ويوضح عالم الفيزياء الحيوية من معهد ماكس بلانك لعلوم الضوء في ألمانيا " جوخن غوك " الى تمكن الباحثين من اكتشاف تغيرات واضحة وطويلة الأمد في الخلايا أثناء العدوى الحادة وحتى بعد ذلك.
وفي دراسة جديدة ، قام غوك وزملاؤه بتحليل دم المرضى باستخدام نظام طُوّر داخليا، يُسمى قياس التشوه في الوقت الفعلي (RT-DC)، وهو قادر على تحليل مئات خلايا الدم بسرعة في الثانية واكتشاف ما إذا كانت ستظهر تغييرات غير طبيعية في حجمها وهيكلها.
وهذه التكنولوجيا حديثة نسبيا، لكنها يمكن أن تقطع شوطا طويلا في استكشاف ما لا يزال مجهولا في علم "كوفيد-19": كيف يمكن لفيروس كورونا أن يؤثر على الدم على المستوى الخلوي.
وكتب الباحثون، بقيادة المعد الأول ماركيتا كوبانكوفا، في ورقتهم البحثية : "في حين أن علم الأمراض لم يُفهم بشكل كامل بعد، فإن الاستجابة للالتهابات المفرطة واضطرابات التخثر التي تؤدي إلى احتقان الأوعية الدقيقة تعتبر من العوامل الرئيسية وراء ارتفاع عدد الوفيات. وحتى الآن، لم تُعتبر التغيرات الجسدية لخلايا الدم وكأنها تلعب دورا في انسداد الأوعية الدموية المرتبط بـ "كوفيد-19" وتلف الأعضاء".
وفي الدراسة، حلل الباحثون الدم من 55 فردا: 17 مريضا يعانون من "كوفيد-19" الحاد (توفي نصفهم لاحقا للأسف)، و14 مريضا تعافوا، و24 متطوعا سليما لم تظهر عليهم أي علامات على إصابتهم بالمرض.
وفي المجموع، حُفّزت أكثر من 4 ملايين خلية دم مأخوذة من هؤلاء الأشخاص من خلال نظام RT-DC، حيث حُللت مجهريا أثناء تدفقها عبر قناة ضيقة في الجهاز.
وأظهرت النتائج أن خلايا الدم الحمراء لدى مرضى "كوفيد-19" تختلف في الحجم أكثر من تلك الموجودة في الأشخاص الأصحاء، وأظهرت علامات تصلب في بنيتها الجسدية، وأظهرت تشوها أقل، ما قد يؤثر على قدرتها على توصيل الأكسجين عبر الجسم.
وأوضح الباحثون أن "الخصائص الفيزيائية لكريات الدم الحمراء ضرورية لتدفق الدورة الدموية الدقيقة، وعلى هذا النحو، فإن هذه التغييرات يمكن أن تضعف الدورة الدموية وتعزز نقص الأكسجة في الدم".
ويمكن أن يستمر التأثير في مرضى "كوفيد-19" لفترة طويلة بعد أن تكون العدوى غير نشطة.
وفي المقابل، اكتشف الباحثون أن نوعا من خلايا الدم البيضاء (الكريات البيض) يسمى الخلايا الليمفاوية، أظهر انخفاضا في الصلابة لدى مرضى "كوفيد-19"، في حين أن خلايا الدم البيضاء الأخرى، المعروفة باسم الخلايا الأحادية، كانت أكبر بكثير من خلايا المجموعة الضابطة.
وهناك المزيد من الأدلة على أن "كوفيد-19" قد يترك تأثيرا دائما على جهاز المناعة.
وكتب الباحثون: "بينما تعافت بعض هذه التغييرات إلى القيم الطبيعية بعد دخول المستشفى، إلا أن البعض الآخر استمر لعدة أشهر بعد الخروج من المستشفى، ما يدل على بصمة "كوفيد-19" طويلة المدى على الجسم. ونحن نفترض أن التغييرات المرصودة يمكن أن تنشأ بسبب التغيرات الهيكلية الخلوية للخلايا المناعية. ويمكن أن ترتبط الخصائص الميكانيكية للخلايا مباشرة بالهيكل الخلوي، وهو هيكل داعم مهم يحدد أيضا الوظيفة الخلوية".
ويظل أن نرى كيف يمكن أن تحدث هذه التغييرات في خلايا الدم في نهاية المطاف بسبب العدوى الفيروسية، ولم يُعرف بعد كيف تؤدي تغيرات الخلايا إلى أعراض "كوفيد-19"، وأحيانا إلى الموت.
وفي الوقت الحالي، يعد هذا مجرد دليل إضافي على مدى عمق هذا الفيروس في غزو أجسادنا.