في الأسطورة القديمة انتصر النوم أمام كل من الريح والمطر والشمس، وانتزع لقب “سلطان”، لا يقدر أحد أن يغالبه.
“النوم سلطان”، وعرشه في "قرية كالاتشي" التي تبعد 300 ميل عن المدينة الكازاخية “آستانا”، حيث يسقط السكان فجأة في نوبات من النوم لأيام متواصلة لا يستطيعون النهوض أو الاستيقاظ؛ حتى أطلق على القرية “القرية النائمة”. فما هي حكايتها؟
في ربيع عام 2013، أصاب مرض النوم -لأول مرة- 8 أشخاص مختلفين من قرية “كالاتشي” التي يبلغ عدد سكانها 640 شخصا خلال عطلة نهاية أسبوع واحدة، وعندما استيقظوا بعد أيام لم يتذكروا شيئا بالمرة، وذلك وفقا لموقع “مينتال فلس”
بدأ السكان ينامون واحدا تلو الآخر، بغض النظر عن موقعهم أو ما يفعلون، ثم يسقطون فجأة في سبات تام.
كان “فيكتور كازاتشينكو” يقود سيارته للخروج من القرية متجها إلى أقرب بلدة في بعض المهمات، لكنه لم يصل إليها أبدا.
بعد 4 أيام استيقظ، ليجد نفسه في المستشفى، كان قد سقط في نوبة من النوم المفاجئ أثناء قيادته السيارة، ومع ذلك لم يتفاجأ، فلم تكن المرة الأولى بالنسبة له.
يحكي “كازاتشينكو” لـ “الغارديان”ضاحكا أن غفوته تلك حدثت من قبل ونام حينها لمدة 3 أيام متواصلة.
ومثل الـ 152 حالة التي أصيبت بالمرض الغامض؛ عانى “كازاتشينكو” من أعراض منهكة كالدوخة والغثيان والصداع الشديد وفقدان الذاكرة وضغط الدم المرتفع الذي لازمه لمدة 6 أسابيع بعد الحادث.
على مدى عامين، احتار العلماء والأطباء والمسؤولون في تفسير ما يحدث، وقد اختبروا المستويات المتزايدة من الإشعاع وأول أكسيد الكربون والرادون وتراكم أملاح المعادن الثقيلة التي يمكن أن تكون سامة.
وأجروا أكثر من 20 ألف اختبار معملي وسريري، في الهواء والتربة والماء والغذاء والحيوانات ومواد البناء وعلى السكان أنفسهم، واعتقدوا أنهم أصيبوا بذهان جماعي.
وفي ظل عدم وجود حقائق علمية مؤكدة؛ تكهن العديد من السكان بأن مصدر المشكلة، هو منجم اليورانيوم المهجور من الحقبة السوفياتية والموجود على أعتاب القرية.
وكان منجم “كراسنوجورسكي” -الملحق بقرية “كالاتشي”- في يوم من الأيام موطنا لعمال المناجم الذين تم إرسالهم من روسيا وعبر الاتحاد السوفياتي لاستخراج اليورانيوم المستخدم في تشغيل الأسلحة النووية السوفياتية ومحطات الطاقة، لكنه أصبح منطقة مهجورة بعد إغلاقه في التسعينيات.
مع انتشار التكهنات وغياب الحقيقة واستمرار النوم، لم يكن أمام المسؤولين مفر من نقل السكان من “كالاتشي” وإعادة توطينهم في قرى أخرى مجاورة وإعطائهم منازل ووظائف جديدة، وبالفعل انتقل أكثر من نصف سكان القرية وسط مقاومة آخرين ورفضهم الخروج من بيوتهم وقريتهم، بحسب “بي بي سي”
وقد أثر المرض -الذي أطلق عليه “وباء النوم الغامض” (Sleepy hollow) في الحيوانات والأطفال والكبار على حد سواء، حتى إن الأطفال شاهدوا هلاوس كابوسية، فرؤوا خيولا مجنحة وثعابين في أَسرّتهم وديدان تأكل أيديهم.
وبسبب نومهم المتواصل تسربوا من المدرسة، وكانت أسرهم في مقدمة العائلات التي آثرت الخروج من القرية خوفا على أطفالها.
وبعد أكثر من 700 يوم من البحث والتحقيق لمعرفة ما يحدث في قرية النائمين، خرجت الحكومة الكازاخية وأعلنت حل اللغز.
فقد خلص الباحثون وفقا لـ”الغارديان” -بعد تحليل نتائج الفحوصات الطبية لجميع السكان- إلى أن سبب النوم المفاجئ هو ارتفاع مستويات أول أكسيد الكربون والهيدروكربونات في الهواء.
وأوضحت الحكومة أنه رغم إغلاق مناجم اليورانيوم؛ ما زال مستوى أول أكسيد الكربون مرتفعا في هواء القرية مع قلة نسبة الأكسجين، وهذا هو السبب الحقيقي لمرض النوم المفاجئ في تلك القرية، كما تنبّأ سكانها بالفعل.