كربلا.. لا زلت كرباً وبلا
ما لقي عندك آل المصطفى
كم على تربتك لما صرعوا
من دم سال ومن دمع جرى
وضيوف لفلاة قفرة
نزلوا فيها على غير قرى
لم يذوقوا الماء حتى اجتمعوا
بحدى السيف على ورد الردى
يا رسول الله لو عاينتهم
وهم ما بين قتل وسبا
لرأت عيناك منهم منظراً
للحشى شجو وللعين قذى
ميت تبكي له فاطمة
وأبوها، وعلي ذو العلى
لو رسول الله يحيا بعده
قعد اليوم عليه للعزا
إخوتنا المؤمنين الأعزة.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم في هذا اللقاء المتجدد معكم.
أيها الإخوة،، إن الإسلام دين الحق والقيم العليا، ومن مستلزمات الإيمان به الشعور بأننا مدينون به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وإلى خلفاء الحق أميرالمؤمنين وأبنائه الأئمة الهداة المعصومين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، والإيمان بالنبوة والإمامة يقتضي – أيها الأعزة الأفاضل – أن نكون أوفياء للنبي ولآله سلام الله عليه وعليهم، ومن صور الوفاء ومواقفه نشر ذكرهم الطيب العاطر الزاكي، وإقامة مناسباتهم ومراسم شعائرهم، وإحياء ذكرياتهم والتعريف بمقاماتهم وفضائلهم ومناقبهم وأفضلياتهم وعرض مظلومياتهم.
وللإمام الحسين عليه السلام، ذكر خاص، كما أن شهادته أمر خاص، وهذا ليس بدعاً من الأمر، بل هو سنة سنّها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، حين أقام عليه العزاء مرات عديدة، في بيوت زوجاته وفي بيت إبن عمه علي وإبنته فاطمة، منذ ولد الحسين وبعد ولادته سنوات متعابقة، وكانت له حالات خاصة في البكاء عليه بعد إخبار جبرئيل عليه السلام إياه بما سيجري على ولده وسبطه وريحانته الحسين صلوات الله عليه.
وترقرقت عينا أميرالمؤمنين عليه السلام يوم مرّ على كربلاء قافلاً من صفين، ثم أخبر أصحابه وقد اخضلت لحيته بدموعه حتى سالت على صدره: "هذا مناخ ركابهم، وهذا ملقى رحالهم، وها هنا تهراق دماؤهم، طوبى لك من تربة، عليك تهراق دماء الأحبة" ثم قال:"صبراً يا أبا عبد الله، فقد لقي أبوك مثل ما الذي تلقى منهم" أي من الغدر والإرتداد.
وحدث الإمام الصادق – عليه السلام – أبا بصير حول أحزان فاطمة الزهراء عليها السلام وبكائها على ولدها الحسين وشهقتها المفجعة، ثم قال له: "يا أبا بصير، أما تحب أن تكون فيمن يسعد فاطمة عليها السلام!".
وأما الإمام السجاد علي بن الحسين عليه السلام، فكانت له مجالس ومآتم عديدة على أبيه، وقد خشي عليه الموت، لما دخله من الأحزان، فلما قيل له: أما آن لحزنك أن ينقضي ولبكائك أن يقل؟! أجاب: "رأيت أبي وأخي وسبعة عشر من أهل بيتي صرعى مقتولين، فكيف ينقضي حزني ويذهب بكائي؟!".
وأما نساء أهل البيت عليهم السلام وعليهن، فقد تركن مظاهر الزينة سنوات، حداداً على سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين، وتواصلت مجالسهن الكئيبة، وكان الإمام زين العابدين عليه السلام يصنع لهن الطعام لينشغلن بمآتمهن، وكان يقول: "إني لا أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة، وإذا نظرت إلى عماتي وأخواتي ذكرت فرارهن من خيمة إلى خيمة.." أجل:
رأى اضطرام النار في الخباء
وهو خباء العز والإباء
شاهد في عقائل النبوة
ما ليس في شريعة المروة
من نهبها وسلبها وضربها
ولا مجير قط غير ربها
رأى وقوف الطاهرات الزاكية
قبالة الرجس يزيد الطاغية
وهن في الوثاق والحبال
في محشد الأوغاد والأنذال
وقد وردت مستمعينا الأفاضل عدة أحاديث شريفة تحث المؤمنين على إنشاء وإنشاد الشعر في المصاب الحسيني، يحدثنا عنها وعن الحكمة في ذلك ضيف حلقة اليوم من برنامجكم الحسين في الوجدان الباحث الاسلامي فضيلة الشيخ ابراهيم الحجاب من السعودية فلنستمع لما يقوله ولكن بعد هذا الفاصل.
الحجاب: بسم الله الرحمن الرحيم لقد كان دور الشعر في إحياء ذكرى الحسين صلوات الله وسلامه عليه دوراً فعالاً جداً حيث إبتدأ من الامام زين العابدين سلام الله عليه عندما أشار الى بشر بن حجلان حيث قال له رحم الله أباك فلقد كان شاعراً وطلب منه أن يرثي الامام الحسين سلام الله عليه بأبيات من الشعر، فوصل بشر بن حجلان الى المدينة ووقف في مكان مرتفع وصعد على صخرة كما تقول الرواية:
يا اهل يثرب لامقام لكم بها
قتل الحسين فأدمعي مدرار
الجســم منه بكربلاء مضرج
والرأس على القنـــــا يدار
ثم إنطلق الأئمة سلام الله عليهم أجمعين في حث الشعراء في إحياء ذكرى الحسين صلوات الله عليه. الامام الصادق بأبي هو وأمي يطلب من السيد اسماعيل الحميري أن يرثي الامام الحسين وقال انشدني كما تنشدون وبدأ اسماعيل الحميري رثاءه على الحسين: وقل لأعظمه الزكية ... الخ الأبيات. وكذلك امامنا الرضا سلام الله عليه حيث ألقى الشاعر دعبل بن علي الخزاعي شاعر أهل البيت وأيده بذلك وشجعه وأعطاه القميص المشهور وقال له هذا القميص الذي صليت فيه وختمت القرآن فيه فنلاحظ أن الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين لهم الدور الكبير في إنشاد الشعر وأمر الشعراء وهكذا انطلق شعراء أهل البيت صلوات الله عليهم الى هذا اليوم في رثاء سيد الشهداء الحسين بن علي صلوات الله وسلامه عليه. من خلال هذه الروايات التي رويناها عن الأئمة المعصومين صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين نلاحظ هناك روايات كثيرة، هذه الروايات تحث على إنشاد الشعر في الحسين سلام الله عليه والروايات تبين أن الله عزوجل أعد الأجر والثواب لمن لأنشد شعراً في سيد الشهداء سلام الله عليه. جعلنا الله وإياكم من الذين يسعون في إنشاد الشعر وإن لم يتمكنوا من كتابة الشعر نسأل الله أن يجعلنا من المنشدين لرثاء الشعر في الامام الحسين سلام الله عليه بأبي هو وأمي لكي نستطيع أن نهمل العبرة من العين فتكون هذه الدمعة تشفع لنا عند الله إن شاء الله عزوجل.
نشكر الباحث الاسلامي فضيلة الشيخ ابراهيم الحجاب على هذه التوضيحات ونتابع أعزاءنا المستمعين من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران تقديم حلقة اليوم من برنامج الحسين في الوجدان. فننقل لكم أحاديث شريفة أخرى في الحث على إنشاء وإنشاد الشعر في المصاب الحسيني والمآتم الحسينية التي كان يقيمها أئمة العترة النبوية – عليهم السلام -.
وقد كانت للإمام الباقر عليه السلام لوعات خاصة، فقد كان حاضراً في طف عاشوراء وهو ثلاثي أو رباعي، وشاهد ما جرى على جده الحسين وآل الحسين، وذهب إلى الكوفة والشام مع الأسارى، وكان يوصي بزيارة الإمام الحسين عليه السلام، لا سيما يوم عاشوراء، ويقول للزائر: (ثم ليندب الحسين عليه السلام ويبكيه ويأمر من في داره ممن لا يتقيه بالبكاء عليه، ويقيم في داره مصيبة بإظهار الجزع عليه، ويتلاقون بالبكاء بعضهم بعضاً في البيوت، وليعز بعضهم بعضاً بمصاب الحسين عليه السلام).
وقد استقبل الكميت الأسدي الشاعر، فأنشده مرثية في الإمام السبط الشهيد بقوله:
من لقلب متيم مستهام
غير ما صبوة ولا أحلام
فلما فرغ، قال عليه السلام له: "لا تزال مؤيداً بروح القدس ما دمت فينا" ودعا له بقوله ثلاث مرات: "اللهم ارحم الكميت واغفر له".. هذا وكان الإنشاد مجلساً تأبينياً ذرفت فيه دموع ولائية على مصاب الإمام الحسين سلام الله عليه.
كذلك عقد المأتم الحسيني الشريف في محضر الإمام الصادق عليه السلام يوم أنشده جعفر بن عثمان الطائي تائيته، وفيها قوله:
لبيك على الإسلام من كان باكياً
فقد ضُيعت أحكامه واستحلت
غداة حسين للرماح دريئة
وقد نهلت منه السيوف وعلت
فما نصرته أمة السوء إذ رع
لقد طاشت الأحلام منهم وضلت
وما حفظت قرب النبي ولا رعت
وزلت بها أقدامها واستزلت
أذاقته حر القتل أمة جده
فتبت أكف الظالمين وشلت
فلا قدس الرحمان أمة جده
وإن هي صامت للإله وصلت
كما فجعت بنت الرسول بنسلها
وكانوا كماة الحرب حين استقلت
فبكى الإمام الصادق عليه السلام ومن حوله، حتى سالت الدموع على وجهه ولحيته، كذلك بكى لما أنشده أبوهارون قصديته بالرقة كما أمره الإمام عليه السلام:
أمرر على جدث الحسين
وقل لأعظمه الزكية
وبكى يوم أنشده أبوعمارة قصيدته حتى سمع البكاء من الدار.
كذلك استقبل الإمام الرضا عليه السلام دعبل الخزاعي وقال له: (يا دعبل، أحب أن تنشدني شعراً، فهذه الأيام، أيام حزن كانت علينا أهل البيت.. يا دعبل، من بكى وأبكى على مصابنا ولو واحداً، كان أجره على الله.. يا دعبل، من بكى على مصاب جدي الحسين غفر الله ذنوبه ألبتة) ثم نهض عليه السلام وضرب ستراً بين مجلسه وبين حرمه، وأجلس أهل بيته من وراء الستر ليبكوا على مصاب جدهم الحسين عليه السلام.
قال دعبل: ثم ألفت إلي وقال لي: (يا دعبل، إرث الحسين) قال: فاستعبرت وسالت عبرتي وأنشأت أقول:
أفاطم لو خلت الحسين مجدلاً
وقد مات عطشاناً بشط فرات
إذن للطلمت الخد فاطم عنده
وأجريت دمع العين في الوجنات
أفاطم قومي يا ابنة الخير واندبي
نجوم سماوات بأرض فلاة
وقد ارتفع الصياح في ذلك المجلس الحسيني، ولم تهدأ للإمام رنة ولم تخف له زفرات، وقد تواصل ذلك في بيوت أهل البيت عليهم السلام، ويستمر في لوعة عظمى تمتدّ قروناً في الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) حيث يبثها نفثات أحزان مريرة، وهو يندب جده الحسين في زيارات عديدة، فيقول في إحداها يخاطبه بقوله مؤكداً: "فلأندبنك صباحاً ومساءا، ولأبكين عليك بدل الدموع دماً، حسرة عليك وتأسفاً وتحسراً على ما دهاك، حتى أموت بلوعة المصاب وغصة الإكتئاب".
ونحن – أيها الإخوة الأحبة – وفاءً للإمام الحسين صلوات الله عليه، وصلةً ولائيةً معه، لابد أن تكون لنا مجالس عامرة بذكره والبكاء عليه، وعقد الولاء معه حتى الأنفاس الأخيرة من أعمارنا، كيما نبعث على محبة الحسين، راجين من الله تعالى مرضاته وشفاعة الحسين، وأن نكون هناك من جلاس الحسين.