودُ وصالحٌ وشُعيبٌ وإسماعيلُ ومحمّدٌ صلّى اللهُ عليهم وخمسةٌ عبرانيّونَ: آدمُ وشيثُ وإدريسُ ونوحُ وإبراهيمُ عليهم السّلام ، وأوّلُ أنبياءِ بني إسرائيلَ موسى وآخرُهم عيسى ، والكتبُ التي أنزلَت على الأنبياءِ عليهم السّلام مائةُ كتابٍ وأربعةُ كتبٍ ، منها على آدمَ خمسونَ صحيفةً ، وعلى إدريسَ ثلاثونَ ، وعلى إبراهيمَ عشرونَ ، وعلى موسى التّوراة ، وعلى داودَ الزّبور ، وعلى عيسى الإنجيل ، وعلى محمّدٍ الفرقان صلّى اللهُ عليهم.
الرّوايةُ السّابعةُ : وروى إبنُ شاذانَ في الرّوضةِ عَن إبنِ عبّاسٍ ( رضيَ اللهُ عنه ) ، قالَ : قالَ رسولُ اللهِ ( صلّى اللهُ عليهِ وآله وسلّمَ ) : لمّا عُرجَ بي إلى السّماءِ فلمّا وصلتُ إلى السّماءِ الدّنيا ، قالَ لي جبرئيلُ ( عليه السّلام ) : يا محمّدُ ، ( صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ ) صلِّ بملائكةِ السّماءِ الدّنيا ، فقَد أُمرتَ بذلكَ . فصلّيتُ بهم ، وكذلكَ في السّماءِ الثّانيةِ ، وفي الثّالثةِ ، فلمّا صرتُ في السّماءِ الرّابعةِ ، رأيتُ بها مائةَ ألفِ نبيٍّ وأربعةً وعشرينَ ألفَ نبيّ ... (الرّوضةُ في فضائلِ أميرِ المؤمنينَ ص65) .
ويؤيّدُه : ما رواهُ إبنُ قولويه بسندِه عَن أبي بصيرٍ ، عَن أبي عبدِ اللهِ (عليه السّلام) ، والحسنِ بنِ محبوبٍ ، عَن أبي حمزةَ ، عَن عليٍّ بنِ الحُسينِ (عليهما السّلام) قالا : مَن أحبَّ أن يُصافحَهُ مائةُ ألفِ نبيٍّ وأربعةٌ وعشرونَ ألفَ نبيٍّ فليزُر قبرَ أبي عبدِ اللهِ الحُسينِ بنِ عليٍّ ( عليهما السّلام ) في النّصفِ مِن شعبانَ ، فإنَّ أرواحَ النّبيّينَ ( عليهم السّلام ) يستأذنونَ اللهَ في زيارتِه ، فيؤذنُ لهُم ، منهُم خمسةٌ أولوا العزمِ منَ الرّسل ،
قُلنا : مَن هُم ؟
قالَ : نوحٌ وإبراهيمُ وموسى وعيسى ومحمّدٌ صلّى اللهُ عليهم أجمعين .
قُلنا له : ما معنى أولي العزم ؟
قالَ: بُعثوا إلى شرقِ الأرضِ وغربِها ، جنِّها وإنسِها. (كاملُ الزّياراتِ ص333 - 334 ، ومصباحُ المُتهجّدِ للطّوسيّ ص830 ، الإقبالُ لابنِ طاووسَ : 3 / 338) .
أمّا روايةُ الثّمانيةِ آلاف :
فقد روى الطّوسيُّ قالَ : أخبرنا إبنُ بشرانَ ، قالَ : حدّثنا أبو عمرو عثمانُ بنُ أحمدَ الدّقّاقِ إملاء ، قالَ : حدّثنا الحسنُ بنُ سلامٍ السّوّاقِ ، قالَ : حدّثنا زكريا بنُ عدي ، قالَ : حدّثنا مسلمٌ بنُ خالدٍ الزّنجي ، عَن زيادٍ بنِ سعدٍ ، عن محمّدٍ بنِ المُنكدر ، عَن صفوانَ بنِ سليمٍ ، عَن أنسٍ بنِ مالك قالَ: قالَ رسولُ اللهِ ( صلّى اللهُ عليهِ وآله ) : بعثتُ على أثرِ ثمانيةِ آلافِ نبيٍّ ، منهُم أربعةُ آلافٍ مِن بني إسرائيلَ . (أمالي الطّوسي ص397) .
قالَ السّيّدُ الخوئيُّ مُعلّقاً : هذهِ الرّوايةُ ضعيفةٌ سنداً، ومعَ ذلكَ يُحتملُ أن يكونَ المُرادُ مِن ذلكَ العددِ عظماءُ الأنبياءِ، كما إحتملَهُ العلّامةُ المجلسيُّ في البحارِ، و اللهُ العالم . (صراطُ النّجاةِ : 2 / 450) .
مُضافاً أنّها عامّيّةٌ إذ رجالُها رجالُ العامّةِ ، وهيَ مشهورةٌ في كتبِهم ، ولا تقاومُ الرّواياتِ المُستفيضةَ التي تُحدّدُ عددَهم بمائةٍ وأربعةٍ وعشرينَ ألفاً المرويّةَ في كتبِ الفريقين .
وأمّا ما وردَ في مصادرِ أبناءِ العامّةِ قالَ الحافظُ ابنُ حجرٍ : ووقعَ في ذكرِ عددِ الأنبياءِ حديثُ أبي ذرٍّ مرفوعاً أنّهُم مائةُ ألفٍ وأربعةٌ وعشرونَ ألفاً الرّسلُ منهُم ثلثمائةٌ وثلاثةُ عشرَ صحّحهُ إبنُ حبّانَ . (فتحُ الباري : 6 / 257)
وهناكَ عدّةُ رواياتٍ عندَهم تذكرُ أنّ عددَهم مائةٌ وأربعةٌ وعشرونَ ألفاً :
الرّوايةُ الأولى : روى أحمدُ بنُ حنبلٍ بسندِه عَن أبي أمامةَ قالَ : قلتُ يا رسولَ اللهِ كَم وفى عدّةُ الأنبياء؟
قالَ : مائةٌ ألفٍ وأربعةٌ وعشرونَ ألفاً ، الرّسلُ مِن ذلكَ ثلاثمائةٌ وخمسةُ عشرَ جمعاً غفيراً . (مسندُ أحمد : 5 / 265 – 266) .
الرّوايةُ الثّانيةُ : روى الحاكمُ في مُستدركِه بسندِه عَن أبي ذرٍّ رضيَ اللهُ عنه قالَ دخلتُ على رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلّمَ وهوَ في المسجدِ فاغتنمتُ خلوتَه ... قالَ فقلتُ : يا رسولَ اللهِ كمِ النّبيّونَ قالَ مائةُ ألفٍ وأربعةٌ وعشرونَ ألفَ نبيٍّ قلتُ كمِ المُرسلونَ منهُم قالَ ثلاثُ مائةٍ وثلاثةُ عشرَ وذكرَ باقي الحديث . (المُستدركُ على الصّحيحينِ : 2 / 597 ، صحيحُ إبنِ حبّان : 2 / 77) .
قالَ الألبانيُّ : وجملةُ القولِ إنّ عددَ الرّسلِ المذكورينَ في حديثِ التّرجمةِ صحيحٌ لذاتِه ، وإنّ عددَ الأنبياءِ المذكورينَ في أحدِ طرقِه ، وفي حديثِ أبي ذرٍّ مِن ثلاثٍ طرقٍ ، فهوَ صحيحٌ لغيره ، ولعلّهُ لذلكَ لما ذكرَهُ إبنُ كثيرٍ في تاريخِه مِن روايةِ إبنِ حبّان في صحيحِه سكتَ عنهُ ولم يتعقّبهُ بشيءٍ ، فدلّ على ثبوتِه عندَه ، وكذلكَ فعلَ الحافظُ إبنُ حجرٍ في الفتحِ (6 / 257) والعينيّ في العُمدةِ وغيرُهم ، وقالَ المُحقّقُ الآلوسي في تفسيرِه : " وزعمَ إبنُ الجوزيّ أنّه موضوعٌ ، وليسَ كذلكَ ، نعَم قيلَ في سندِه ضعفٌ جُبِرَ بالمُتابعةِ." وسبقَه إلى ذلكَ والرّدّ على إبنِ الجوزيّ الحافظُ إبنُ حجرٍ في "تخريجِ الكشّافِ" ، وهوَ الذي لا يسعُ الباحثَ المُحققَ غيرَه ، كما تراهُ مُبيّناً في تخريجنا هذا والحمدُ للهِ . (سلسلةُ الأحاديثِ الصّحيحةِ رقم 2668)
رواياتٌ أخرى :
وردَ في كتابِ الإختصاصِ للمُفيدِ بسندِه عن صفوانَ الجمّالِ عن الصّادقِ (ع) : ... بعثَ اللهُ مائةَ ألفِ نبيٍّ وأربعةً وأربعينَ ألفَ نبيٍّ ومثلَهم أوصياء . (الإختصاصُ للمُفيد ص263) .
أقولُ : وهذهِ الرّوايةُ يُحتملُ قويّاً وقوعُ التّحريفِ فيها ، حيثُ حرّفَ العشرينَ إلى أربعين ، مُضافاً إلى أنّها لا تقاومُ الرّواياتِ المُستفيضةَ التي تنصُّ على أنّ عددَهم مائةً وأربعةً وعشرينَ ألفَ نبيّ .
ووردَ أيضاً في الإختصاصِ بسندِه عَن رجلٍ ، عَن أبي عبدِ اللهِ عليه السّلام قالَ : قالَ أبو ذرٍّ : يا رسولَ اللهِ كَم بعثَ اللهُ مِن نبيٍّ ؟ فقالَ : ثلاث مائةِ ألفِ نبيٍّ وعشرونَ ألفَ نبيٍّ ، قالَ : يا رسولَ اللهِ فكمِ المُرسلونَ ؟ فقالَ : ثلاثُ مائةٍ وبضعةَ عشر . (الإختصاصُ للمُفيد ص264)
أقولُ : وهذهِ الرّوايةُ نجزمُ بوقوعِ السّقطِ فيها ، فقد سقطَ منها لفظُ الأربعةِ ، بينَ الألفِ نبيٍّ وعشرينَ ألفِ نبيّ ، إذ وردَ في بقيّةِ المصادرِ - كما تقدّمَ - في روايةِ أبي ذرٍّ الغفاري أنَّ عددَهم مائةً وأربعةً وعشرينَ ألفاً ، هذا مُضافاً إلى أنّها لا تقاومُ رواياتِ المائةِ وأربعةٍ وعشرينَ ألفَ نبيّ.