حي قبراً بكربلاء مستنيرا
ضم كنز التقى وعلماً خطيرا
وأقم مأتم الشهيد وأذرف
منك دمعاً في الوجنتين غزيرا
والتثم تربة الحسين بشجو
وأطل بعد لثمك التعفيرا
ثم قل يا ضريح مولاي
سقيت من الغيث هامياً جمهريرا
فيك ريحانة النبي ومن
حل من المصطفى محلاً أثيرا
فيك يا قبر كل حلم وعلم
وحقيق بأن تكون فخورا
إخوتنا الأعزة المؤمنين.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياكم الله.
بعد الذي جرى على إمامنا الحسين سيد شباب أهل الجنة عليه السلام، وقبال تقديم تلك التضحيات العظيمة، وتحمل تلك المصائب الجسيمة من أجل حفظ الدين وسنة رسول رب العالمين ومن أجل إنقاذ كرامة المسلمين، بعد هذا كله – أيها الإخوة – ألا يتعين على المسلمين كافة، وعلى المؤمنين والحسينيين خاصة، تكليف معين تجاه سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه؟! تكليف أي تكليف! سواء كان تكليفاً دينياً أو دنيوياً أو أخروياً وسواءً كان تكليفاً شرعياً أو أخلاقياً أو إنسانياً.
إنه – والحق – لابد أن يكون هنالك من تكليف، ثم أن يكون هنالك من أداء.. وإلا كيف يهنأ خاطر أو يستقر ضمير مؤمن وهو يقرأ أو يستمع إلى مقتل سبط المصطفى صلى الله عليه وآله، ثم لا ينهض بإراحة وجدانه من خلال عبرة ساخنة، أو تقديم شيء في خدمة الحسين، أو في طريق أبي عبد الله الحسين، سلام الله عليه! كأن يسعى في زيارة الحسين خصوصاً إذا كان القصد إليه مشياً مع الإستطاعة، ويعين الزائرين بما يستطيع تقديمه من الأموال والخدمات، ويبذل ما أمكنه من أجل إقامة الشعائر وإحياء المواسم، وتجليل المراسم وترغيب الناس فيها، ويقدم ما يستطاع تقديمه بركات من الكتب والهدايا التذكارية، والأطعمة المتبركة باسم أهل البيت عامة وباسم الإمام الحسين خاصة، وينشر المعارف الحسينية ويجذب القلوب نحو السبط ورثائه، ليزداد الناس تعلقا به ومحبة له وقصداً إليه، فينعم الجميع بشفاعة جد الحسين صلوات الله عليه وآله، وبنفحات دعاء حفيد الحسين الإمام جعفر الصادق عليه السلام، حيث روى عنه أحد أصحابه وهو معاوية بن وهب قائلاً: دخلت على أبي عبد الله (الصادق) عليه السلام وهو في مصلاه، فجلست حتى قضى صلاته، فسمعته وهو يناجي ربه ويقول:
"يا من خصنا بالكرامة ووعدنا الشفاعة وحملنا الرسالة وجعلنا ورثة الأنبياء وختم بنا الأمم السالفة وخصنا بالوصية وأعطانا علم ما مضى وعلم ما بقي وجعل أفئدة من الناس تهوي إلينا، إغفر لي ولإخواني وزوار قبر أبي الحسين بن علي صلوات الله عليهما، الذين أنفقوا أموالهم وأشخصوا أبدانهم رغبة في برنا (أي في برهم لنا)، ورجاء لما عندك في صلتنا (أي من مرضاتك يا رب)، وسروراً أدخلوه على نبيك محمد صلى الله عليه وآله، وإجابة منهم لأمرنا، وغيضاً أدخلوه على عدونا، أرادوا به رضوانك، فكافهم عنا بالرضوان واكلأهم بالليل والنهار واخلف على أهاليهم وأولادهم الذين خلفوا بأحسن الخلف، واصحبهم واكفهم شر كل جبار عنيد... وأعطهم أفضل ما أملوا منك في غربتهم عن أوطانهم، وما آثروا على أبنائهم وأهاليهم وقراباتهم.
"اللهم إن أعداءنا عابوا عليهم خروجهم، فلم ينههم ذلك عن النهوض والشخوص إلينا، خلافاً عليهم، فارحم تلك الوجوه التي غيرتها الشمس وارحم تلك الخدود التي تقلب على قبر أبي عبد الله عليه السلام، وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا، وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا. اللهم إني أستودعك تلك الأنفس وتلك الأبدان، حتى ترويهم من الحوض يوم العطش "".
أيها الأطائب، ولا يخفى عليكم أن هذه البركات لزوار الحسين – عليه السلام – تزداد سعة وتكثرها ثمارها الطيبة إذا التزموا بآداب الزيارة التي يشير إلى بعضها مولانا الإمام الصادق – عليه السلام – في النص المتقدم وقد فصلت الحديث عنها كثير من النصوص الشريفة وتبثها الفقهاء في كتبهم الفقهية.
عن أهم آداب الزيارة الحسينية يحدثنا ضيفنا الكريم من لبنان في هذا اللقاء الباحث الإسلامي سماحة السيد جعفر فضل الله، نستمع معاً..
فضل الله: بسم الله الرحمن الرحيم مسئلة زيارة الحسين عليه السلام وفلسفتها كما هي زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم او زيارة سائر أهل البيت عليهم السلام هي مسئلة حيوية جداً والمطلوب منها أولاً أن نأخذ العبرة والدرس من خلال إستذكار كل تلك المواقف الرسالية والبطولية والصابرة والمجاهدة التي انطلق فيها الامام الحسين عليه السلام لكي يجسد الموقف الاسلامي الرائع والصامد والذي لم يحد عنه لحظة ما بالرغم من كل التحديات وبالرغم من كل الآلام ورغم كل الظغوطات، بقي صامداً حتى أستشهد عليه السلام لذلك الزيارة هي أن نستكشف كل ذلك الأفق الذي عاش فيه الامام الحسين عليه السلام. كيف جسد القرآن، كيف كان مصداقاً للانسان المسلم الرسالي الذي طبق سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعرف العالم كيف يمكن للانسان أن يكون اسلامياً رسالياً في عمق التحديات. لذلك المطلوب أن نعيش هذا البعد الفكري وأن نعيش البعد الروحي حيث نستذكر ذلك الانسان الذي باع نفسه لله سبحانه وتعالى وكانت المصائب تنزل عليه وبالتالي عاش وفية العشق لله حتى أستشهد ولده الرضيع وقال ما نزل بي هو بعين الله وكان لسان حاله يقول "الهي تركت الخلق طراً في هواك وأيتمت العيال لكي أراك فلو قطعتني في الحب إرباً لما مال الفؤاد الى سواك". أن نعيش كل هذه الروح الرسالية الحسينية النبوية الاسلامية ونحن نعيش أجواء الزيارة. عندما يكون هذا هو هدف الانسان وهذه الروح التي ينطلق فيها هذا يعني أن الانسان لابد أن يتأدب بأدب الاسلام ويعيش حالة الطهارة الروحية والطهارة المادية وحالة النظافة في كل اوضاعه ويعيش حالة السكون الروحي، الانفتاح على الآخرين، عدم المزاحمة للآخرين لكي يمتلك القدرة على أن يعيش لنفسه كل آفاق الزيارة وهذا الذي يضمنه على أن يكون انساناً لايعيش شيئاً مما يشغله عن تلمس كل هذه الآفاق.
المحاور: نشكر سماحة السيد جعفر فضل الله على هذه المساهمة الطيبة في لقاء اليوم من برنامج الحسين في الوجدان تستمعون له مشكورين اعزائي الكرام من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران.
نشكر سماحة السيد جعفر فضل الله على هذه المساهمة الطيبة في لقاء اليوم من برنامج (الحسين في الوجدان) تستمعون له مشكورين من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.
والآن – أيها الإخوة الأحبة – لننظر إلى ما أعد له تعالى للذين عقدوا صلتهم بالإمام الحسين عليه السلام، فقد روى ابن قولويه في (كامل الزيارات) أن الإمام الباقر عليه السلام سأل محمد بن مسلم: (هل تأتي قبر الحسين عليه السلام؟) فأجابه: نعم، على خوف ووجل، فقال عليه السلام له: (ما كان من هذا أشد، فالثواب فيه على قدر الخوف، ومن خاف في إتيانه آمن الله روعته يوم القيامة، يوم يقوم الناس لرب العالمين، وانصرف بالمغفرة، وسلمت عليه الملائكة، وزاره النبي صلى الله عليه وآله ودعا له، وانقلب بنعمة من الله وفضل.
كذلك روى الحر العاملي في (وسائل الشيعة) عن أصم بن بكير قال: قلت له – أي للإمام الصادق عليه السلام -: إني أنزل الأرجان وقلبي ينازعني إلى قبر أبيك (الحسين)، فإذا خرجت فقلبي مشفق وجل حتى أرجع خوفاً من السلطان والسعاة وأصحاب المصالح، فقال عليه السلام:
"يا ابن بكير، أما تحب أن يراك الله فينا خائفاً، أما تعلم أنه من خاف لخوفنا، أظله الله في عرشه وكان محدثه الحسين عليه السلام تحت العرش، وآمنه الله من أفزاع يوم القيامة، يفزع الناس ولا يفزع، فإن فزع قوته الملائكة وسكنت قلبه بالبشارة".
ومرت على الحسينيين عهود واجهوا فيها الظلم الشديد والإرهاب والقسوة من قبل سلاطين الجور، بني أمية وبني العباس، حتى أصبحوا لم يستطيعوا التصريح بولائهم لآل الرسول، فجاءت الروايات تشجع على قول الشعر في أهل البيت عليهم السلام إحياءً لذكرهم وذكرياتهم؛ فورد عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: "(من قال فينا بيت شعر بنى الله له بيتاً في الجنة) (ما قال فينا قائل بيت شعر حتى يؤيد بروح القدس)".
أجل.. فالحسيني لا يسكت على ما جرى على أهل البيت، فيبادر إلى نصرتهم بكل ما يملك، فإذا فاته تكليف الأمس فلا يفوته تكليف اليوم، ونعم ما قاله مهيار الديلمي:
ولا زال شعري من نائح
ينقل فيكم إلى منشد
وما فاتني نصركم باللسان
إذا فاتني نصركم باليد
وستبقى حناجر تنادي بالحسين، لأننا أصبحنا مع الحسين، ننصره بأرواحنا وألسنتنا وبأقلامنا وأموالنا، حتى يتوفانا الله تعالى، ونحن على ولاء للحسين، ونرجو بعد ذلك يوم الحشر أن نكون مشمولين بشفاعة الحسين.