وإن إماماً من علي وفاطم
لأكرم من نيطت عليه تمائمه
فتحتفل الدنيا احتفاءً بذكره
وفي الملأ الأعلى تقام مواسمه
إمام حباه الله كل كرامة
فهيهات تحصى أو تعد مكارمه
هو البدر يلقى الرشد من فيه يقتدي
هو البحر لا يحوي سوى الدر عائمه
أبوه علي والبتولة أمه
وحاضنه الهادي وجبريل خادمه
إخوتنا الأعزة المؤمنين.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياكم الله، وأهلا بكم في ملتقى على ذكر الحسين عليه السلام ومحبته وولائه ومودته، فهو سلام الله عليه أحد قربى رسول الله صلى الله عليه وآله وممن جعل الله تبارك وتعالى مودتهم أجراً على تبليغ الرسالة المقدسة التي نهض بأعبائها وجهود حملها النبي المصطفى الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، إذ قال الله عزوجل مخاطباً حبيبه ورسوله؛ "قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى"(سورة الشورى۲۳).
ولعل أحدنا، أيها الأكارم، يحب أن يتعرف على قربى الرسول هنا في هذه الآية، فيكون من الرشد أن يفزع إلى الروايات التي بينت ووثقها المحدثون بها.. ومثال ذلك نقرؤه في (تفسير الكشاف) لفقيه المالكية الزمخشري، حيث قال في ظل هذه الآية المباركة: روي أنها لما نزلت قيل: يا رسول الله، من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ فقال صلى الله عليه وآله: علي وفاطمة وابناهما.
وكتب محب الدين الطبري الشافعي في مؤلفه "ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى" أنه: روي أن النبي صلى الله عليه وآله قال: "إن الله جعل أجري عليكم المودة في أهل بيتي وإني سائلكم غداً عنهم".
أفهذا وحسب، أيها الأخوة الأفاضل؟ لا أبداً، فقد تضافرت دعوات رسول الله المصطفى ووصاياه وتأكيداته على محبة أهل بيته وخصهم واحداً واحداً، ومنهم سبطه وريحانته أبوعبد الله الحسين (عليه السلام).. فمما روى القوم، ومنهم الحافظ الحاكم النيسابوري الشافعي في كتابه (معرفة علوم الحديث) أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال في الحسين عليه السلام: "اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه" وفي بعض الأخبار أنه، صلى الله عليه وآله، قال: "اللهم من أحبه فإني أحبه".
إنها الكرامة الكبرى أن يكون المؤمن محبوب سيد الخلق محمد صلى الله عليه وآله، وهي ليست بمستحيلة أن تنال تلك الكرامة، إذ هي مشروطة بحبنا لسبطه وحبيبه الحسين صلوات الله عليه، ولكن يا ترى كيف نحب الحسين، بل كيف نبرهن لأنفسنا أولاً أننا نحب الحسين عليه السلام، وبعبارة أخرى ما هي مظاهر ومصاديق هذا الحب المقدس التي دعتنا له النصوص الشريفة وكيف نرسخه للقلوب؟
للإجابة عن هذا السؤال شاركنا ضيفنا الكريم في هذه الحلقة أعزائنا الكرام من البرنامج سماحة الشيخ عقيل زين الدين الباحث الديني من لبنان لنستمع معاً لما يقول.
زين الدين: أعوذ بالله من شر الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على خير خلقه محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.
ونحن على أبواب عاشوراء الحسين عليه السلام نتكلم عن هذا الموضوع لأن التعيس ما خسر حظه ولم يفقه دور الحسين عليه سلام الله في بناء نفسيتنا ومجتمعنا. "أحب الله من أحب حسينا" حب الله من حب الحسين وحب الحسين من حب الله. وحب محمد من حب الحسين وحب الحسين من حب محمد وباقي الأئمة عليهم السلام وكل صالح في دورة هذا الكون هي من حب الحسين وجداناً لأنه لولا كربلاء ولولا ذلك الفداء العظيم والتضحية العظيمة التي قام بها أبو عبد الله الحسين لما كنا ننعم الآن بكلمة "لااله إلا الله ومحمد رسول الله" لما كنا وفقنا بالصلاة والتوجه نحو الباري تبارك وتعالى. لولا الحسين سلام الله عليه لما هدئت هذه النفوس ولما عرفنا موضع وموطئ قدمنا في مسيرة حياتنا هذه.
خرج الحسين صلوات الله عليه ليضيء لنا نوراً ويكون لنا نبراساً، ليكون لنا علماً نهتدي به من الضلالة. قال الله تبارك وتعالى "إن الله يحب الشاكرين" و"هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ"(سورة الرحمن٦۰). إن الاحسان في الحسين عليه السلام وهو بالتضحية بنفسه وبأصحابه ليشق لنا طريق النور نحو الله تبارك وتعالى، ليتمم ربط الأرض بالسماء، ليعلقنا بربنا تبارك وتعالى. فهذه الهداية اذا كنا وفقنا اليها إن شاء الله فهي من بركات ذلك القيام فللحسين عليه صلوات الله الأجر والمنة في رقبة كل متعبد، كل من توجه بركعة صلاة، كل من وفق بركعتي صلاة، كل من حج وإعتمر، لكل ساجد سجد حباً لله تبارك وتعالى. الحسين شريك في ذلك، كل من قال الحمد لله ايماناً وإحتساباً فلولا ذلك القيام المبارك لما كنا وفقنا للخير العميم الذي ننعم به في هذه الأيام. كل ما لدينا، مساجدنا، حركة حياتنا، شكر ربنا، علقتنا بربنا، علقتنا ببعضنا البعض هي من فيض ذلك القيام الحسيني المبارك. نسأل الله جل وعلا أن يحيينا عليه وأن يميتنا عليه وأن يعيننا لأداء ذلك الشكر وتلك المنة وأن نكون واقعاً حسينيون، أن نسير على ذلك النهج القويم، أن نعطى العزيمة والهمة والصدق ونوفق لأن نكون حسينيين وأن نشكر الله تبارك وتعالى ونترحم على أهلنا الذين أرضعونا الولاية وحب الحسين مع اللبن ونترحم على شهداءنا الذين جادوا بدماءهم عن حياض ورياض هذا الدين وهذه المسيرة ونترحم على علماءنا كذلك الذين فسروا بأقلامهم وذادوا عن هذا الدين وأن نكون خير خلف لنعم السلف. السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين ما بقي الليل والنهار والسلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.
نشكر ضيف هذه الحلقة من برنامج الحسين في الوجدان سماحة الشيخ عقيل زين الدين الباحث الديني من لبنان على توضيحاته ونتابع أعزاءنا من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران تقديم البرنامج.
بالإشارة الى أن فقهاء الإسلام استفادوا من آية (المودة في القربى) وجوب مودة أهل بيت النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، ومنهم الإمام الحسين عليه السلام، وقد استمعتم ولا شك لقول رئيس المذهب الشافعي، الإمام الشافعي في شعره المعروف:
يا آل بيت رسول الله حبكم
فرض من الله في القرآن أنزله
ومن الوسائل التي ترسخ محبة الحسين، التسمي باسمه (عليه السلام) وقد نص الفقهاء على استحباب ذلك.
إخوتنا الأعزة .. في كتاب (أخبار الدول وآثار الأول) روى القرماني أنه لما ولد الحسين عليه السلام أخبر النبي صلى الله عليه وآله به، فجاءه وأخذه وأذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى وجاءه جبرئيل عليه السلام بأمر الله تعالى أن يسميه حسيناً.
ولابد، أيها الإخوة، أن يكون هذا الإسم الشريف من أحب الأسماء الى الله تعالى وقد اختاره لحبيب حبيبه، كذلك لابد أن يكون من أحبها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، ونحن، محبة لله جل وعلا، ولرسوله المصطفى وللحسين المفدى، نسمي أبناءنا بهذا الإسم الزاكي، يذكرنا بالحبيب الحسين، تيمناً وتبركاً وتفاؤلاً أن يكون الوليد المسمى بالحسين، أحد محبي الحسين، سلام الله على الحسين وآل الحسين.
بل نهيء هذا الإسم للولد قبل أن يولد، فلقد سمى رسول الله ما في بطن ابنته فاطمة عليها السلام محسناً قبل أن يولد، فما المانع أن نسمي ما في الأرحام قبل أن يولدوا، فقد روي عن أميرالمؤمنين علي (عليه السلام) قوله: (سموا أولادكم قبل أن يولدوا، فإن لم تدروا أذكر أم أنثى فسموهم بالأسماء التي تكون للذكر والأنثى.. وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وآله محسناً قبل أن يولد) روى ذلك الشيخ الصدوق في كتابه علل الشرائع والخصال.
في كتابه (عدة الداعي ونجاح الساعي) روى ابن فهد الحلي رضوان الله عليه، أن رجلاً جاء الى النبي صلى الله عليه وآله فقال له: يا رسول الله، ما حق ابني هذا؟ فأجابه صلى الله عليه وآله قائلاً له: "تحسن إسمه وأدبه وتضعه موضعاً حسناً".. وفي (نهج البلاغة) جاءت هذه الكلمة الحكيمة لأميرالمؤمنين عليه السلام، حيث يقول: "حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه ويحسن أدبه ويعلمه القرآن". وهكذا أكد أهل البيت (عليهم السلام) أيها الأخوة الأعزة،،، وهل هنالك أسماء أشرف وأقدس من أسماء محمد وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين؟ ومن بينها ذلكم الاسم الحسن.. إسم الحسين واسم الحسن، إذ فيهما البركة والنور والذكر الطيب الحسن، بل فيهما الغنى المعنوي وبهما يذهب الفقر المعنوي.. جاء في (الكافي الشريف) للشيخ الكليني أعلى الله مقامه، عن سليمان الجعفري أنه قال: سمعت أبا الحسن (ولعله الإمام موسى الكاظم عليه السلام) يقول: "لا يدخل الفقر بيتاً فيه اسم محمد أو أحمد أو علي أو الحسن أو الحسين أو جعفر أو طالب أو عبدالله أو فاطمة من النساء".
وقد ورد في الأخبار أن أحد الموالين أتى الإمام الباقر عليه السلام يسأله: نحن، يا ابن رسول الله، نسمي أبناءنا بأسمائكم، فهل ينفعنا ذلك؟ فكان جواب الإمام على ثلاثة فصول.. الأول – كيف لا ينفعهم ذلك وهم يسمون بأسماء أولياء الله وأحبائه محبة لهم، وإحياءً لذكرهم وتبركاً بأسمائهم. والفصل الثاني – قوله عليه السلام: "وهل الدين إلا الحب؟!" ذلك هو الدين الحق، حب النبي وآل النبي، ومن أحبهم فقد أحب الله، بل وأحبه الله. وأما الفصل الثالث الذي تفضل به الإمام عليه السلام فهو تلاوته لقوله تعالى: " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله" فنفهم من هذا، أيها الإخوة الأطائب، أن التسمي بأسمائهم هو حالة من حالات الإتباع وقد سمى الله ورسوله حسيناً، ونحن نسمي حسيناً، ننادي بهذا أولادنا ونقرأ بشوق ومودة وولاء، نخاطبهم (سلام الله عليهم) كما في الزيارة الجامعة: "فما أحلى أسماءكم.. فما أحلى أسماءكم.. فما أحلى أسماءكم"!