"من والاكم فقد والى الله ومن عاداكم فقد عادى الله ومن أحبكم فقد أحب الله ومن أبغضكم فقد أبغض الله ومن اعتصم بكم فقد اعتصم بالله ".
أيها الإخوة الأعزة المؤمنون.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. حياكم الله وطابت أوقاتكم بطاعة الله، قال شارح (الزيارة الجامعة الكبيرة) إن قول الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام: "من والاكم فقد والى الله" إشارة إلى ما جعله الله تبارك وتعالى ورسوله صلى الله عليه وآله لهم من ولاية الأمر، بقوله تعالى "إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ" وقوله صلى الله عليه وآله، في غدير خم: "من كنت مولاه فهذا علي مولاه" فالمراد أن من والاكم وتابع ولاية الله وولاية رسوله بولايتكم يكون قد صدق في ادعائه أنه والى الله ورسوله.
ومن مقتضيات التولي، أيها الإخوة الأفاضل، إبداء المحبة وذكر المقام الأسمى لأهل البيت عليهم السلام، والتثبت على اتباعهم قولاً وعملاً وتواصلاً في أنفسنا وأهلينا وذرارينا.
لذا، إخوتنا الأعزاء، يستحب التبرك بأسمائهم، وتحنيك الطفل بعد ولادته بشيء من تربة الإمام الحسين عليه السلام، ليشم منها عطر كربلاء ويتعلق قلبه الطاهر بحب أبي عبد الله الحسين من حين يقبل على الدنيا، فيكون ذلك أماناً له عن الإنحراف إلى غير سبيل أهل البيت سلام الله عليهم.. ففي رواية المعصوم عليه السلام: "حنكوا أولادكم بتربة الحسين عليه السلام، فإنه أمان من كل داء"وهل هذا فحسب؟ فقد ذكر العلماء أيضاً أنه يستحب أن يلقن الوالدان مولودهما الشهادة بالوحدانية وبالنبوة والإمامة والولاية لأهل البيت عليهم السلام؛ أي، يستحب أن يؤذن في أذن المولود اليمنى ويقام في اليسرى، فيسمع منذ ساعته الأولى أسماء القداسة: إسم الله جل وعلا واسم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وولاية أمير المؤمنين وأولاده الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين، ومنهم الحسين بن علي سيد شباب أهل الجنة سلام ربنا عليه.
مستمعينا الأفاضل.. إذن فاستحباب تحنيك المؤمنين أولادهم بتربة مشهد الإمام الحسين (عليه السلام) يأتي ضمن نظام روحاني يستهدف بذر بذور التوحيد الخالص في روح الوليد منذ البداية، وقد أثبتت الدراسات العلمية الحديثية أن لما يسمعه الوليد بعيد الولادة آثاراً لا شعورية مهمة في صياغة شخصيته.
وبعد هذه الإشارة نعود إلى قضية استحباب تحنيك الأولاد بالتربة الحسينية، لنتعرف أكثر عن معنى هذا الأمر وآثاره وما هو خصوصيات هذه التربة المقدسة وما سر حث الأحاديث الشريفة على السجود عليها في الصلاة والإستشفاء بها؟
عن هذا الموضوع يحدثنا ضيف هذه الحلقة من برنامجكم الحسين في الوجدان سماحة الشيخ هادي العقيلي الباحث الاسلامي من العراق، نستمع معاً للاتصال الهاتفي التالي
العقيلي: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين.
بداية الله جل وعلا قال في محكم كتابه الكريم "وإبتغوا اليه الوسيلة" فهم المعصومون من محمد صلى الله عليه وآله وسلم والى آخر المعصومين أمامنا الغائب المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف هم حجة الله علينا وبهم نقتدي وكل فعلهم وقولهم وأثرهم هو حجة علينا ونقتدي به بإعتباره الثقة الينا والأقرب الى الله سبحانه وتعالى، ومن ذلك ما تفضلتم به من سؤال. لماذا نفعل هكذا أفعال مع اطفالنا ومواليدنا الحديثة ولماذا يستحب السجود عليها؟ ذلك لجملة من الأسباب، أولاً توجد رواية صحيحة السند ومعروفة، من نعومة اظفار أبي عبد الله الحسين وهو طفل صغير حيث مر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخذ قبضة من يده وأدناه من رأسه فشمها وقال هذه التربة التي يستشهد عليها ولدي الحسين صلوات الله وسلامه عليه بمعنى أن الله إصطفى يعني إختار هذه الأرض دون غيرها لتكون مثوى لأبي عبد الله الحسين والبررة الذين كانوا معه، انها أرض طاهرة، أرض مقدسة، أرض ستثبت عليها المبادئ التي أصبحت حصناً للاسلام الذي بقي ناصعاً وغضاً طرياً الى يومنا هذا.
الحديث الصحيح والوارد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه صلوا على الترب او ما تنبت الأرض. التربة، الأرض هذا مايقول به الفقهاء الغالبية من فقهاءنا الأعلام. التربة بشكل عام، كيف بها اذا كانت تربة أبي عبد الله الحسين التي ضحى فيها والتي مزجت دماءه بها والتي كانت مثوى لمضجعه ولجسده الشريف. اذن من ذلك نشأت هذه الفكرة واعتنق آباءنا وأجدادنا وأبناء مجتمعنا والمسلمون وإعتنقوا بهذه الفكرة بإعتبار الطهورية موجودة والقداسة موجودة والرواية التي ترد في هذا الجانب ايضاً موجودة.
مستمعينا الأكارم مع تقديم جزيل شكرنا على هذه التوضيحات لسماحة الشيخ هادي العقيلي الباحث الاسلامي من العراق نتابع أعزاءنا المستمعين من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران تقديم الحلقة الثانية من برنامجكم الحسين في الوجدان فننتقل للحديث عما قام به الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لزرع حب سيد الشهداء عليه السلام في قلوب أمته. وذلك طبقاً لما ورد في المصادر المعتبرة عند المسلمين بمختلف مذاهبهم..
إخوتنا الأكارم.. كلنا، والحمد لله، نقرأ كتاب الله ونفهم المعاني الظاهرية لآيات القرآن الكريم، ومن بينها آية المودة أو القربى، قوله عزوجل في سورة الشورى (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى) وقد أجمع المفسرون أن المقصود بالقربى، هم قربى رسول الله (صلى الله عليه وآله): علي وفاطمة والحسن والحسين (صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً) وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) عشرات الأحاديث، بل مئاتها في الحث على مودة أهل بيته وولائهم، وفي التحذير من بغضهم، حتى روى ابن عباس، كما نقل الطبراني في (المعجم الكبير) والحاكم النيسابوري الشافعي في (المستدرك) والهيثمي الشافعي في (مجمع الزوائد) وغيرهم، أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: "لو أن رجلاً صف بين الركن والمقام فصلى وصام ثم لقي الله مبغضاً لأهل بيت محمد، دخل النار"
وكان مما رغب فيه النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) حب سبطه وريحانته أبي عبد الله الحسين سلام الله عليه، ففي (ذخائر العقبى) روى المحب الطبري الشافعي أن الحسين رقى حتى وضع قدميه على صدر رسول الله صلى الله عليه وآله، هكذا روى أبو هريرة مواصلاً كلامه؛ ثم قال رسول الله: إفتح فاك، ثم قبله ثم قال: "اللهم إني أحبه فأحبه" كذلك روى المحب الطبري عن سعيد بن راشد، قال: جاء الحسن والحسين يسعيان إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأخذ أحدهما فضمه إلى إبطه ثم جاء الآخر فضمه إلى إبطه الأخرى ثم قال: هذان ريحانتاي من الدنيا، من أحبني فليحبهما))
وفي رواية الحاكم النيسابوري في حديث شريف آخر أنه صلى الله عليه وآله قال: "هذان إبناي، من أحبهما فقد أحبني" يعني الحسن والحسين.
أما رواية ابن ماجة في (سنن النبي) فقد جاء هذا النص المبارك قوله (صلى الله عليه وآله): من أحب الحسن والحسين فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني.
وهذا من أوضح البيان وأجلى البرهان في إثبات المصداق لمحبتنا لرسول الله صلى الله عليه وآله، من خلال محبتنا لحبيبيه الحسن والحسين، صلوات الله عليهما، ولكن.. هل هذا يا ترى، أيها الأحبة، يكفي؟!
إننا، إخوتنا الأعزة المؤمنين، لا نكتفي أن نحب الحسين عليه السلام، بل يدعونا ولاؤه ومحبته أن نظهر ذلك في كل مناسبة، وننشر عطره الزاكي في كل نواحي حياتنا، حتى يشمل ذلك أسرنا وأهلينا وأبناءنا وذوينا وإخواننا ومن نحبه ويحبنا، ومن نرجو له الخير ويتقبل منا.
نرغب في المزيد من حب سيد شباب أهل الجنة، ونرغب في ذلك نقرأ فضائل محبته ونتلوها على مسامع الآخرين، ومنها ما رواه ابن قولويه في (كامل الزيارات) والحر العاملي في (وسائل الشيعة) أن حفيد المصطفى، الإمام جعفر الصادق عليه السلام، قال: ( من أراد الله به الخير قذف في قلبه حب الحسين عليه السلام وحب زيارته).
وهذا، أيها الإخوة الأكارم، يتطلب منا اعتقاداً سليماً، وقلباً محباً وعقلاً نيراً وإقبالاً على أهل بيت النبوة والرحمة والطهارة، نتواصل معهم في الأدعية والزيارات، فضلاً عن ما ورد فيهم من المناقب والفضائل والدرجات، في جلائل الآيات وشرائف الروايات، ومن ذلك فيما يخص الإمام الحسين عليه السلام، قوله تعالى في سورة آل عمران آية المباهلة: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) وقول النبي المصطفى صلى الله عليه وآله: " (حسين مني وأنا من حسين) (حسين سبط من الأسباط من أحبني فليحب حسيناً) ".
والله إنا لنحبك يا رسول الله، ونحب سبطك الحسين حبيب الله ونرجو أن نبقى على ذلك حتى يتوفانا الله.