ولقد تجلت هذه التبعية والاقتداء أكثر من أي شخص في سلوك وعمل السيدة المعصومة سلام الله عليها. وإن معرفة خصائص ومزايا طريقة حياة الإمام الرضا عليه السلام وطريقة تعامله واحتكاكه بأفراد أسرته والأصدقاء وعامة الناس هي طريقة جيدة لنتمكن من جعله أسوة وقدوة لحياتنا ونتّبعه في فترات معينة من حياتنا.
أي شيء أفضل من أن يكون ذلك التعريف مأخوذ من المصادر والمراجع المعتبرة في تاريخ الإسلام، كي لا تتعرض حقانية تلك المواضيع وصحة التعاليم للشك والترديد، ونستطيع أن نزيّن أنفسنا وعائلتنا بهذه الصفات فنكون من الأصحاب والمحبين والشيعة الحقيقيين لهذا الإمام الهمام ونطبق نمط الحياة الرضوية بأفضل طريقة ممكنة.
وسنقوم بمناقشة كل هذه الهواجس في حوار مع الأستاذ والباحث في تاريخ الاسلام، الدكتور محمد حسين رجبي دواني لنتعرف وبشكل أفضل على نمط حياة ذلك الإمام.
* نحن نعلم أنه ينبغي علينا البحث عن النموذج الكامل لنمط الحياة الدينية في منازل أهل البيت عليهم السلام. فما هي النقاط التي تذكرها لنا في هذا السياق، وبشكل عام الأخذ بعين الاعتبار نمط حياة الامام الرضا عليه السلام؟.
المثال الكامل لمدرسة التربية، نجده في بيت الإمام علي عليه السلام والسيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها، حيث انتقلت إلينا من خلال سلوك هؤلاء العظماء إلى أبنائهم ومن جاء بعدهم.
وفيما يخص الإمام الثامن عليه السلام، فإن تلك المدرسة قد تشكلت بتوجيه وقيادة ذلك الإمام ليعلّمنا أساليب التربية الصحيحة. وفي هذه الظروف لم يستطع أحد العيش أفضل وأجمل من الإمام الرضا (ع) لينال رضا الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ فإننا نعتقد أن نهج الحياة الرضوية يمكن أن يكون قدوة لحياتنا وتربية أجيالنا.
* إحدى الأسئلة الأساسية التي يمكن أن تساعدنا في معرفة نمط حياة ذلك الإمام (ع)، هو لقب «الرضا» الذي اختصّ بهذا الإمام (ع). فهل هناك دليل ومصدر موثق في الروايات والأحاديث التاريخية حول تلك الكنية التي تصف نوع حياة ذلك الإمام؟.
نعم؛ يمكن أن نقول إنّ أحد أسباب هذا التلقيب هو جواب الإمام الجواد عليه السلام ، عندما سأله شخص: «يقول بعض الناس أن المأمون هو من أعطى لأبيك هذا اللقب والسبب في ذلك أنه رضي به وأعطاه ولاية العهد.»
فقال الإمام الجواد عليه السلام في جوابه:
«إنهم يكذبون. إن اللّه تبارك و تعالى سماه …… لأنه كان رضى للّه عزّ وجلّ في سمائه ورضى لرسوله والأئمة من بعده صلوات اللّه عليهم.»
فسأل ذلك الشخص: « أ لم يكن كل واحد من آبائك الماضين (عليهم السّلام) رضى للّه عزّ وجلّ ولرسوله والأئمة بعده؟!»
فقال الامام الجواد عليه السلام: «بلي. لكن أبي فقط أصبح الرضا والسبب في ذلك أن الصديق والعدو جميعاً قد قبلوا به والجميع كانوا راضين عنه.»
وفي الحقيقة أعطي هذا العنوان له بسبب نمط الحياة الخاصة بالإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام وسيكون وصفاً جيداً لطريقة حياته. وعلى سبيل المثال يمكن أن نستنتج من هذا العنوان أن الإمام عليه السلام كان يراعي الآخرين في جميع الظروف.
* حسنًا، لقد أشرنا إلى أمثلة سلوكية للإمام الرضا عليه السلام. ومن أغلى الأشخاص لدى ذلك الإمام الهمام أخته العزيزة السيدة المعصومة سلام الله عليها. فكيف كانت تصرفات و تعامل هذين الأخ والأخت، حسب وثائق تاريخ الإسلام؟.
السبب في المحبة الموجودة بين هذين العظيمين هي أن كليهما كانا مولودين من أمّ واحدة، وسائر إخوة وأخوات الإمام الرضا عليه السلام ولدوا من أم أخرى.و في الحقيقة إنّ نجمة خاتون زوجة الإمام موسى الكاظم عليه السلام أنجبت ولدين فقط، هما: الإمام الرضا عليه السلام والسيدة المعصومة سلام الله عليها. ولا توجد معلومات كثيرة حول حياة السيدة المعصومة سلام الله عليها، لكن هذه النقطة واضحة وهي أن الامام الرضا عليه السلام قد أطلق عليها لقب «المعصومة» وهذا يُظهر طهارة نفس وعظمة شخصية تلك السيدة وكذلك محبة الإمام الرضا عليه السلام لها.
*لذلك يمكن القول أن السيدة المعصومة سلام الله عليها كان لها مكانة خاصة لدى الإمام الرضا عليه السلام وعلاقة هذين الأخ والأخت كانت غالية للغاية.
نعم هكذا. طبعاً السيدة فاطمة المعصومة سلام الله عليها لم تكن مثل الرسل والأئمة من حيث المعصومية. لكن كانت تمتلك كمالات روحية وطهارة نفسية كبيرة لدرجة ان الذين يزورونها وُعدوا بدخول الجنة. ويقول الإمام الرضا عليه السلام حول هذا الأمر: «من زار أختي فاطمة المعصومة في مدينة قم كان كمن زارني.».
وهذه الرواية تبيّن معصومية هذه السيدة وشخصيتها العظيمة ومكانتها الخاصة عند أخيها الإمام الرضا عليه السلام.
وطبعاً السيدة المعصومة سلام الله عليها أصغر من الامام الرضا عليه السلام بحوالي خمس وعشرين عامًا، لكن المحبة بين هذين العظيمين قد تمت الإشارة إليها في الكثير من الروايات.
*وفيما يخص سائر إخوة وأخوات الإمام الرضا عليه السلام، هل كانت مثل تلك المحبة موجودة؟.
نعم. لقد أوصى الإمام موسى الكاظم عليه السلام قبل شهادته جميع أبنائه أن يتبعوا أمر أخيهم الإمام الرضا عليه السلام. ولقد تجلت هذه التبعية والاقتداء أكثر من أي شخص في سلوك وعمل السيدة المعصومة سلام الله عليها.
وعندما قام مأمون الرشيد بنفي الإمام الرضا عليه السلام من المدينة المنورة إلى أرض طوس (مشهد اليوم) لم تستطع السيدة المعصومة سلام الله عليها أن تتحمل بُعد أخيها العزيز. وجاء في بعض الروايات أن الإمام الرضا عليه السلام هو من أراد أن تأتي أخته إليه.
وهكذا وقع الأمر، حيث توجهت السيدة فاطمة المعصومة سلام الله عليها من المدينة إلى طوس من أجل الالتحاق بأخيها. وبالطبع كان يرافقها في تلك الرحلة عدد من رجال ونساء بني هاشم وعدد من شيعتها. وكانت طريق الرحلة تمر من قم.
وعندما اقتربت قافلة السيدة المعصومة سلام الله عليها من مدينة قم، هاجم قطاع الطرق أو أعداء الشيعة قافلتها ، فأدّى هذا الأمر إلى إصابة السيدة المعصومة سلام الله عليها. وجاء في بعض الروايات أيضاً أن المعصومة قد مرضت بالقرب من مدينة قم. وأقامت فيها لفترة في منزل أحد الشيعة وبعد عدة أيام توفيت في نفس المدينة.
* أحد إخوة الإمام الرضا عليه السلام أيضاً هو السيد أحمد بن موسى عليه السلام المشهور بـ (شاه جراغ)، المدفون في مدينة شيراز.
هل جاء في تاريخ الإسلام مطلب يتعلق بعلاقة الأخوة بين الإمام الرضا عليه السلام وأخيه؟.
أهم نوع من اللقاء بين هذين الأخوين يتعلق بقصة شهادة الإمام موسى الكاظم عليه السلام. وجاء في التاريخ أن الإمام الرضا عليه السلام كان يتعامل بمنتهى الحب والعطف مع جميع إخوته وأخواته ولهذا السبب كان جميع أفراد الأسرة يكنّون له محبة خاصة. ولم يكن السيد أحمد بن موسى عليه السلام والمعروف بشاهجراغ مستثنيا من هذه القاعدة، وتحت تأثير المواقف العظيمة والمحبة التي كان قد رآها من أخيه فقد أعجب به واعترف بعلمه ومعرفته الإلهية.
*كيف كانت قصة لقاءات هذين الأخوين في زمن شهادة الإمام موسى الكاظم عليه السلام؟.
بعد شهادة الامام موسى الكاظم عليه السلام، كان من الطبيعي للشيعة التعرف على الإمام الذي يليه. لذلك عندما انتشر خبر شهادة الإمام موسى الكاظم عليه السلام، اجتمع الناس أمام منزل أحمد بن موسى عليه السلام ورافقوه حتى المسجد. وبما أن السيد أحمد بن موسى عليه السلام كان واحداً من الشخصيات العلمية والدينية والفقهية الكبرى آنذاك، كان الناس يظنون أنه هو الإمام بعد أبيه، لذلك قاموا بمبايعته.
وبعد ذلك صعد أحمد بن موسى عليه السلام المنبر وألقى خطبة بمنتهى الفصاحة والبلاغة وقال للناس: « أيّها الناس، كما أنّكم جميعاً في بيعتي فانّي في بيعة أخي علي بن موسى الرضا عليه السلام وأعلموا أنّه الإمام والخليفة من بعد أبي وهو ولي الله ، والفرض عليَّ وعليكم من الله والرسول، طاعته بكلّ ما يأمرنا ”.
فكلّ من كان حاضراً خضع لكلامه ، وخرجوا من المسجد يقدمهم أحمد وحضروا عند الإمام الرضا عليه السلام، فأقرّوا بإمامته؛ وهذا الأمر يظهر حقيقةً وهو صدق السيد أحمد بن موسى عليه السلام، وبالطبع فإن هذه الصفة قد ازدادت لديه وتضاعفت بسبب الشهامة التي كان يراها من الإمام الرضا عليه السلام. وعندما رأى الإمام حقيقة أخيه فإنه وكعادته دعا له بالخير وقال: «كما أنك لم تخفي الحق وتضيعه، فإن الله تعالى لم يضيعك في الدنيا ولا في الآخرة.»
*هل كان هذا النوع من التعامل موجوداً مع ابنه الإمام الجواد عليه السلام؟.
نعم؛ النقطة البارزة في سلوك الإمام الرضا عليه السلام مع ولده الإمام الجواد عليه السلام هي أنّ الرأفة والمحبة كانتا ظاهرتين في هذا الإمام العظيم. وفي الحقيقة كما كان الإمام الرضا (ع) يتعامل مع جميع أعضاء عائلته بالمحبة والعطف، فإنه كان يتعامل بالطريقة نفسها مع ابنه أيضاً.
وكذلك جاء في حكاية أنه قبل ولادة الإمام الجواد عليه السلام، قال له شخص بعد أن شاهد محبته للأطفال وعطفه عليهم: «إنك حنون جداً على الأطفال. أطلب من الله أن يرزقك ولداً.» فقال الإمام الرضا عليه السلام مجيباً: «سيعطيني الله ولداً سيكون وارثاً لي.»
ونُقل أنه عندما ولد الإمام الجواد عليه السلام، أحبه الإمام الرضا عليه السلام كثيرا، لدرجة أنه كان يجلس كل ليلة بالقرب من مهده وكان يلعب معه. وعندما علم بعض أصحاب الإمام بذلك الأمر، سأله هل جميع الناس تشفق على أبنائها بهذه الطريقة؟.
فقال الإمام الرضا عليه السلام: هذا الابن ليس كبقية الناس، بل إن ولادته ونموه مثل أجداده الأطهار.
وفي الوقت نفسه جاء في المصادر التاريخية أن الإمام الرضا عليه السلام ضمن محبته لابنه الجواد عليه السلام، كان يحترمه. وفي ذلك الوقت كانوا ينادون الشخص بلقب أو كنية، بدل الاسم، وكان يعتبر نوعاً من الاحترام، وكان الإمام الرضا عليه السلام ينادي ولده بكنيته ( أبو جعفر).
*إننا نعرف الإمام الرضا عليه السلام بالإمام الرؤوف. فمن أين نشأت هذه الصفة للإمام الرضا عليه السلام؟.
هذا صحيح. إننا نعرف الإمام الرضا عليه السلام بصفة الرحمة والرأفة. ولم تقتصر هذه الصفة على تعامله مع عائلته وأقربائه فقط، بل كان جميع الناس يستفيدون منها، وكل بحسب سعته الوجودية. وفي هذا الخصوص أيضاً يوجد في تاريخ حياة الإمام الرضا عليه السلام روايات تدل على ذلك.
وعلى سبيل المثال يروي إبراهيم بن عباس، أنني كنت مع الإمام الرضا عليه السلام وكان الناس يلاقونه في طريق الذهاب والإياب، فما رأيت أبا الحسن الرضا عليه السلام جفا أحدًا بكلمة قط، وما رأيته قطع على أحد كلامه حتى يفرغ منه، وما رد أحدًا عن حاجة يقدر عليها، ولا مدَّ رجليه بين يدي جليس له قط، ولا اتكأ بين يدي جليس له قط، ولا رأيته شتم أحدًا من مواليه ومماليكه قط، ولا رأيته تفل قط، ولا رأيته يقهقه في ضحكه قط، بل كان ضحكه، التبسم.
وبشكل عام أثبتت الشواهد التاريخية أنه إذا اتّخذنا نمط الحياة الرضوية قدوة لحياتنا، فإن الكثير من المشاكل والعادات السيئة في حياتنا الفردية والاجتماعية ستُحل وتزول.