وحائرات ... اطار القوم اعينها
رعباً غداة عليها خدرها هجموا
فغودرت بين ايدي القوم حاسرة
تسبى وليس لها من فيه تعتصم
نعم لوت جيدها بالعتب هاتفة
بقومها وحشاها ملؤه ضرم
العرب حتى في العرف الجاهلي، كانوا يأبون وستنكرون من اسر المرأة وضربها، فليس ذلك من المروءة ولا الرجولة ولا البطولة في شيء؛ لذا ترفعوا عن سبي النساء العاديات، فكيف بالنسبة الكريمات، ولا ندري بعد ذلك اين بنو امية من الاعراف القبلية، ثم اين هم من الاحكام الاسلامية، وقد سبوا حرائر الرسالة وكرائم العرب في كربلاء، لا دين يمنعهم عن ذلك ولا حياء ولا شهامة ولا اباء، ولا حتى عروبة ولا جاهلية.
وقد دعاهم الامام الحسين عليه السلام الى خلق انساني عرفته العرب قبل الاسلام، تنزلاً منه سلام الله عليه معهم، حين صاح بهم في ساحة كربلاء: (يا شيعة آل ابي سفيان، ان لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا احراراً في دنياكم، وارجعوا الى احسابكم ان كنتم عرباً كما تزعمون).
ان من بين السبايا نساء فاضلات، عرفن، بالجلالة والمنزلة الرفيعة في المجتمع، وقد رافقن الامام الحسين صلوات الله عليه في سفره الالهي المقدس الى طف الشهادة بكربلاء، بعد ان ناصرن امام زمانهن، وقدمن فلذات اكبادهن، واخترن الاسر مع العقيلة الكبرى زينب وعائلة سيد شباب اهل الجنة..
احداهن: كبشة ام سليمان، مولاة الامام الحسين، كانت رضوان الله عليها عالمة فاضلة من ربات البر والاحسان، اشتراها الامام الحسين عليه السلام بالف درهم وعاشت في بيت احدى زوجاته، وهي ام اسحاق بنت طلحة التميمية، وقد تزوج كبشة هذه ابو رزين فولدت منه سليمان الذي قدمته بين يدي سيده وامامه ومولاه الحسين مجاهداً ثم شهيداً، وقد خصه الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف بسلام خاص في زيارته لشهداء كربلاء فقال: السلام على سليمان، مولى الحسين بن امير المؤمنين، ولعن الله قاتله سليمان بن عوف الحضرمي.
وسليمان هذا هو الذي ارسله الامام الحسين صلوات الله عليه بكتب الى رؤساء الاخماس والاشراف بالبصرة حيث كان عليه السلام ما يزال في مكة قبل انطلاقه الى كربلاء.. هكذا ذكر ارباب السير والمقاتل، فجاء سليمان بالكتاب بنسخة واحدة الى جميع اشراف البصرة، وقيل بان منذ بن الجارود قدمه الى عبيد الله بن زياد حينما كان والياً على البصرة، فامر بضرب عنقه، اما امه كبشة فقد قدمت مع الامام الحسين عليه السلام الى كربلاء، وشاهدت كل ما جرى على آل الرسول من مصائب ورزايا، وصبرت واحتسبت وانضمت الى ركب السبا من آل محمد صلوات الله عليه وآله.
واما المرأة الاخرى فهي فكيهة زوجة عبد الله بن اريقط، كانت محبة لاهل بيت الوحي والرسالة، فخدمت زوجة الامام الحسين الرباب، وقد ولدت من زوجها عبد الله غلاماً طيباً يدعى قارب، دفعته امه فكيهة لان يقاتل بين يدي امام زمانه الحسين بن علي، فتقدم مبارزاً حتى نال شرف الشهادة في ارض كربلاء، ثم نال الشرف الاخر حين زاره الامام الحجة المهدي ارواحنا فداه قائلاً: (السلام على قارب مولى الحسين بن علي).
قال اصحاب المقاتل: خرج قارب بن عبد الله الدؤلي مع الحسين من المدينة الى مكة ثم الى كربلاء، واستشهد في الحملة الاولى قبيل ظهيرة عاشوراء بساعة.
اما امه فكيهة رضوان الله عليها، فقد انضمت الى ركب الاسارى الذين بعثهم ابن زياد الى الشام، حيث واست هذه المرأة النجيبة عيال الحسين بما جرى عليهم من الاذى والضيم.
وتلك جارية نبيلة من جواري سيد الشهداء، تدعى حسنية، هي والدة منجح بن سهم، وكان الامام الحسين عليه السلام قد اشتراها من نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، ثم زوجها من سهم فولدت منه غلاماً شهماً هو منجح جاءت به امه الكريمة المؤمنة الى واقعة الطف بكربلاء، وشهدت معه تلك المشاهد المهولة، فدعته الى نصرة امامه ابي عبد الله الحسين، فلبى لا يأمل الا الشرف الرفيع حتى ناله.
قال اصحاب المقاتل: خرج منجح بن سهم من المدينة مع ولد الامام الحسن في صحبة الامام الحسين عليهما السلام، ولما تبارز الفريقان في كربلاء، قاتل منجح قتال الابرار، فعطف عليه حسان بن بكر الحنظلي فقتله، وذلك في اوائل المعركة يوم عاشوراء.. فكلله الامام المهدي المنتظر صلوات الله عليه بزيارته قائلاً: (السلام على منجح مولى الحسين بن علي، السلام عليكم يا خير انصار، السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار، بؤأكم الله مبوأ الابرار). اما ام منجح حسنية، وهي المفجوعة بولدها، ثم بامامها، فقد طوت حياتها على الحزن بعد ان شهدت تلك المصائب والمحن العظمى، وواست آل المصطفى.
فيما نزل بهم من البلاء العظيم، حيث كانت في السبايا الى الكوفة ثم الشام، حتى عادت مع الركب الحسيني الشريف الى المدينة، فعاشت في بيت الامام زين العابدين علي بن الحسين سلام الله عليه.
ومن بلاد فارس كما كان سلمان من اهل البيت كانت شهربانو زوجة للامام الحسين عليه السلام، حضرت معه ارض كربلاء، وعاشت محنته الكبرى مع عيالاته المفجوعة، وكان لها طفل فر من الخيمة حائراً خائفاً مرتعشاً، ينظر يميناً وشمالاً، فحمل عليه هاني بن ثبيت فضربه، فقتله بين يدي الحسين، وهناك عند باب الخيمة امه شهربانو وقفت مدهوشة لا تدري ماذا تفعل، فعاشت فجيعته، وضمت صراخها الى صراخ اسرة آل الرسول، ثم انضمت الى ركب السبا في سفره المرير.
*******