فقال: يا يهوديّ أقبل عليّ أسألك بالعشر الآيات الّتي انزلت على موسى بن عمران عليه السلام، هل تجد في التوراة مكتوباً نبأ محمّد وامّته: إذا جاءت الامّة الاخيرة أتباع راكب البعير يسبّحون الربّ جدّاً جدًاً تسبيحاً جديداً في الكنائس الجدد فليفرغ بنو إسرائيل إليهم وإلى ملكهم لتطمئنّ قلوبهم، فإنّ بأيديهم سيوفاً ينتقمون بها من الامم الكافرة في أقطار الأرض. هكذا هو في التوراة مكتوب؟
قال رأس الجالوت: نعم إنّا لنجده كذلك.
ثمّ قال للجاثليق: يا نصراني كيف علمك بكتاب شعيا؟
قال: أعرفه حرفاً حرفاً.
قال الرضا عليه السلام لهما: أتعرفان هذا من كلامه: يا قوم انّي رأيت صورة راكب الحمار لابساً جلابيب النور، ورأيت راكب البعير ضوؤه مثل ضوء القمر؟
فقالا: قد قال ذلك شعيا.
قال الرضا عليه السلام: يا نصراني هل تعرف في الإنجيل قول عيسى: إنّي ذاهب إلى ربّي وربّكم والفارقليطا جاء، هو الّذي يشهد لي بالحقّ كما شهدت له، وهو الذي يفسّر لكم كلّ شيء، وهو الذي يبدي فضائح الامم، وهو الذي يكسر عمود الكفر؟
فقال الجاثليق: ما ذكرت شيئاً ممّا في الإنجيل إلا ونحن مقرّون به.
قال: أتجد هذا في الإنجيل ثابتاً يا جاثليق؟
قال: نعم.
قال الرضا عليه السلام: يا جاثليق ألا تخبرني عن الإنجيل الأوّل حين افتقدتموه عند من وجدتموه؟ ومن وضع لكم هذا الإنجيل؟
قال له: ما افتقدنا إلإنجيل إلاّ يوماً واحداً حتّى وجدنا غضّاً طريّاً فأخرجه إلينا يوحنّا ومتّى.
فقال له الرضا عليه السلام ما أقلّ معرفتك بسرّ الإنجيل وعلمائه! فإن كان كما تزعم فلم اختلفتم في الإنجيل؟ انّما وقع الإختلاف في هذا الإنجيل الذي في أيديكم اليوم، فلو كان على العهد الأوّل لم تختلفوا فيه، ولكنّي مفيدك علم ذلك، إعلم أنّه لما افتقد الإنجيل الأوّل اجتمعت النصارى إلى علمائهم فقالوا لهم: قتل عيسى بن مريم عليه السلام، وافتقدنا الإنجيل وأنتم العلماء فما عندكم؟ فقال لهم لوقا ومرقابوس: انّ الإنجيل في صدورنا ونحن نخرجه إليكم سفراً سفراً في كلّ أحد فلا تخزنوا عليه، ولا تخلّوا الكنائس، فإنّا سنتلوه عليكم في كلّ أحد سفراً سفراً حتّى نجمعه لكم كلّه. فقعد لوقا ومرقابوس ويوحنّا ومتّى ووضعوا لهم هذا الإنجيل بعد ما افتقدتم الإنجيل الأوّل، وانّما كان هؤلاء الأربعة تلاميذاً لتلاميذ الأولين، أعلمت ذلك؟ قال الجاثليق: أمّا هذا فلم أعلمه، وقد علمته الآن، وقد بان لي من فضل علمك بالإنجيل، وسمعت أشياء ممّا علمته شهد قلبي أنّها حقّ فاستزدت كثيراً من الفهم. فقال له الرضا عليه السلام: فكيف شهادة هؤلاء عندك؟
قال: جائزة، هؤلاء علماء الإنجيل، وكلّ ما شهدوا به فهو حقّ.
فقال الرضا عليه السلام للمأمون ومن حضره من أهل بيته ومن غيرهم: اشهدوا عليه.
قالوا: قد شهدنا.
ثم قال للجاثليق: بحقّ الابن وامّه هل تعلم أنّ متّى قال:
انّ المسيح هو ابن داود بن إبراهيم بن إسحاق بن يعقوب بن يهودا بن حضرون.
وقال مرقابوس في نسبة عيسى بن مريم:
انّه كلمة الله أحلّها في جسد الآدمي فصارت إنساناً.
وقال لوقا: انّ عيسى بن مريم وامّه كانا إنسانين من لحم ودم فدخل فيهما روح القدس.
ثمّ انّك تقول من شهادة عيسى على نفسه: حقّاً أقول لكم يا معشر الحواريّين: انّه لا يصعد إلى السماء إلاّ ما نزل منها إلاّ راكب البعير خاتم الأنبياء فإنّه يصعد إلى السماء وينزل فما تقول في هذا القول؟ قال الجاثليق: هذا قول عيسىلا ننكره.
قال الرضا عليه السلام: فما تقولوا في شهادة لوقا ومرقابوس ومتى على عيسى وما نسبوه اليه؟
قال الجاثليق: كذبوا على عيسى.
قال الرضا عليه السلام: يا قوم أليس قد زكّاهم وشهد أنّهم علماء الإنجيل وقولهم حقّ؟
فقال الجاثليق: يا عالم المسلمين احبّ أن تعفيني من أمر هؤلاء.
قال الرضا عليه السلام: فإنّا قد فعلنا، سل يا نصراني عمّا بدا لك.
قال الجاثليق: ليسألك غيري، فلا وحقّ المسيح ما ظننت أنّ في علماء المسلمين مثلك.
فالتفت الرضا عليه السلام إلى رأس الجالوت فقال له: تسألني أو أسألك؟
فقال: بل أسألك، ولست أقبل منك حجّة إلاّ من التوراة أو من الإنجيل، أو من زبور داود، أو ممّا في صحف إبراهيم وموسى.
فقال الرضا عليه السلام: لا تقبل منّي حجّة إلاّ بما تنطق به التوراة على لسان موسى بن عمران، والإنجيل على لسان عيسى بن مريم، والزبور على لسان داود. فقال رأس الجالوت: من أين تثبت نبوّة محمّد؟
قال الرضا عليه السلام: شهد بنبوّته صلى الله عليه وآله موسى بن عمران وعيسى بن مريم وداود خليفة الله عزّ وجلّ في الأرض.
فقال له: اثبت قول موسى بن عمران.
قال الرضا عليه السلام: هل تعلم يا يهوديّ أنّ موسى أوصى بني إسرائيل فقال لهم: انّه سيأتيكم نبيّ هو من إخوتكم، فبه فصدّقوا ومنه فاسمعوا، فهل تعلم أنّ لبني إسرائيل إخوة غير ولد إسماعيل، إن كنت تعرف قرابة إسرائيل من إسماعيل، والنسب الّذي بينهما من قبل إبراهيم عليه السلام؟ فقال رأس الجالوت: هذا قول موسى لا ندفعه.
فقال له الرضا عليه السلام: هل جاءكم من اخوة بني إسرائيل نبيّ غير محمّد صلى الله عليه وآله؟
قال: لا.
قال الرضا عليه السلام: أو ليس قد صحّ هذا عندكم؟
قال: نعم، ولكنّي احبّ أن تصحّحه لي من التوراة. فقال له الرضا عليه السلام: هل تنكر أنّ التوراة تقول لكم: (جاء النور من جبل طور سيناء وأضاء لنا من جبل ساعير، واستعلن علينا من جبل فاران)؟
قال رأس الجالوت: أعرف هذه الكلمات وما أعرف تفسيرها.
قال الرضا عليه السلام: أنا أخبرك به، أمّا قوله: (جاء النور من جبل طور سيناء) فذلك وحي الله تبارك وتعالى الذي أنزله على موسى عليه السلام على جبل طور سيناء. وأمّا قوله: (وأضاء لنا من جبل ساعير) فهو الجبل الذي أوحى الله عزّ وجلّ إلى عيسى بن مريم عليه السلام وهو عليه.
وأمّا قوله: (واستعلن علينا من جبل فاران) فذاك جبل من جبال مكّة بينه وبينها يوم.
وقال شعيا النبيّ عليه السلام فيما تقول أنت وأصحابك في التوراة: (رأيت راكبين أضاء لهما الأرض، أحدهما راكب على حمار، والآخر على جمل) فمن راكب الحماراو ومن راكب الجمل؟ قال رأس الجالوت: لا أعرفهما فخبّرني بهما.
قال عليه السلام: أمّا راكب الحمار فعيسى بن مريم، وأمّا راكب الجمل فمحمّد (صلى الله عليه وآله)، أتنكر هذا من التوراة؟
قال: لا، ما أنكره
ثم قال الرضا عليه السلام: هل تعرف حيقون النبي؟
قال: نعم انّي به لعارف.
قال عليه السلام: فإنّه قال وكتابكم ينطق به: (جاء الله بالبيان من جبل فاران، وامتلأت السماوات من تسبيح أحمد وامّته، يحمل خيله في البحر كما يحمل في البرّ، يأتينا بكتاب جديد بعد خراب بيت المقدس) يعني بالكتاب القرآن، أتعرف هذا وتؤمن به؟ قال رأس الجالوت: قد قال ذلك حيقون النبي ولا ننكر قوله.
قال الرضا عليه السلام: وقد قال داود في زبوره وأنت تقرأ: (اللّهمّ ابعث مقيم السنّة بعد الفترة) فهل تعرف نبيّاً أقام السنّة بعد الفترة غير محمّد صلى الله عليه وآله؟ قال رأس الجالوت: هذا قول داود نعرفه ولا ننكره، ولكن عنى بذلك عيسى، وأيّامه هي الفترة. قال الرضا عليه السلام: جهلت، انّ عيسى لم يخالف السنّة، وقد كان موافقاً لسنّة التوراة حتّى رفعه الله إليه، وفي الإنجيل مكتوب: انّ ابن البرّة ذاهب والفار قليطا جاء من بعده، وهو الذي يخفّف الآصار، ويفسّر لكم كلّ شيء، ويشهد لي كما شهدت له، أنا جئتكم بالأمثال، وهو يأتيكم بالتأويل، أتؤمن بهذا في الإنجيل؟ قال: نعم، لا أنكره.
فقال له الرضا عليه السلام: يا رأس الجالوت أسألك عن نبيّك موسى بن عمران.
فقال: سل.
قال عليه السلام: ما الحجّة على أنّ موسى ثبتت نبوّته؟
قال اليهودي: انّه جاء بما لم يجئ به أحد من الأنبياء قبله.
قال له: مثل ماذا؟
قال: مثل فلق البحر، وقلبه العصا حيّة تسعى، وضربه الحجر فانفجرت منه العيون، وإخراجه يده بيضاء للناظرين، وعلامات لا يقدر الخلق على مثلها. قال له الرضا عليه السلام: صدقت إذا كانت حجّته على نبوّته أنّه جاء بما لا يقدر الخلق على مثله، أفليس كلّ من ادّعى أنّه نبيّ ثم جاء بما لا يقدر الخلق على مثله وجب عليكم تصديقه؟ قال: لا، لأنّ موسى لم يكن له نظير لمكانته من ربّه، وقربه منه، ولا يجب عليناالإقرار بنبوّة، من ادّعاها حتّى يأتي من الأعلام بمثل ما جاء به. قال الرضا عليه السلام: فكيف أقررتم بالأنبياء الذين كانوا قبل موسى عليه السلام ولم يفلقوا البحر، ولم يفجّروا من الحجر اثنتي عشرة عيناً، ولم يخرجوا أيديهم بيضاء مثل إخراج موسى يده بيضاء، ولم يقلّبوا العصا حيّة تسعى؟ قال له اليهودي: قد خبّرتك أنّه متى جاؤوا على دعوى نبوّتهم من الآيات بما لا يقدر الخلق على مثله ولو جاؤوا بما لم يجئ به موسى أو كان على غير ما جاء به موسى وجب تصديقهم. قال الرضا عليه السلام: يا رأس الجالوت فما يمنعك من الإقرار بعيسى بن مريم وقد كان يحيي الموتى، ويبرىء الأكمه والأبرص، ويخلق من الطين كهيئة الطير ثمّ ينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله؟ قال رأس الجالوت: يقال: انّه فعل ذلك، ولم نشهده.
قال له الرضا عليه السلام: أرأيت ما جاء به موسى من الآيات شاهدته؟ أليس انّما جاء في الأخبار به من ثقات أصحاب موسى أنّه فعل ذلك؟
قال: بلى.
قال: فكذلك أتتكم الأخبار المتواترة بما فعل عيسى بن مريم، فكيف صدّقتم بموسى ولم تصدّقوا بعيسى؟ فلم يحر جواباً.
قال الرضا عليه السلام: وكذلك أمر محمّد صلى الله عليه وآله وما جاء، به، وأمر كلّ نبيّ بعثه الله، ومن آياته أنّه كان يتيماً فقيراً راعياً أجيراً لم يتعلّم كتاباً ولم يختلف إلى معلّم ثم جاء بالقرآن الذي فيه قصص الأنبياء وأخبارهم حرفاً حرفاً، وأخبار من مضى ومن بقى إلى يوم القيامة، ثم كان يخبرهم بأسرارهم وما يعملون في بيوتهم، وجاء بآيات كثيرة لا تحصى. قال رأس الجالوت: لم يصحّ عندنا خبر عيسى ولا خبر محمّد، ولا يجوز لنا أن نقرّلهما بما لم يصحّ.
قال الرضا عليه السلام: فالشاهد الذي شهد لعيسى ولمحمّد صلّى الله عليهما شاهد زور؟ فلم يحر جواباً.
ثمّ التفت إلى رأس الجالوت فقال له: يا رأس الجالوت اتجد هؤلاء في شباب بني إسرائيل في التوراة؟ اختارهم بخت نصّر من سبي بني إسرائيل حين غزا بيت المقدس ثم انصرف بهم إلى بابل فأرسله الله تعالى عزّ وجل إليهم فأحياهم، هذا في التوراة ? يدفعه إلاّ كافر منكم. قال رأس الجالوت: قد سمعنا به وعرفناه.
قال: صدقت.
ثمّ قال عليه السّلام: يا يهوديّ خذ على هذا السفر من التوراة، فتلا عليه السّلام علينا من التوراة آيات، فأقبل اليهوديّ يترجّح لقراءته ويتعجّب.
ثمّ أقبل على النصراني فقال: يا نصراني أفهؤلاء كانوا قبل عيسى أم عيسى كان قبلهم؟
قال: بل كانوا قبله.
قال الرضا عليه السّلام: لقد اجتمعت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فسألوه أن يحيي لهم موتاهم، فوجّه معهم عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فقال له: اذهب إلى الجبّانة فناد بأسماء هؤلاء الرهط الذين يسألون عنهم بأعلى صوتك: يا فلان، ويا فلان، ويا فلان، يقول لكم محمّد رسول الله صلى الله عليه وآله: قوموا بإذن الله عزّ وجلّ، فقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم، فأقبلت قريش تسألهم عن امورهم، ثم أخبروهم أنّ محمّداً قد بعث نبيّاً وقالوا: وددنا انّا أدركناه فنؤمن به، ولقد أبرأ الأكمه والأبرص والمجانين، وكلّمه البهائم والطير والجنّ والشياطين، ولم نتّخذه ربّاً من دون الله عزّ وجلّ، ولم ننكر لاحد من هؤلاء فضلهم. فمتى اتّخذتم عيسى ربّاً جاز لكم أن تتّخذوا اليسع وحزقيل ربّاً، لأنّهما قد صنعا مثل ما صنع عيسى من إحياء الموتى وغيره، انّ قوماً من بني إسرائيل هربوا من بلادهم من الطاعون وهم الوف حذر الموت فأماتهم الله في ساعة واحدة، فعمد أهل تلك القرية فحظروا عليهم حظيرة فلم يزالوا فيها حتّى نخرت عظامهم وصاروا رميماً، فمرّ بهم نبيّ من أنبياء بني إسرائيل فتعجّب منهم ومن كثرة العظام البالية، فأوحى الله عزّ وجلّ إليه: أتحبّ أن احييهم لك فتنذرهم؟ قال: نعم يا ربّ. فأوحى الله عزّ وجلّ إليه: أن نادهم.
فقال: أيّتها العظام البالية قومي بإذن الله عزّ وجلّ، فقاموا أحياء أجمعون، ينفضون التراب عن رؤوسهم، ثم إبراهيم عليه السّلام خليل الرحمن حين أخذ الطيور وقطعهنّ قطعاً، ثم وضع على كلّ جبل منهنّ جزءاً، ثم ناداهنّ فأقبلن سعياً إليه، ثم موسى بن عمران وأصحابه والسبعون الذين اختارهم صاروا معه إلى الجبل فقالوا له: انّك قد رأيت الله سبحانه، فأرناه كما رأيته، فقال لهم: انّي لم أره، فقالوا: لن نؤمن لك حتّى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة فاحترقوا عن آخرهم، وبقي موسى وحيداً فقال: يا ربّ اخترت سبعين رجلاً من بني إسرائيل فجئت بهم وأرجع وحدي فكيف يصدّقني قومي بما أخبرهم به؟ فلو شئت أهلكتهم من قبل وإيّاي، أفتهلكنا بما فعل السفهاء، منّا؟ فأحياهم الله عزّ وجلّ من بعد موتهم، وكلّ شيء ذكرته لك من هذا ? تقدر على دفعه، لأنّ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان قد نطقت به، فإن كان كلّ من أحيا الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص والمجانين يتّخذ ربّاً من دون الله فاتّخذ هؤلاء كلّهم أرباباً، ما تقول يا نصراني؟! قال الجاثليق: القول قولك، ولا إله إلاّ الله.
ثم دعا عليه السلام بالهوبذ الأكبر، فقال له الرضا عليه السلام : أخبرني عن زردهشت الذي تزعم أنّه نبيّ ما حجّتك على نبوّته؟
قال: انّه أتى بما لم يأتنا به أحد قبله ولم نشهده ولكنّ الأخبار من أسلافنا وردت علينا بأنّه أحلّ لنا ما لم يحلّه غيره فاتّبعناه.
قال عليه السلام : أفليس انّما أتتكم الأخبار فاتّبعتموه؟
قال: بلى.
قال: فكذلك سائر الامم السالفة أتتهم الأخبار بما أتى به النبيّون وأتى به موسى وعيسى ومحمّد صلوات الله عليهم، فما عذركم في ترك الإقرار لهم، إذ كنتم انّما أقررتم بزردهشت من قبل الأخبار المتواترة بأنّه جاء بما لم يجئ به غيره، فانقطع الهر بذ مكانه. فقال الرضا عليه السلام : يا قوم إن كان فيكم أحد يخالف الإسلام وأراد أن يسأل فليسأل غير محتشم.
فقام إليه عمران الصابي وكان واحداً في المتكلّمين، فقال: يا عالم الناس لولا أنّك دعوت إلى مسألتك لم اقدم عليكم بالمسائل، ولقد دخلت الكوفة والبصرة والشام والجزيرة ولقيت المتكلّمين فلم أقع على أحد يثبت لي واحداً ليس غيره قائماً بوحدانيّته، أفتأذن لي أن أسألك؟ قال الرضا عليه السلام : إن كان في الجماعة عمران الصابي فأنت هو.
فقال: أنا هو.
فقال عليه السلام: سل يا عمران وعليك بالنصفة، وإيّاك والخطل والجور.
قال: والله يا سيّدي ما اريد إلاّ أن تثبت لي شيئاً أتعلّق به فلا أجوزه.
قال عليه السلام: سل عمّا بدا لك، فازدحم عليه الناس وانضمّ بعضهم إلى بعض.
فقال عمران الصابي: أخبرني عن الكائن الأوّل وعمّا خلق.
قال عليه السلام : سألت فافهم، أمّا الواحد فلم يزل واحداً كائناً لا شيء معه بلا حدود ولا أعراض، ولا يزال كذلك، ثم خلق خلقاً مبتدعاً مختلفاً بأعراض وحدود مختلفة، لا في شيء أقامه ولا في شيء حدّه، ولا على شيء حذاه ولا مثّله له، فجعل من بعد ذلك الخلق صفوة وغير صفوة، واختلافاً وائتلافا، وألواناً وذوقاً وطعماً، لا لحاجة كانت منه إلى ذلك، ولا لفضل منزلة لم يبلغها إلاّ به، ولا رأى لنفسه فيما خلق زيادة ولا نقصاناًُ، تعقل هذا يا عمران؟ قال: نعم والله يا سيّدي.
قال عليه السلام : واعلم يا عمران انّه لوكان خلق ما خلق لحاجة لم يخلق إلاّ من يستعين به على حاجته، ولكان ينبغي أن يخلق أضعاف ما خلق، لأنّ الأعوان كلّما كثروا كان صاحبهم أقوى، والحاجة يا عمران لا يسعها لأنّه لم يحدث من الخلق شيئاً إلاّ حدثت فيه حاجة اخرى، ولذلك أقول: لم يخلق الخلق لحاجة، ولكن نقل بالخلق الحوائج بعضهم إلى بعض، وفضّل بعضهم على بعض بلا حاجة منه إلى من فضّل، ولا نقمة منه على من أذلّ فلهذا خلق. قال عمران: يا سيّدي هل كان الكائن معلوماً في نفسه عند نفسه؟
قال الرضا عليه السلام : انّما تكون المعلمة بالشيء لنفي خلافه، وليكون الشيء نفسه بما نفي عنه موجوداً، ولم يكن هناك شيء يخالفه فتدعوه الحاجة إلى نفي ذلك الشيء عن نفسه بتحديد علم منها، أفهمت يا عمران؟ قال: نعم والله يا سيّدي، فأخبرني بأيّ شيء علم ما علم؟ أبضمير أم بغير ذلك؟
قال الرضا عليه السلام : أرأيت إذا علم بضمير هل تجد بدّاً من أن تجعل لذلك الضمير حدّاً ينتهي إليه المعرفة؟
قال عمران: لابدّ من ذلك.
قال الرضا عليه السلام : فما ذلك الضمير؟
فانقطع عمران ولم يحر جواباً.
قال الرضا عليه السلام : لا باس إن سألتك عن الضمير نفسه تعرّفه بضمير آخر؟!
ثم قال الرضا عليه السلام : أفسدت عليك قولك ودعواك، يا عمران أليس ينبغي أن تعلم أنّ الواحد ليس يوصف بضمير وليس يقال له أكثر من فعل وعمل وصنع وليس يتوهّم منه مذاهب وتجزئه كمذاهب المخلوقين وتجزئتهم فاعقل ذلك وابن عليه ما علمت صواباً. قال عمران: ياسيّدي ألا تخبرني عن حدود خلقه كيف هي؟ وما معانيها؟ وعلى كم نوع يتكوّن؟
قال عليه السلام: قد سألت فافهم، انّ حدود خلقه على ستّة أنواع: ملموس وموزون ومنظور إليه وما لا وزن له وهو الروح، ومنها منظور إليه وليس له وزن ولا لمس ولا حسّ ولا لون ولا ذوق والتقدير والأعراض والصور والطول والعرض، ومنها العمل والحركات الّتي تصنع الأشياء وتعلمها وتغيّرها من حال إلى حال وتزيدها وتنقصها، وأمّا الأعمال والحركات فإنّها تنطلق لأنّه لا وقت لها أكثر من قدر ما يحتاج إليه، فإذا فرغ من الشيء انطلق بالحركة وبقي الأثر، ويجري مجرى الكلام الذي يذهب ويبقى أثره. قال له عمران: يا سيّدي ألا تخبرني عن الخالق إذا كان واحداً لا شيء غيره ولا شيء معه أليس قد تغيّر بخلقه الخلق؟
قال الرضا عليه السلام : لم يتغيّر عزّ وجلّ بخلق الخلق، ولكنّ الخلق يتغيّر بتغييره.
قال عمران: فبأيّ شيء عرفناه؟
قال عليه السلام : بغيره.
قال: فأيّ شيء غيره؟
قال الرضا عليه السلام : مشيّته واسمه وصفته وما أشبه ذلك، وكلّ ذلك محدث مخلوق مدبّر.
قال عمران: يا سيّدي فأيّ شيء هو؟
قال عليه السلام : هو نور بمعنى أنّه هاد لخلقه من أهل السماء وأهل الأرض، وليس لك عليّ أكثر من توحيدي إيّاه.
قال عمران: يا سيّدي أليس قد كان ساكتاً قبل الخلق لا ينطق ثمّ نطق؟
قال الرضا عليه السلام : لا يكون السكوت إلاّ عن نطق قبله، والمثل في ذلك أنّه لا يقال للسراج: هو ساكت لا ينطق، ولا يقال: انّ السراج ليضيء فيما يريد أن يفعل بنا، لأنّ الضوء من السراج ليس بفعل منه ولا كون، وانّما هو ليس شيء غيره، فلمّا استضاء لنا قلنا: قد اضاء لنا حتّى استضأنا به، فبهذا تستبصر أمرك. قال عمران: يا سيّدي فإنّ الذي كان عندي أنّ الكائن قد تغيّر في فعله عن حاله بخلقه الخلق.
قال الرضا عليه السلام : أحلت يا عمران في قولك: انّ الكائن يتغيّر في وجه من الوجوه حتّى يصيب الذات منه ما يغيّره، يا عمران هل تجد النار يغيّرها تغيّر نفسها؟ أو هل تجد الحرارة تحرق نفسها؟ أو هل رأيت بصيراً قطّ رأى بصره؟ قال عمران: لم أر هذا، ألا تخبرني يا سيّدي أهو في الخلق، أم الخلق فيه؟
قال الرضا عليه السلام : جلّ يا عمران عن ذلك، ليس هو في الخلق ولا الخلق فيه، تعالى عن ذلك، وسأعلّمك ما تعرفه به ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله، أخبرني عن المرآة أنت فيها أم هي فيك؟ فإن كان ليس واحد منكما في صاحبه فبأيّ شيء استدللت بها على نفسك؟ قال عمران: بضوء بيني وبينها.
فقال الرضا عليه السلام: هل ترى من ذلك الضوء في المرآة أكثر ممّا تراه في عينك؟
قال: نعم.
قال الرضا عليه السلام : فأرناه، فلم يحر جواباً.
قال الرضا عليه السلام : فلا أرى النور إلاّ وقد دلّك ودلّ المرآة على أنفسكما من غير أن يكون في واحد منكما، ولهذا أمثال كثيرة غير هذا لا يجد الجاهل فيها مقالاً، ولله المثل الأعلى. ثم التفت عليه السلام إلى المأمون فقال: الصلاة قد حضرت.
فقال عمران: يا سيّدي! تقطع عليّ مسألتي فقد رقّ قلبي.
قال الرضا عليه السلام : نصلّي ونعود، فنهض ونهض المأمون فصلّى الرضا عليه السلام داخلاً، وصلّى الناس خارجاً خلف محمّد بن جعفر، ثم خرجا فعاد الرضا عليه السلام إلى مجلسه ودعا بعمران فقال: سل يا عمران. قال: يا سيّدي ألا تخبرني عن الله عزّ وجلّ هل يوحّد بحقيقة أو يوحّد بوصف؟
قال الرضا عليه السلام: انّ الله المبدئ الواحد الكائن الأوّل، لم يزل واحداً لا شيء معه، فرداً لا ثاني معه، لا معلوماً ولا مجهولاً، ولا محكماً ولا متشابهاً، ولا مذكوراً ولا منسيّاً، ولا شيئاً يقع عليه اسم شيء من الأشياء غيره، ولا من وقت كان، ولا إلى وقت يكون، ولا بشيء قام، ولا إلى شيء يقوم، ولا إلى شيء استند، ولا في شيء استكنّ، وذلك كلّه قبل الخلق إذ لا شيء غيره، وما أوقعت عليه من الكلّ فهي صفات محدثة وترجمة يفهم بها من فهم.
واعلم أنّ الإبداع والمشيّة والإرادة معناها واحد وأسماؤها ثلاثة وكان أوّل إبداعه وإرادته ومشيّته الحروف الّتي جعلها أصلاً لكلّ شيء، ودليلاً على كلّ مدرك، وفاصلاً لكلّ مشكل، وتلك الحروف تفريق كلّ شيء من اسم حقّ وباطل، أو فعل أو مفعول، أو معنى أو غير معنى، وعليها اجتمعت الامور كلّها، ولم يجعل للحروف في إبداعه لها معنى غير أنفسها يتناهى ولا وجود لأنّها مبدعة بالإبداع، والنور في هذا الموضع أوّل فعل الله الذي هو نور السماوات والأرض، والحروف هي المفعول بذلك الفعل، وهي الحروف التي عليها الكلام والعبارات كلّها من الله عزّ وجلّ، علّمها خلقه وهي ثلاثة وثلاثون حرفاً، فمنها ثمانية وعشرون حرفاً تدلّ على لغات العربيّة، ومن الثمانية والعشرين اثنان وعشرون حرفاً تدلّ على اللغات السريانيّة والعبرانيّة، ومنها خمسة أحرف متحرّفة في سائر اللّغات من العجم لأقاليم اللغات كلّها، وهي خمسة أحرف تحرّفت من الثمانية والعشرين الحرف من اللغات فصارت الحروف ثلاثة وثلاثين حرفاً. فأمّا الخمسة المختلفة فبحجج لا يجوز ذكرها أكثر ممّا ذكرناه، ثم جعل الحروف بعد إحصائها وأحكام عدّتها فعلاً منه كقوله عزّ وجلّ: (كن فيكون) وكن منه صنع، وما يكون به المصنوع، فالخلق الأوّل من الله عزّ وجلّ الإبداع لا وزن له ولا حركة ولا سمع ولا لون ولا حسّ، والخلق الثاني الحروف ? وزن لها ولا لون وهي مسموعة موصوفة غير منظور إليها، والخلق الثالث ما كان من الأنواع كلّها محسوساً ملموساً ذا ذوق منظور إليه، والله تبارك وتعالى سابق للإبداع لأنّه ليس قبله عزّ وجلّ شيء، ولا كان معه شيء، والإبداع سابق للحروف والحروف لا تدلّ على غير أنفسها. قال المأمون: وكيف لا تدلّ على غير أنفسها؟
قال الرضا عليه السلام: لأنّ الله تبارك وتعالى لا يجمع منها شيئاً لغير معنى أبداً، فإذا ألّف منها أحرفاً أربعة أو خمسة أو ستّة أو أكثر من ذلك أو أقلّ لم يؤلّفها لغير معنى، ولم يك إلاّ لمعنى محدث لم يكن قبل ذلك شيئاً. قال عمران: فكيف لنا بمعرفة ذلك؟
قال الرضا عليه السلام : أمّا المعرفة فوجه ذلك وبابه أنّك تذكر الحروف إذا لم ترد بها غير أنفسها ذكرتها فرداً فقلت: ا ب ت ث ج ح خ حتّى تأتي على آخرها، فلم تجد لها معنى غير أنفسها، فإذا ألّفتها وجمعت منها أحرفاً وجعلتها إسماً وصفة لمعنى ما طلبت ووجه ما عنيت كانت دليلة على معانيها، داعية إلى الموصوف بها، أفهمته؟
قال: نعم.
قال الرضا عليه السلام: واعلم أنّه لا يكون صفة لغير موصوف، ولا إسم لغير معنى، ولا حدّ لغير محدود، والصفات والأسماء كلّها تدلّ على الكمال والوجود، ولا تدلّ على الإحاطة، كما تدلّ على الحدود الّتي هي التربيع والتثليث والتسديس، لأنّ الله عزّ وجلّ وتقدّس تدرك معرفته بالصفات والأسماء، ولا تدرك بالتحديد بالطول والعرض والقلّة والكثرة واللّون والوزن وما أشبه ذلك، وليس يحلّ بالله جلّ وتقدّس شيء من ذلك حتّى يعرفه خلقه بمعرفتهم أنفسهم بالضرورة التي ذكرنا، ولكن يدلّ على الله عزّ وجلّ بصفاته، ويدرك بأسمائه، ويستدلّ عليه بخلقه حتّى ? يحتاج في ذلك الطالب المرتاد إلى رؤية عين ولا استماع اذن ولا لمس كفّ ولا إحاطة بقلب، فلو كانت صفاته جلّ ثناؤه لا تدلّ عليه وأسماؤه لا تدعو إليه والمعلمة من الخلق لا تدركه لمعناه كانت العبادة من الخلق لأسمائه وصفاته دون معناه، فلولا أنّ ذلك كذلك لكان المعبود الموحّد غير الله تعالى، لأنّ صفاته واسماءه غيره، أفهمت؟
قال: نعم يا سيّدي زدني.
قال الرضا عليه السلام : إيّاك وقول الجهّال أهل العمى والضلال الّذين يزعمون أنّ الله جلّ وتقدّس موجود في الآخرة للحساب والثواب والعقاب، وليس بموجود في الدنيا للطاعة والرجاء، ولو كان في الوجود لله عزّ وجلّ نقص واهتضام لم يوجد في الآخرة أبداً. ولكنّ القوم تاهوا وعموا وصمّوا عن الحقّ من حيث لا يعلمون، وذلك قوله عزّ وجلّ: (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضلّ سبيلاً) يعني أعمى عن الحقائق الموجودة، وقد علم ذووا الألباب أنّ الإستدلال على ما هناك لا يكون إلاّ بما ههنا، ومن أخذ علم ذلك برأيه وطلب وجوده وإدراكه عن نفسه دون غيرها لم يزدد من علم ذلك إلاّ بعداً، لأنّ الله عزّ وجلّ جعل علم ذلك خاصّة عند قوم يعقلون ويعلمون ويفهمون.
قال عمران: يا سيّدي ألا تخبرني عن الإبداع خلق هو أم غير خلق؟
قال له الرضا عليه السلام : بل خلق ساكن لا يدرك بالسكون، وانّما صار خلقاً لأنّه شيء محدث، والله الذي أحدثه فصار خلقاً له، وانّما هو الله عزّ وجلّ وخلقه لا ثالث بينهما، ولا ثالث غيرهما، فما خلق الله عزّ وجلّ لم يعد أن يكون خلقه، وقد يكون الخلق ساكناً ومتحرّكاً ومختلفاً ومؤتلفاً ومعلوماً ومتشابهاً، وكلّ ما وقع عليه حدّ فهو خلق الله عزّ وجل، واعلم أنّ كلّ ما أوجدتك الحواسّ فهو معنى مدرك للحواسّ، وكلّ حاسّة تدلّ على ما جعل الله عزّ وجلّ لها في إدراكها، والفهم من القلب بجميع ذلك كلّه.
واعلم أنّ الواحد الّذي هو قائم بغير تقدير ولا تحديد خلق خلقاً مقدّراً بتحديد وتقدير، وكان الّذي خلق خلقين اثنين: التقدير والمقدّر، فليس في كلّ واحد منهما لون ولا وزن ولا ذوق فجعل أحدهما يدرك بالآخر، وجعلهما مدركين بنفسهما، ولم يخلق شيئاً فرداً قائماً بنفسه دون غيره للّذي أراد من الدلالة على نفسه وإثبات وجوده، والله تبارك وتعالى فرد واحد لا ثاني معه يقيمه ولا يعضده ولا يمسكه، والخلق يمسك بعضه بعضاً بإذن الله ومشيّته، وانّما اختلف الناس في هذا الباب حتّى تاهوا وتحيّروا وطلبوا الخلاص من الظلمة بالظلمة في وصفهم الله صفة أنفسهم فازدادوا من الحقّ بعداً، ولو وصفوا الله عزّ وجلّ بصفاته ووصفوا المخلوقين بصفاتهم لقالوا بالفهم واليقين ولما اختلفوا، فلمّا طلبوا من ذلك ما تحيّروا فيه ارتكبوا والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
قال عمران: يا سيّدي أشهد أنّه كما وصفت، ولكن بقيت لي مسألة.
قال: سل عمّا أردت.
قال: أسالك عن الحكيم في أيّ شيء هو؟ وهل يحيط به شيء؟ وهل يتحوّل من شيء إلى شيء؟ أو به حاجة إلى شيء؟
قال الرضا عليه السلام : اخبرك يا عمران فاعقل ما سألت عنه فإنّه من أغمض ما يرد على المخلوقين في مسائلهم، وليس يفهمه المتفاوت عقله العازب علمه، ولا يعجز عن فهمه اولوا العقل المنصفون، أمّا أوّل ذلك فهو كان خلق ما خلق لحاجة منه لجاز لقائل أن يقول: يتحوّل إلى ما خلق لحاجته إلى ذلك، ولكنّه عزّ وجلّ لم يخلق شيئاً لحاجته، ولم يزل ثابتاً لا في شيء ولا على شيء إلاّ أنّ الخلق يمسك بعضه بعضاً، ويدخل بعضه في بعض، ويخرج منه، والله عز وجل وتقدّس بقدرته يمسك ذلك كله، وليس يدخل في شيء ولا يخرج منه، ولا يؤوده حفظه، ولا يعجز عن إمساكه، ولا يعرف أحد من الخلق كيف ذلك إلاّ الله عزّ وجلّ، ومن أطلعه عليه من رسله، وأهل سرّه والمستحفظين لأمره، وخزّانه القائمين بشريعته، وانّما أمره كلمح بالبصر أو هو أقرب، إذا شاء شيئاً فإنّما يقول له: كن، فيكون بمشيّته وإرادته، وليس شيء من خلقه أقرب إليه من شيء، ولا شيء منه هو أبعد منه من شيء أفهم أفهمت يا عمران؟
قال: نعم يا سيّدي قد فهمت، وأشهد أنّ الله على ما وصفته ووحّدته وأنّ محمّداً عبده المبعوث بالهدى ودين الحقّ ثمّ خرّ ساجداً نحو القبلة وأسلم.
وهكذا تحدى الامام الرضا عليه السلام أصحاب الاديان والمذاهب والفرق وفاقهم جميعاً وسجل بذلك للعالم الاسلامي تفوقه وقيمومته العلمية بالنسبة لهم، وتلألأت بذلك شخصية الامام الرضا عليه السلام بشكل خاص.