"السلام عليك يا أبا عبد الله،.. كنت ربيع الأيتام وعصمة الأنام وعز الإسلام ومعدن الأحكام، وحليف الإنعام، سالكاً طريقة جدك وأبيك، مشبهاً في الوصية لأخيك، وفي الذمم، رضي الشيم، ظاهر الكرم... ثم اقتضاك العلم للإنكار، وأردت أن تجاهد الكفار، فسرت في أولادك وأهاليك وشيعتك ومواليك وصدعت بالحق والبينة، ودعوت بالحكمة والموعظة الحسنة وأمرت بإقامة الحدود وطاعة المعبود، ونهيت عن الخيانة والطغيان فواجهوك بالظلم والعدوان فجاهدتهم بعد الإبعاد إليهم، وتأكيد الحجة عليهم..".
إخوتنا الأعزة الأكارم.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، لابد أن يكون المحب معجباً بمحبوبه، وقد يطالب بأن يكون له قدوة وأسوة، لا سيما إذا ادعى أنه مأمومه، إذ ينبغي عليه أن يقلده في فضائله وخصاله ويتابعه في أقواله وأفعاله. وهكذا وقع التكليف الإلهي من قبل ومن بعد على المؤمنين، حيث قال تعالى: "قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ{٤} رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{٥} لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ "(سورة الممتحمة ٤-۷)
هكذا – أيها الإخوة الأفاضل – توجه الخطاب إلى المؤمنين، إذ هم أولى بالإستماع والطاعة، حيث دعوا إلى أن يتخذوا من الأنبياء والأوصياء قدوة لهم، بمواقفهم ومنطقهم، عن إيمان صادق وهدىً وبصيرة وكتاب منير.
أيها الإخوة الأحبة.. إذا كنا مدعوين إلى التأسي والإقتداء، فما أحرانا أن نقتدي بسيد الوجود والكائنات، خاتم الرسل والأنبياء، المصطفى الأكرم صلى الله عليه وآله.. وتلك آية مباركة ما زالت تنادي علينا: "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً{۲۱}"(سورة الأحزاب ۲۱)
والأسوة – إخوتنا الأعزة – كما يعرفها أهل اللغة هي الإقتداء والإتباع؛ أما قوله تعالى: ((في رسول الله)) فيعني في مورد رسول الله صلى الله عليه وآله، والأسوة في مورده هي التأسي به، واتّباعه صلى الله عليه وآله، وقد جاء الفعل في هذا الأمر بالفعل الماضي ((لقد كان لكم))، وتلك إشارة قرآنية بليغة إلى كون الإقتداء به تكليفاً ثابتاً مستمراً، فيكون المعنى: أيها المؤمنون، إن من حكم رسالة الرسول وإيمانكم به، أن تتأسوا به صلى الله عليه وآله، في أقواله وأفعاله، وأنتم ترون ما يقاسيه في جنب الله تعالى ويصبر عليه.
أجل.. وخير من اقتدى برسول الله صلى الله عليه وآله وتأسى به في إيمانه وأخلاقه وعبادته وصبره وجهاده، أوصياؤه وخلفاؤه أئمة الحق والهدى، أولهم أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، ثم إبناه الإمامان الهمامان الحسن والحسين عليهما السلام، فكان النبي المصطفى لهم أسوة، وأصبحوا من بعده هم للناس قدوة.
روى الطبرسي في (إعلام الورى بأعلام الهدى) أن الإمام علياً عليه السلام قال لرسول الله صلى الله عليه وآله يوماً: "إن لي بك أسوة".
كذلك روى ابن نما في (مثير الأحزان) أن الإمام الحسين عليه السلام قال لأخته العقيلة المكرمة زينب الكبرى عليها السلام: "ولي ولكل مسلم برسول الله أسوة".
وفي كتابه (الغيبة) روى الشيخ الطوسي أن الإمام موسى الكاظم عليه السلام قال لأخيه علي بن جعفر: "يا علي، لابد من أن تمضي مقادير الله فيّ، ولي برسول الله أسوة وبأميرالمؤمنين وفاطمة والحسن والحسين".
أعزاءنا المستمعين إن التأسي بالامام الحسين عليه السلام هو لاشك من مصاديق التأسي بجده المصطفى سيد المرسلين صلى الله عليه وآله فهو بالتالي من أكرم وأهم وسائل التقرب الى الله تبارك وتعالى والفوز بالسعادة السرمدية والمهم أن نتعرف على المصاديق العملية للتأسي بسيد الشهداء والأباة صلوات الله عليه فماهي أهم هذه المصاديق؟ لنستمع فيما يقوله في الاجابة عن هذا السؤال سماحة الشيخ أبو جهاد الشيبي الباحث الاسلامي من طهران.
الشيبي: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
المصاديق العملية للتأسي بالامام الحسين عليه السلام كثيرة والتي جاءت في الروايات عن أهل البيت عليهم السلام يمكن إيجاز بعضها بما يلي: أولاً الجمهورية الاسلامية في ايران والتي إنبثقت بثورتها من المدرسة الفيضية بخطاب الامام الخميني قدس سره وإمتدت الى انتصار الثورة في الثاني والعشرين من بهمن عام ٥۷ هجري شمسي وخوض الحرب المفروضة لمدة ثمان سنوات والشعارات التي طرحت فيها من أمثال ياسيد الشهداء ولبيك ياثار الله وعشرات الشعارات الحسينية الأخرى مثل هيهات من الذلة وتحقيق النصر في النهاية على نظام صدام المقبور بإنتصار الدم الحسيني لأبناء الاسلام في ايران ومن مختلف الجنسيات والبلدان على سيف الضلال الصدامي والدول الاستكبارية التي وقفت وراءه وكذلك مواجهة هذه الجمهورية المباركة بقيادة الامام الخامنئي دامت بركاته للحصار الاستكباري الظالم على مختلف الأصعدة وما تحقق من إبتكارات علمية وتقدم نووي وتكنولوجي للجمهورية الاسلامية ومازالت تتحقق فكلها ببركة التأسي بسيد الشهداء الامام الحسين عليه السلام ونهجه التضحوي العاشورائي الخالد. ثانياً ثورات الربيع العربي التي شهدناها في كل من مصر وليبيا وتونس واليمن والبحرين والمنطقة الشرقية من الحجاز وماحققته من إنتصارات يحاول الاستكبار العالمي اليوم بقيادة الشيطان الأكبر أمريكا الإلتفاف عليها، كلها نتيجة واضحة للتأسي بثورة الامام الحسين وتطبيق من تطبيقاته المعاصرة. ثالثاً حزب الله لبنان بقيادة البطل العربي المسلم سماحة السيد حسن نصر الله دام نصره وإنتصاراته على العدو الصهيوني كلها كانت ببركة الشعار الحسيني هيهات من الذلة. والجباه المزينة بشعار لبيك ياحسين. والشهداء الذين بذلوا دماءهم رخيصة على نهج وطريق سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي عليه السلام. رابعاً الانتصار الحاسم للمجاهدين في غزة على الهجوم الصهيوني الغادر الذي إستغرق ثمانية أيام والذي لم يكن ليتحقق لولا التأسي بالصمود الحسيني والإباء العلوي والفداء الزينبي. خامساً تعبئة المستضعفين المليونية التي أسسها الامام الخميني قدس سره في حياته ويرعاها بوجوده المبارك الامام الخامنئي دامت بركاته والتي أصبحت إنجازاته العظيمة على مختلف الأصعدة نبراساً للتأسي بمنهج سيد الشهداء الامام الحسين عليه السلام ولذلك قال الامام الخامنئي دامت بركاته في احد خطاباته عن تعبئة المستضعفين المليونية ما نصه "تعبئة المستضعفين ثمرة من ثمار عاشوراء". وفقكم الله ووفقنا جميعاً للتأسي بنهج سيد الشهداء في كل زمان ومكان حتى الحصول على ثمرة هذا التأسي المبارك وهو دولة الامام المنتظر عجل الله تعالى فرجه وجعلنا وإياكم من جنده وانصاره والمستشهدين بين يديه والحمد لله رب العالمين.
مستمعينا الأكارم نشكر سماحة الشيخ أبو جهاد الشيبي الباحث الاسلامي من طهران على هذه التوضيحات ولكم أيضاً أيها الأكارم على طيب المتابعة لحلقة اليوم من برنامجكم الحسين في الوجدان نتابع تقديمه من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران.
إخوتنا الأعزة الموالين.. إن من القضايا التي ينبغي مراعاتها من قبل محبي أبي عبدالله الحسين، هو الإقتداء والتأسي بالإمام الحسين، صلوات الله وسلامه عليه، فهو كجده وأبيه وأخيه، وسائر الأئمة الهداة من ذريته وبنيه، صلوات الله عليهم أجمعين، أسوة للآخرين.. وقد أكد هذا الإمام -علي عليه السلام – كما يروي ابن قولويه في (كامل الزيارات) أنه قال لولده الحسين عليه السلام: ( يا أبا عبدالله، أسوة أنت قدماً) فسأل الحسين أباه: جعلت فداك ما حالي؟ فأجابه: (علمت ما جهلوا، وسينتفع عالم بما علم، يا بني إسمع وأبصر من قبل أن تأتيك، فوالذي نفسي بيده، ليسفكن بنو أمية دمك، ثم لا يزيلونك عن دينك ولا ينسونك ذكر ربك)، فقال الحسين عليه السلام: (والذي نفسي بيده، حسبي أقررت بما أنزل الله وأصدق قول نبي الله ولا أكذب قول أبي).
هكذا كان أبوعبدالله سيد شباب أهل الجنة، متأسياً بأن جعل من جده رسول الله وأبيه أميرالمؤمنين أسوة عليا أعلى، فخرج إلى كربلاء وقد صدعت كلمته في الآفاق: (إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآله، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب).
وكانت منه صلوات الله عليه تلك المبادرات الكريمة الشجاعة، قدم معه أغلى التضحيات، صابراً شاكراً، ثابتاً راسخاً، راضياً مرضياً، فأصبح قدوةً عليا وأسوة مثلى لكل أحرار العالم، حتى قالها صريحة واضحة غاندي زعيم الهند: تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر؛ وحتى كتبت أقلام مصر والعالم الإسلامي من المذاهب الأخرى: كان الحسين علم المهتدين، وهدى المسترشدين.. وإن ثورته هي ثورة لكل إنسان في الأرض وستبقى المثالية والرائدة بلا منازع.
أجل.. فإذا أردنا حقاً أن نكون حسينيين، وأن نبقى حسينيين، لابدّ لنا – أيها الإخوة الأحبة – أن يكون الحسين عليه السلام لنا إماماً وقدوةً وأسوةً في عقائدنا وأخلاقنا، وأحكامنا ومواقفنا، وكل شؤون حياتنا.