"يا أبا عبد الله، إني أتقرب إلى الله وإلى رسوله وإلى أميرالمؤمنين وإلى فاطمة وإلى الحسن وإليك بموالاتك، وبالبراءة ممن قاتلك ونصب لك الحرب، وبالبراءة ممن أسس أساس الظلم والجور عليكم، وأبرأ إلى الله وإلى رسوله ممن أسس أساس ذلك وبنى عليه بنيانه، وجرى في ظلمه وجوره عليكم وعلى أشياعكم. برئت إلى الله وإليكم منهم وأتقرب إلى الله ثم إليكم بموالاتكم وموالاة وليكم، وبالبراءة من أعدائكم، والناصبين لكم الحرب، وبالبراءة من أشياعهم وأتباعهم".
أيها الإخوة الأعزة الأفاضل.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً بكم في لقائنا الطيب المتجدد هذا معكم، ونحن نتابع المفاهيم والقيم والمبادئ والعقائد السليمة التي تجعلنا دائماً أن نكون مع الحسين، وتمسكنا من أن ننحرف ولو بمقدار أنملة نحو أعداء الحسين، صلوات الله على الحسين وعلى آل الحسين.
إخوتنا الأعزة الأكارم,, لقد ثبت لنا الإسلام أصولاً واضحةً في الإعتقاد وهي: التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد يوم القيامة. وفرّع لنا على هذه الأصول المقدسة فروعاً من العبادات البدنية والمالية والقلبية، ومنها:
تولي أولياء الله، والتبرؤ من أعداء الله. والمؤمن – أيها الإخوة الأعزاء – كيّس فطن، يعلم من خلال الآيات المباركة والأحاديث الشريفة أن أعداء الله لا يقتصرون على من لم يعلنوا الشهادتين، ولم ينتموا إلى الإسلام مثلاً، فهنالك من أعداء الله من هم أخطر، كالمنافقين الذين يتسترون بالدين ليحرفوه ويحرفوا أتباعه، وكالمارقين والناكثين والقاسطين الذين يغدرون بالمسلمين ويمزقوا صفوفهم، ويحاربوا أولي الأمر الذين عينهم الله تعالى خلفاء أوصياء أئمة هداة بعد رسوله صلى الله عليه وآله، وصرح بأسمائهم رسول الله صلى الله عليه وآله، وشهدت بفضائلهم ومنازلهم، ومقاماتهم وأفضلياتهم آيات عديدة: كآية المباهلة، وآية المودة، وآية التطهير، كما شهدت أحاديث الرسول المصطفى في عشرات النصوص المباركة ومئاتها ما امتلأت منها المجلدات فضلاً عن الفصول والأبواب.
فمن حاربهم فقد حارب رسول الله، واولئك بالضرورة هم أعداء الله، ونحن إن كنا حقاً من محبي رسول الله وأهل بيته كان لكل منا موقف النص العاشورائي المبارك، مخاطبين أولياء الله: "إني سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم وولي لمن والاكم وعدو لمن عاداكم".
مستمعينا الأفاضل..
وإن من أهم منجزات الملحمة الحسينية الخالدة هي تعريفها الأمة بهوية ومصاديق أعداء الله الذين أوجب تبارك وتعالى لعنهم والبراءة منهم، وهذا أمر ملحوظ في نصوص زيارات سيد الشهداء المروية عن أئمة العترة – عليهم السلام – نظير المقطع الذي قرأناه مطلع هذا اللقاء من زيارة عاشوراء المباركة.
نستمع معاً مستمعينا الأكارم لما يقوله بهذا الشأن سماحة الشيخ مصطفى يزبك الباحث الاسلامي من لبنان ولكن بعد هذا الفاصل.
يزبك: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين. الملحمة الحسينية كانت ومازالت وستبقى من أكثر الوسائل فاعلية وتأثيراً في تعميق الدين والقيم الدينية فالامام الحسين عليه السلام لما قام بثورته اراد أن يعرف الناس على الحق وأنه هو الحق المتمثل به وبثورته أزهق الباطل فكان عنوان الثورة "ألا ترون أن الحق لايعمل به والباطل لايتناهى عنه؟". ولما طلب منه البيعة ليزيد قال "يزيد شارب الخمر قاتل النفس المحترمة فاسق ومثلي لايبايع مثله" فمن يملك صفات الامام الحسين عليه السلام الايمانية والأخلاقية، وشخصية الامام الحسين لايبايع الباطل وهو المتمثل بيزيد عليه اللعنة. فالامام الحسين عليه السلام عرف بأعداءه قبل الثورة في كربلاء لما تحدث عن شخصية يزيد وعرف الناس من هو يزيد بن معاوية وأنه لايصلح أن يكون خليفة للمسلمين وأن الباطل متمثل به عليه اللعنة. في كربلاء أراد أن يعرف الناس على هذا الحق وأن الحق معه والباطل مع اعداءه الذين ينبغي أن يتبرأ منهم الانسان المؤمن فقال "ألا إن الدعي إبن الدعي قد ركز بين إثنتين بين السنة والذلة هيهات منا الذلة" فأعلن الثورة وعدم الاستسلام للباطل ولخط الكفر حتى لو ادى ذلك الى شهادته فكانت الملحمة الحسينية إثباتاً للحق وإزهاقاً للباطل، هذه الملحمة التي نتج عنها شهادة الامام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه وإنتصرت بدم الحسين عليه السلام ومازالت أصداء هذه الملحمة مستمرة الى يومنا هذا تعرف الأمة بأعداء الدين وبأعداء الله الذين إرتكبوا أبشع جريمة في التاريخ وتصدر مساوءهم، هذه الجريمة التي تمثلت بإستشهاد الامام الحسين وأهل بيته واصحابه عليهم السلام. وكل ذلك وصل الينا من خلال سيرة الامام الحسين ومن خلال المنبر الحسيني الذي يتعاظم يوماً بعد يوم ومن خلاله عرفنا فضاعة ما أرتكب في كربلاء فالجرائم الدموية التي قام بها الجيش الأموي والتي تجسدت بقتل الامام الحسين عليه السلام والصفوة من أهل بيته وأصحابه وخطبة زينب عليها السلام أسهمت عبر التاريخ الاسلامي في مرحلة ما بعد كربلاء في صياغة وصناعة التيار الذي أخذ على عاتقه حفظ الاسلام من كل زيف وتحريف وتلاعب الذي مارسته السلطة الحاكمة بإسم الاسلام وبإسم خلافة الرسول صلى الله عليه وآله. فالصور المأساوية التي رسمت في كربلاء بدم الامام الحسين، بدم اهل بيته واصحابه وبسبي النساء والأطفال فزينب هي التي شكلت عبر التاريخ عناصر الملحمة الحسينية التي ألهبت المشاعر وألهبت الأحاسيس في نفوس البشرية فالنفس البشرية التي تنفعل وتتأثر بتلك الصور المحزنة، هذه الصور تحرك فيها القوة الكامنة التي ينتج عنها التمسك بخط الامام الحسين والتمسك بولاية الامام الحسين والبراءة من اعداء الله واعداء الأمة واعداء الامام الحسين عليه السلام فإلهاب المشاعر في نفوس البشر وتوضيح ماحصل في كربلاء يفضح مخطط الأعداء ويفضح الذين قتلوا الامام الحسين عليه السلام ويزرع في نفوس الأمة البغض والحقد واللعن لأعداء الله الذي إرتكبوا أبشع مجزرة في التاريخ فهذه الملحمة التي توصل الانسان الى معرفة الحقيقة ومعرفة الطريق الصحيح الذي انتصر بدم الامام الحسين فهذه المعرفة تخبر عن اعداء الأمة واعداء الامام الحسين لذلك عندما يرى الانسان ما حصل في كربلاء ويسمع بهذه المشاهد المأساوية عبر التاريخ من جيل الى جيل يحقد على الذين قتلوا الامام الحسين والذين سبوا الأطفال والنساء وزينب وسوف يحمل اللعن والكراهية وكل مبادئ الحقد سيحملها هذا الانسان المؤمن عندما يسمع ما حصل في كربلاء فيكون شعار كل انسان مؤمن هو البراءة واللعن على اعداء الله وأعداء الامام الحسين عليه السلام. ثورة الامام الحسين هي ثورة مستمرة من عصر الى عصر تزيد كل يوم عزاً ونصراً الى هذه الأمة فبهذه الثورة حفظ الدين وحفظ الاسلام ومن هنا قال الرسول صلى الله عليه وآله "حسين مني وأنا من حسين".
مستمعينا الأفاضل كانت هذه توضيحات سماحة الشيخ مصطفى يزبك الباحث الاسلامي من لبنان فشكراً له وشكراً لكم وأنتم تتابعون حلقة اليوم من برنامج الحسين في الوجدان، نواصل تقديمها من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران.
إخوتنا الأحبة.. إن إظهار البراءة من الظالمين، وأعداء رسول رب العالمين، صلوات الله عليه وعلى آله الطيبين، وخصوصاً قتلة مولانا سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين، هو من لوازم الإيمان، كما هو من مصاديق حبنا لأهل البيت عليهم السلام. فالذي يحب آل الله، محمداً وآل محمد أولياء الله، صلوات ربنا عليهم، يتبرأ ممن ظلمهم وقتلهم وغصب حقهم وتجاوز حرماتهم. وقتلة الإمام الحسين عليه السلام اولئك لم يرعوا حرمة لرسول الله، فلا حرمة لهم، وهم مستحقون من الله تعالى العذاب الأليم، كما هم مستحقون من عباد الله اللعن الوخيم، إذ لا شك – أيها الإخوة المؤمنون – أن اولئك القتلة والممكنين لهم قد آذوا رسول الله صلى الله عليه وآله أشد الإيذاء، ومن آذى النبي كان ملعوناً بنص كتاب الله، حيث قال عز من قائل: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً) الأحزاب: ٥۷
كما أن قتلة الحسين وآل الحسين، هم قتلة للمؤمنين، وصريح القرآن الكريم لاعن لهم ومبشرهم بالعاقبة السوأى، حيث يقول الله جل وعلا: "وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً{۹۳}" (سورة النساء: ۹۳)
وتسالم العلماء من جميع مذاهب المسلمين، على أن لعن قاتل الحسين قد ورد فيما ورد على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله.. فقد روى الخطيب البغدادي في كتابه المعروف (تاريخ بغداد) أن النبي قال للحسين: (لعن الله قاتلك)، وروى الخوارزمي الحنفي في مؤلفه (مقتل الحسين) أن أبا الأسلمي قال ليزيد: أشهد لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يرشف ثناياه (أي ثنايا الحسين) وثنايا أخيه الحسن ويقول: "إنهما سيدا شباب أهل الجنة، قتل الله قاتلهما ولعنه، وأعد له جهنم وساءت مصيرا".
إن لعن قاتل أبي عبد الله الحسين سلام الله عليه – أيها الأكارم – أمر له عمق في تاريخ الأنبياء والنبوات، فقد روي أن أبانا آدم عليه السلام لما هبط إلى الأرض لم ير حواء أُمّنا، فصار يطوف الأرض في طلبها فمر بكربلاء، فاغتم فيها وضاق صدره وهو لا يدري سبب ذلك، وعثر في الموقع الذي يقتل فيه الحسين عليه السلام حتى سال دمه، فرفع رأسه إلى السماء وقال: إلهي، هل حدث مني ذنب آخر؟ فأوحى الله إليه: يا آدم، ما حدث منك ذنب، ولكن يقتل في هذه الأرض ولدك الحسين ظلماً، فسال دمك موافقة لدمه. فقال آدم: يا رب، ومن القاتل له؟ قال: قاتله يزيد، لعين أهل السماوات والأرض. فسأل آدم جبرئيل: فأي شيء أصنع يا جبرئيل؟ قال: إلعنه يا آدم. فلعنه أربع مرات، ومشى خطوات إلى جبل عرفات، فوجد حواء هناك.
وكذا لعنه نوح أربع مرات، فسارت سفينته حتى بلغت الجودي واستقرت هنهاك. ورفع إبراهيم الخليل يديه ولعن يزيد لعناً كثيراً، وقال إسماعيل: اللهم العن قاتل الحسين (عليه السلام).. ولعن موسى الكليم رافعاً يديه قاتل الحسين يزيد ودعا عليه، وأمن وصية يوشع بن نون على دعائه. وقد أمر موسى الكليم أمته بلعن قاتل الحسين، وكذا لعنه عيسى المسيح عليه السلام إلى أن قال: يا بني اسرائيل العنوا قاتله، وإن أدركتم أيامه فلا تجلسوا عنه، فإن الشهيد معه كالشهيد مع الأنبياء. وقد استجاب وهب النصراني لنداء أبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه، فلبى وقاتل حتى استشهد بين يديه، ونحن – أيها الإخوة الأحبة المؤمنين – إذ لم تستجب يومها أبداننا، فقد استجابت للحسين أرواحنا، ومصداق ذلك محبتنا للحسين وولاؤنا ومودتنا، وبغضنا لقتلته وبراءتنا، بل وغضبنا عليهم ولعننا.. حيث نردد كل يوم: "اللهم العن العصابة التي جاهدت الحسين وشايعت وبايعت وتابعت على قتله، اللهم العنهم جميعاً.. اللهم خص أنت أول ظالم باللعن مني وأبدأ به أولاً، ثم العن الثاني والثالث والرابع، اللهم العن يزيد خامساً، والعن عبيد الله بن زياد وابن مرجانة، وعمر بن سعد وشمراً وآل أبي سفيان وآل زياد وآل مروان إلى يوم القيامة".