فقد بدأت الاخبار العاجلة وباللون الاحمر القاني و بحروف كبيرة تَترَى أسفل شاشة (سبتايتل) قناة العربية لتدعي كذباً بأن طهران قد تعرضت لغارة جوية معادية وأن مطار الامام الخميني قد تم إغلاقه امام الرحلات الجوية المدنية ، ولذلك بدأت تتعالى أصوات صفارات الإنذار!!وحاولت القناة _ في غياب أي مراسل لها بطهران _استقاء المعلومات من حفنة إيرانيين هاربين خانوا وطنهم و باعوا انفسهم للاستخبارات الاوربية و الامريكية ، كي يصححوا روايتها و عواجلها عن وجود غارة جوية بالفعل ، لكنهم عجزوا عن تقديم أي دليل على هذه الفرية غير المرتبة و الفاقدة لأصول العمل الصحفي الاولية ولأي قيمة معلوماتية و صحفية.
ثم طفقت القناة تحاول عبثا أن تقنع المشاهدين بأن صوت الصفارة له علاقة بتحليق طائرة ركاب تركية في سماء طهران و بعدم تمكنها من الهبوط في مطار الامام الخميني.
وفي نفس الوقت حاولت قنوات أخرى كالجزيرة والبي بي سي وأمثالهما ـ ممن لها مكتب ومراسل رسمي في طهران ـ أن تقدم لمشاهديها ما تمكن صحفيوها من استقصائه من معلومات عن سبب سماع صفارة الإنذار، و تبين أنها بدأت تصفر نتيجة زخات الامطار المصحوبة بالرعد و البرق ، و بعد دقائق تم ايقاف الصفارة عن التشغيل الذاتي عن طريق الخطأ و بسبب مياه الأمطار.
اما عدم هبوط طائرة تركيش أير فسببه كثافة الغيث وسوء الطقس وقرار كابتن الطائرة بعدم تمكنه من الهبوط و تفضيله التوجه الى مطار باكو للهبوط فيه بسلام.
وعلمنا منذ الساعة الاولى أن حميد كودرزي مساعد محافظ طهران للشؤون الامنية صرح بأن صفارة الانذار اشتغلت ذاتيا عن طريق تماس كهربائي سببه شدة هطول الأمطار.
وهذا السبب هو نفسه الذي حمل قائد الطائرة المدنية التركية على تغيير مسارها و التوجه لباكو ولا شيء يدعو للقلق.
ورداً على شائعات بدخول طائرة F 15 صهيونية (أو أكثر) المجال الجوي لطهران و تشغيل صفارة الإنذار فقد علمنا من ناطق رسمي للقوات المسلحة الايرانية أن أي طائرة صهيونية لم تدخل المجال الجوي لا في طهران ولا غيرها من المدن الإيرانية، نظراً لكونها ليست قادرة على التحليق أكثر من 1200 كيلومتر (ذهاباً و إياباً) وهي لم تدخل مجالنا الجوي أبداً و مطلقاً ، ونظرا لأن الرادارات الإيرانية [ ومنها مثلاً منظومتا كاستا و نبو] قادرة على كشفها و المضادات الصاروخية تصطادها حتماً و تتعقبها فوراً ، و هذا ما حصل عند اكتشاف منظومة الرادارات الإيرانية لطائرة الدرون الاستطلاعية الامريكية فوق المتطورة RQ170 الغالية التكاليف و غير القابلة للإكتشاف [كما زعمت واشنطن] لكنها وقعت في شباك صقور ايران وانزِلَت الى الارض بسلام ، و تم العمل عليها بالمعكوس و صنعت طهران طائرات مسيّرة أكثر تطورا من RQ170 و بعدد كبير.
ونعود لطائرة F35 التي كانت قد باعتها أمريكا لربيبتها و قاعدتها في الشرق الاوسط(دويلة اسرائيل الغاصبة) و كانت على وشك بيعها لابو ظبي بعد موافقة الخاسر الفاشل طرمبة على الصفقة في آخر يوم من عهده الاسود في البيت الأبيض مقابل تطبيع العلاقات بين ابوظبي و تل أبيب،ولكن ألغاها بايدن أمس، فإن هذه الطائرة بالغوا كثيرا في ذكر مزاياها و زعموا كونها غير مرئية للرادار!! بينما الواقع أثبت عدم جدواها وقلة فاعليتها إبان العدوان الامريكي على العراق في 1991وعلى سوريا قبل و بعد 2020 و قررت القوة الجوية الأمريكية التخلي عنها و استبدالها بطائرة رپتور F22، ولهذا طفقت واشنطن تبحث عمن يشتريها منها من دول العالم الثالث ، بدلاً من بقائها مركونة في المخادع والمخازن والاوكار، دون استفادة يأكلها الصدأ.
وحسب ما يتوفر لنا من معلومات فإن أي طائرة تنوي دخول المجال الجوي الايراني تكون قابلة للرصد وهي مازالت في سماء البلدان المجاورة،و قبل مئات الكيلومترات من وصولها للحدود الايرانية ،و يتم تعقبها فور وصولها للحدود ، من خلال رصدها بRCS و المنظومات فوق المتطورة التي دخلت الخدمة في القوات الجوية الايرانية منذ 2011و تم بها اصطياد الدرون الاستطلاعية الامريكية غالية الثمن RQ170 بمجرد إقلاعها من قاعدة بكرام الافغانية،كما و اسقطت ايران طائرة أمريكية أخرى في 20حزيران 1999و اعترف الكابتن بيل أوربان، المتحدث باسم القيادة المركزية للجيش الأمريكي، إن الطائرة المسقطة هي طائرة استطلاع،و ادعى أنها كانت في الأجواء الدولية" و إن الطائرة من طراز تريتون إم كيو-4 سي تابعة للبحرية الأمريكية.
إذن ؛ فالبارحة29كانون الثاني 2021 كانت قضية الغارة المزعومة سالبة بانتفاء الموضوع من أساسه، و لم تجرؤ لا دويلة اسرائيل اللقيطة و لاغيرها على انتهاك المجال الجوي الايراني بل و الوصول لطهران!!فحدود ايران تبعد عن فلسطين المحتلة مسافة أجواء العراق و الاردن، او العراق و سوريا،ا و الأردن و السعودية ،زائداً 600كيلومتر في الأجواء الايرانية و هي أقصر مسافة من حدود العراق الى طهران، و لذلك سرعان ما انطفأت جذوة أفراح مذيعات فضائيات الدجل و الفتنة اللواتي انبسطت أساريرهن بابتسامات ماكرة صفراء، فرحاً و شماتةً ، ظناً بوجود غارة جوية ضد الجار المسلم !! لكن خاب ظنها ،إذ سرعان ما انكشفت الحقيقة و انكفأت وسائل التواصل الاجتماعي و تلاشت مبالغاتها الفيسبوكية المضللة ؛
{وَ رَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَ كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَ كَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا } [25/الاحزاب]
د.رعد هادي جبارة / باحث ودبلوماسي سابق