"أنتم السبيل الأعظم والصراط الأقوم... إلى الله تدعون، وعليه تدلون وبه تؤمنون وله تسلمون وبأمره تعملون وإلى سبيله ترشدون وبقوله تحكمون"
إخوتنا المؤمنين الأكارم.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياكم الله وطابت أوقاتكم بكل خير. قال بعض شراح (الزيارة الجامعة الكبيرة) في بيان العبارة الشريفة للإمام علي الهادي عليه السلام: "إلى الله تدعون" يعني بالحكمة العملية، و"عليه تدلون"أي بالحكمة العلمية.. من المعارف والحقائق، "وإلى سبيله ترشدون" أي ترشدون الخلق بأتم الإرشاد. اولئك – أيها الإخوة الأعزة- محمد وآل محمد صلوات الله وسلامه عليهم، حيث دعوا إلى الله بما أمر سبحانه وتعالى بالحكمة والموعظة الحسنة على المعنيين: العلمي والعملي وما زالوا، سلام الله عليهم، يدعون من خلال أخبارهم وسيرتهم وأحاديثهم المباركة الشريفة، ومن هنا فلهم في أعناقنا – أيها الإخوة – أعظم الفضل في هدايتنا، وعلى عاتق المسلمين والمؤمنين يقع تكليف بأداء شكرهم، حيث أرشدوا إلى طريق الحق وسبيل نوال مرضاة الله تعالى، وحذروا من مزالق الهاوية ومن الهلاك الأبدي، ومن هنا وجب شكرهم، ليكون شكراً لله عزوجل.
روى الشيخ الكليني رضوان الله عليه في (الكافي) الشريف عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام أنه قال: "يقول الله تبارك وتعالى لعبد من عبيده يوم القيامة: أشكرت فلاناً؟ فيقول: بل شكرتك يا رب، فيقول لم تشكرني إذ لم تشكره".
كذلك روى الشيخ الصدوق رضوان الله عليه في كتابه "عيون أخبار الرضا عليه السلام" عن الإمام الرضا عليه السلام، قوله: "من لم يشكر المنعم من المخلوقين، لم يشكر الله عزوجل".
وها نحن – إخوتنا الأحبة – نقف أمام أهل البيت عليهم السلام بكل خشوع ومودة ومحبة، شاكرين لهم عظيم فضلهم ولطفهم، وقد بذلوا في ذلك مهجهم المقدسة وأنفسهم المباركة، خصوصاً سيدنا ومولانا سيد شباب أهل الجنة، أبا عبد الله الحسين صلوات الله عليه، حيث قدم نفسه العزيزة فداءً لله تعالى، فأنقذ الإسلام من التشويه والتغييب والضياع وأنقذ المسلمين من الإنحراف والذلة والظلم والفساد، وقبل أن يستشهد سلام الله عليه، قدم في ملحمة طف كربلاء الخيرة من أصحابه، والأوفى والأبر من أهل بيته، ضحايا شهداء مخلصين، ثم بعد ذلك قدم عياله سبايا مقهورين، ليتعرف المسلمون على ما آلت إليه أحوالهم، وعلى من تسلط في الشام عليهم!
ونحن – أيها الإخوة الأعزة – إذ ندعي ولاءنا ومحبتنا ومودتنا لسيد الشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام، علينا فيما علينا، وهو كثير وجليل، أولاً: أن نعرف ما هي حقوق الإمام الحسين، وثانياً: أن ننهض لأداء تلك الحقوق؛ فكل شهيد ضحى ببدنه ومهجته له حق على أمته، والحسين السبط ريحانة المصطفى، قدم أجل التضحيات في ذلك اليوم العصيب، فله على أمة الإسلام حقوق فرائض واجبات، ينبغي أن تعرف، ثم أن تؤدى.
مستمعينا الأفاضل ... وهذا من الموضوعات المهمة التي تعيننا معرفتها على الإرتباط الوجداني بالإمام الحسين – عليه السلام – وابتغاء رضا الله عزوجل بوسيلة ذلك.
في الدقائق التالية نتعرف الى أهم هذه الحقوق الحسينية عليها وسبل تأديتها من خلال حديث ضيفنا الكريم سماحة الشيخ حسين الخشن الأستاذ في الحوزة العلمية من لبنان، لنستمع معاً.
الخشن: بسم الله الرحمن الرحيم حق الامام الحسين عليه السلام على الأمة الاسلامية أن تعتبره وتتخذه مثلاً أعلى وهذا حق أعطاه اياه جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم عندما قال "الحسن والحسين إمامان قاما او قعدا" لذا فإن المسلمين اليوم معنيون بإستلهام ثورة أبي عبد الله الحسين والاستفادة من هذه النهضة لأن هذه الثورة ليست ملكاً لطائفة او جماعة فالامام الحسين هو عابر في المذاهب، هو امام المسلمين لذا فمن يقتبس من هديه ونوره فهو الفائز ومن يبتعد عن نورانية أبي عبد الله الحسين فإنه الخاسر. الأمة الاسلامية بل البشرية جمعاء أقول هي المعنية بالدخول الى هذه الثورة والاستفادة من خطواتها وللاستفادة من دروسها وعطاءاتها الكثيرة لذا القضية ليست قضية شعارات بل هي قضية دروس واقعية. إن ثورة الامام الحسين عليه السلام وشخصية الامام الحسين غزيرة بكل ما يغني الروح والعقل والحياة على طريقة جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم. ونحن ما أحوجنا اليوم في هذا الزمن الذي نعيش فيه القلق ونعيش التمزق ونعيش فيه مصادرة حقوقنا في أكثر من بلد من بلدان المسلمين، ما أحوجنا الى معنويات الامام الحسين والى شهامته وشجاعته ومواقفه التي مثلت العزة والإباء.
نشكر سماحة الشيخ حسين الخشن الأستاذ في الحوزة العلمية من لبنان على هذه التوضيحات ونشكركم اعزاءنا مستمعي اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران على طيب المتابعة لحلقة اليوم من برنامجكم الحسين في الوجدان. وبعد أن تعرفنا عن جملة من حقوق الإمام الحسين – عليه السلام – نقول في إشارات إلى معرفته وبعض حقوقه، فنقول:
أما معرفته – أيها الإخوة الأكارم – فهي كمعرفة سائر الأئمة الذين عينهم الله تعالى خلفاء بعد النبوة، وصرح بهم رسول الله صلى الله عليه وآله في أحاديث وافرة رواها أشهر الصحابة وأوثقهم، كأبي ذر وسلمان وعمار وجابر بن عبد الله الأنصاري وغيرهم.
روى الخزاز في (كفاية الأثر) عن أبي سعيد الخدري أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: (أهل بيتي أمان لأهل الأرض، كما أن النجوم أمان لأهل السماء) قيل: يا رسول الله، فالأئمة بعدك من أهل بيتك؟ قال: (نعم، الأئمة بعدي إثنا عشر، تسعة من صلب الحسين، أمناء معصومون).
وقال صلى الله عليه وآله يوماً للحسين عليه السلام: (يا حسين، أنت الإمام بن الإمام، تسعة من ولدك أئمة أبرار).
والإمامة – أيها الإخوة الأحبة – لها حقوق في الإسلام، فهي العهد المقدس الذي ألزم الله تعالى به عباده، فقد ورد عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام قوله: (إن لكل إمام عهداً في عنق أوليائه وشيعته) هذا – أيها الإخوة – من باب أولى، إذ هم الأسرع تلبية والأثبت تمسكاً بولاية محمد صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً.
ولبيان مقتضى ذلك العهد المبارك الشريف، أورد الكليني في (الكافي) هذه الرواية النورانية: قال أبو حمزة الثمالي: سألت أبا جعفر عليه السلام ما حق الإمام على الناس؟ فأجابه الإمام أبوجعفر الباقر(عليه السلام) قائلاً: (حقه عليهم أن يسمعوا له ويطيعوا له).
هذه – إخوتنا الأطياب – هي من آفاق المعرفة، وبركاتها تأتي في الأعمال والمواقف والعبادات.
وروى ابن قولويه عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: "إنما يكتب الله زائر الحسين في عليين، فيما إذا عرف حق الحسين".
إخوتنا الأفاضل.. بعد أن يتعرف المؤمن على بعض حقوق الإمام الحسين سلام الله عليه، يجب أن يهم بأدائها، حيث يستشعر أنه المعني وأنه المكلف بأداء شكر على فضل عظيم، يندفع نحوه عن شوق ومحبة وبإخلاص وروح وفاء، وضمير يقظ وقلب ذي مودة وولاء، وعن هدىً وبصيرة واعتقاد سليم.. أن الحسين إمام مفترض الطاعة وأنه وصي رسول الله صلى الله عليه وآله من بعد أبيه أميرالمؤمنين وأخيه الحسن المجتبى عليهما السلام، ومن دواعي هذا الإعتقاد – إخوتنا الأعزاء – زيارته بخشوع، تجديداً للعهد وتأكيداً للميثاق وعقداً آخر على الولاء والطاعة. ولأهمية هذا الأمر وردت مفردات الوجوب في شأن زيارة الإمام الحسين عليه السلام وإن حملها علماء على محمل آخر، لقول الإمام الباقر عليه السلام: "وزيارته مفترضة على من أقر للحسين بالإمامة من الله عزوجل"، وفي بيان آخر قال الإمام الرضا عليه السلام: "إن من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء زيارة قبورهم (أي قبور الأئمة عليهم السلام) فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقاً بما رغبوا فيه، كانت أئمتهم شفعاءهم يوم القيامة".
ونحن إذ نحب أن نبقى مع الحسين، قلباً وروحاً، ومن الآن إلى نهاية أعمارنا، نزور إمامنا الحسين في حياتنا ونرجو منه بعد الوفاة ويوم القيامة نجاتنا، بشفاعتهم المنجية إن شاء الله تعالى.