"السلام عليك يا أبا عبدالله.. السلام عليك سلام العارف بحرمتك، المخلص في ولايتك، المتقرب إلى الله بمحبتك، البريء من أعدائك.. أشهد أنك قد أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر والعدوان وأطعت الله وما عصيته، وتمسكت بحبله فارتضيته، وخشيته وراقبته واستحييته وسننت السنن، وأطفأت الفتن ودعوت إلى الرشاد وأوضحت سبل السداد وجاهدت في الله حق الجهاد. وكنت لله طائعاً ولجدك رسول الله محمد صلى الله عليه وآله تابعا، ولقول أبيك سامعا، وإلى وصية أخيك مسارعا، ولعماد الدين رافعا وللطغيان قامعا.. وللإسلام عاصما وللمسلمين راحما وللحق ناصرا وعند البلاء صابرا.. تحوط الهدى وتنصره وتبسط العدل وتنشره وتنصر الدين وتظهره وتكف العابث وتزجره".
إخوتنا الأعزة الأكارم.. السلام عليكم وأهلا بكم في لقائنا الطيب هذا معكم ولقاء آخر مع الإمام أبي عبد الله الحسين حبيبنا وحبيبكم، سبط الرسول المصطفى وحفيده المفدى ووصيه ووصيته الكبرى.. كيف – أيها الإخوة – يا ترى؟!
روى الشيخ سليمان القندوزي، الحنفي المذهب، في كتابه (ينابيع المودة لذوي القربى) عن أحمد بن حنبل في (مسنده)، والحافظ أبي نُعيم في (حلية الأولياء)، والجويني الشافعي في (فرائد السمطين)، عن عكرمة، عن ابن عباس وكذا عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: "من سره أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويسكن جنات عدن التي غرسها ربي، فليوال علياً من بعدي وليوال وليه، وليقتد بالأئمة من ولده من بعده، فإنهم عترتي، خلقوا من طينتي ورزقوا فهماً وعلماً، ويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي".
وفي رواية الخوارزمي الحنفي في كتابه (المناقب)، بسنده عن الحسين عليه السلام أنه قال: "من أحب أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويدخل الجنة التي وعدني ربي، فليتول علياً وذريته الطاهرين، أئمة الهدى، ومصابيح الدجى من بعده، فإنهم لن يخرجوكم من باب الهدى إلى باب الضلالة".
وأورد الشيخ الصدوق قريباً من هذا الحديث الشريف في كتابيه (الأمالي) و(الخصال) وفيهما: "فليتول علي بن أبي طالب، وليأتم بالأوصياء من ولده، فإنهم عترتي، خلقوا من طينتي. إلى الله أشكوا أعداءهم من أمتي، المنكرين لفضلهم، القاطعين فيهم صلتي. وأيم الله لتقتلن ابني بعدي الحسين! لا أنالهم الله شفاعتي!".
صلى الله عليك يا رسول الله، وعلى آلك أولياء الله.. لقد جعلتنا نراجع أنفسنا هل نحن حقاً من المحمديين، وذلك لا يتحقق إلا أن نكون حسينيين، ولا نكون حسينيين حتى نأتم بالحسين صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الطيبين الطاهرين. وكيف نأتم يا ترى؟ أنكتفي بالأقوال والإدعاءات والإنتماء إلى الأسماء والمسميات؟ أم نقرن ذلك بالإيمان الصادق الراسخ، والعمل الصالح الناصح، فالإئتمام بأهل البيت عليهم السلام – أيها الإخوة الأفاضل – لا يثبت باللسان، ما لم تصدقه الجنان. إنه في القول القويم والعمل السليم في العقيدة الحقة والعبادة المخلصة والأخلاق المقتدية بمحمد وآله الميامين صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين، ومصاديق الإنتماء الحقيقي بعد ذلك – إخوتنا الأعزة – له مصاديقه ظاهرة في المواقف والإهتمامات، فالحسينيون هم المتأسون بموالاهم سيد شباب أهل الجنة أبي عبد الله الحسين سلام الله عليه، والداعون إليه بألسنتهم وشعاراتهم وأفعالهم وتبليغاتهم، من على المنابر، وعلى القراطيس، ومن خلال البث الفضائي، وقنوات الإشعاع النوراني، في المواسم والمناسبات، وفيما تقتضيه الأحوال والفرص، ليعرف من هو الحسين، وماذا قال الحسين وكيف للناس أن يحبوا الحسين ويهتدوا بالحسين.
فقد روى الشيخ الصدوق أعلى الله مقامه في كتابيه (معاني الأخبار) و(عيون أخبار الرضا عليه السلام) عن عبد السلام بن هارون الهروي أنه قال: سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يقول: (رحم الله عبداً أحيا أمرنا)، فقلت له: فكيف يحيي أمركم؟ قال: "يتعلم علومنا ويعلمها الناس، فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا".
أيها الأكارم وتطبيقاً لهذه القاعدة العامة التي يبينها لنا الامام الرضا عليه السلام نسأل ماهي المصاديق العملية المعاصرة التي ينبغي للمؤمنين ومحبي سيد الشهداء عليه الصلاة والسلام إنتهاجها لنشر قيم الملحمة الحسينية؟ هذا السؤال عرضناه على ضيفنا الكريم في هذا اللقاء فضيلة الشيخ فرحان الساعدي استاذ العلوم الدينية في حوزة النجف الأشرف فلنستمع معاً.
الساعدي: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
الأمر في إتجاهين، في اتجاه المراثي وإحياء الشعائر وفي اتجاه السلوك. ففي المراثي فلابد من إحياء هذه المراثي وهذه الشعائر في كل سنة لأنها هي التي تبقي هذه الجلوة وبإختفاءها تختفي هذه القيم وتصبح مجرد رقم محفوظة. بالجانب الآخر السلوك لأن الذي لايتمثل سلوكاً اسلامياً لايمكن أن يكون داعية كما قال الامام الصادق سلام الله عليه "كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم" فإذا ما إستلهم المؤمن ومحب الامام الحسين أخلاق الامام الحسين وتمثل عنها فيستطيع بعد ذلك أن يكون قدوة ومؤثراً فلا إنفكاك بين الشعائر والإحياء الذي أمر به الأئمة وبين السلوك الفردي والشخصي والأخلاقي والمروءة والتدين الحقيقي لأن الناس تكتشف المنافق. والمنافق لايستطيع أن يخدع الناس طول الحياة فهو يحاول أن يدعي حب اهل البيت ولكن سلوكه يكشفه وهذا يؤثر على قيمة هذا السلوك وإن كان الذي يعتقد الذي يتبناه كاذباً لكن يؤثر في نظر الناس المهزوزة لذلك ينبغي لنا تشخيص المنافقين والكذابين وفضحهم والظهور بمظهر حق امام الناس لتكون هذه القيم ذات تأثير ومقبولية لدى الناس لأن ماخرج من القلب يدخل الى القلب. الحقيقة أن القضية الحسينية هي قضية دينية بالدرجة الأساس وبدرجة ثانوية يمكن أن تنفع كل الآخرين حتى من ديانات اخرى يعني شخص غير مسلم ويرى كيف أن شخصاً يقف ضد الظلم بهذه الكيفية ويدعوه الى الحرية فالذي يدعي حب الحسين وهو موافق على العبودية وعلى الذل فهو على هوان وليس فقط من الناحية السياسية، حتى على الناحية الشخصية. الذي يرضى أن يكون ذليلاً ويكون ذيلاً ذنباً هذا لايكون حسينياً بينما الآخر المختلف في الديانة الذي يستلهم من الامام الحسين قوله "إن لم يكن لكم دين فكونوا أحراراً في دنياكم وإرجعوا الى أنفسكم وحاسبوها" لذلك الفائدة يمكن أن تعم الجميع ويمكن فعلاً حتى الذي يدعي حب الامام الحسين اذا خلاها مجرد شعار على الجدران ولم يحاول أن يدخل هذه الفكرة الى ضميره والى قلبه فتصبح بلا منفعة فعلينا أن نقوم بالأمرين معاً وهو أن نفي بهذه الأفكار من خلال الشعائر من المراثي والقصائد وكل أشكال التأبين بالاضافة الى سلوكنا. اذا ما إعتمدنا هذا المنهج وهو البقاء على الشعائر والمراثي بالاضافة الى السلوك الحسن الذي يؤثر في النفس فإننا بهذه الحالة نجعل منها نظرية عالمية وتستطيع النفس أن تبدل هوانها في رفض الذل لأن الله سبحانه وتعالى يقول "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ" فإذا كنا من الداخل مهزومين، أذلاء فلاقيمة لمدعياتنا لذلك لابد لنا أن نغير هذا الطابع في نفوسنا لكي يأتي نصر الله بعد ذلك.
مستمعينا الأكارم تقبل الله من فضيلة الشيخ فرحان الساعدي هذه المشاركة في حلقة اليوم من برنامج الحسين في الوجدان نتابع تقديمها من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. فنشير إلى بعض نماذج التأثر بقيم الملحمة الحسينية الخالدة.
لقد سمع بعضهم – أيها الإخوة – شيئاً حول أبي عبد الله الحسين عليه السلام، فما كانت حالهم، وبماذا أفصحت أقوالهم؟ قال الأستاذ محمد رضا المصري: الحسين هو علم المهتدين ورجاء المؤمنين. وكتب الباحث المصري عباس محمود العقاد: مَثُلَ الحسين للناس في حلة من النور تخشع لها الأبصار، وباء بالفخر الذي لا فخر مثله في تواريخ بني الإنسان. وفي مؤلفه (سبطا رسول الله) كتب الأستاذ عبد الحفيظ أبوالسعود: الحسين هو عنوان الجهاد الحر، والإستشهاد في سبيل المبدأ والعقيدة، وعدم الخضوع لجور السلاطين، وبغي الحاكمين.
فيما كتب الأستاذ محمد الباقر في كتابه (الشهيد الخالد): إن سيرة الإمام الحسين الشهيد جديرة بأن ينقشها العرب جميعاً – على تنوع ميولهم ومذاهبهم – في أمواق أفئدتهم، لأنها سيرة العقيدة والتضحية، وسيرة العزة والكرامة. وقال الأستاذ علي الشرقي: إن ثورة الحسين عليه السلام هي ثورة لكل إنسان، وستبقى المثالية والرائدة بلا منازع.
وكتب الأستاذ المسيحي أنطون بارا في كتابه (الحسين في الفكر المسيحي): إن المظلومين والمضطهدين، والمقهورين والمروعين، من كل الأديان والبقاع يتجهون في كل رغباتهم إلى جوهر ثورة الحسين.
وقال المطران الدكتور برتلماوس: إن الحسين من وجهة نظر مسيحي، هو شهيد للمسيحية كما هو للإسلام وكما لغيرهما أيضاً، لأن فداءه كان ذا أهداف إنسانية شمولية. وقال مسيحي آخر معجب ومتمن: لو كان الحسين لنا، لرفعنا له في كل بلد بيرقاً ولنصبنا له في كل قرية منبراً، ولدعونا الناس إلى المسيحية باسم الحسين.
أجل – أيها الإخوة – هذا مسيحي يقول هذه المقالة، فكيف بنا نحن إذا كنا حسينيين حقاً، وأحببنا أن نبقى حسينيين صدقاً، ألا ينبغي علينا أن نرفع ذكر الحسين في كل أرض وطئناها وأن ننصب له في كل قلب محبة له وولاء ومودة، لنصبح دائماً مع الحسين.. مخلصين للحسين صلوات ربنا على الحسين.