يّها الإخوة الأفاضل…
لقد جعل الله تعالى أنبياءه ورسله وأوصياءهم مناراً للناس يستضيئون به إلى معرفة دينهم، والأخذ بمبادئه وقيمه العليا، والسلوك من خلاله إلى الله تعالى وطلب مرضاته. وقراءةٌ باصرةٌ لعبارات الزيارة الجامعة الصادرة عن الإمام عليّ الهادي عليه السلام، توقفنا على معانٍ ساميةٍ في العقيدة الصالحة، لمعرفة مقامات أولياء الله وآثارهم في هداية البشر.
أجل إخوتنا الأكارم، هكذا هم أئمة الحقّ أوصياء رسول الله صلّى الله عليه وآله، ومنهم أبو عبد الله الحسين صلوات الله عليه، ومن كانت هذه صفاتهم فهم هداة الناس، والآخذون بأيديهم إلى حيث الأمان والنجاة والفوز، لأنّهم السالكون إلى الله، فالتابع لهم بالغٌ مرضاة الله…
وقد كان من رحمة الله جلّ وعلا ولطف رسول الله صلّ الله عليه وآله أن عرّفا بهؤلاء الهداة، بل وأوصيا باتّباعهم والتمسّك بولايتهم، حتّى روي أنّه لمّا كانت الليلة التي أصيب حمزة بن عبد المطّلب رضوان الله عليه يومها، دعاه رسول الله فقال له: "يا حمزة يا عمّ رسول الله، يوشك أن تغيب غيبةً بعيدة، فما تقول لو وردت على الله تبارك وتعالى، وسألك عن شرائع الإسلام وشروط الإيمان؟ فبكى حمزة وقال: بأبي أنت وأمّي، أرشدني وفهّمني. فقال: يا حمزة، تشهد أن لا إله إلاّ الله مخلصاً، وأنّي رسول الله، بعثني بالحقّ، فقال حمزة: شهدت…إلى أن قال له رسول الله: وأنّ عليّاً أميرالمؤمنين"، قال حمزة: شهدت وأقررت، وآمنت وصدّقت.
ثمّ قال رسول الله صلّى الله عليه وآله له: "الأئمّة من ذريّته الحسن والحسين، وفي ذريّته"، قال حمزة: آمنت وصدّقت، قال: "وفاطمة سيّدة نساء العالمين، من الأوّلين والآخرين"، قال: نعم صدّقت.
وهكذا أملى عليه رسول الله عقائد الدين الحقّة، كلّ ذلك وحمزة يصدّق مؤمناً مهتدياً بهدى الله ورسوله، حتّى قال: نعم يا رسول الله، أشهد الله وأشهدك وكفى بالله شهيدا.
فدعا رسول الله له قائلاً: "سدّدك الله ووفّقك". فكان من تسديد الله عزّ وجلّ لحمزة سيّد الشهداء في زمانه، أن أفعم قلبه بالإيمان، ومضى على الهداية شهيداً مرضيّاً خطي بحبّة النبيّ ومحبّة المؤمنين.
كذلك أبو عبدالله الحسين عليه السلام، إنّما اهتدى به من صدّقه، واتّبعه، فمضى معه على نور ولايته، فوفّق لأسمى خاتمةٍ في الحياة، وأشرف وفودٍ على الله تعالى بعد الوفاة.
فقد كان لرسول الله أحاديث شريفةٌ جمّة، نقلها العامّة والخاصّة، ليعلم الجميع أنّ الحسين وجود هدايةٍ ورحمة، وخيرٍ وسعادة…فقال صلّى الله عليه وآله وهو يشير إليه:"هذا منّي وأنا منه". وقال:"من أحبّ أن ينظر إلى سيّد شباب أهل الجنّة، فلينظر إلى هذا". وقال:"حسينٌ منّي وأنا من حسين". وقال له وهو يلثم فاه:"إنّك سيّدٌ ابن سيّدٍ أبوسادة، إنّك إمامٌ ابن إمامٍ أبو أئمّة، إنّك حجّةٌ ابن حجّةٍ أبوحججٍ تسعة، تاسعهم قائمهم". وقال لأبنته وبضعته الصدّيقة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها:"ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء أهل الجنّة، وابنيك سيدا شباب أهل الجنّة".
بعد هذا، أيّها الإخوة الأكارم، لايرى المؤمن في الحسين عليه السلام إلاّ أنّه مصباح هدىً وسفينة نجاة، كما هو مكتوبٌ على ساق العرش. وبعد هذا يكون المسلم موفّقاً لو تمسّك بالحسين واهتدى به، وجعله شفيعاً له إلى الله ورسوله، كما فعل ذلك الرجل الذي أذنب ذنباً فتغيّب حياءً من النبيّ صلّى الله عليه وآله، حتّى إذا وجد الحسن والحسين صلوات الله عليهما في الطريق احتضنهما وحملها على عاتقيه، ثمّ أتى بهما إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله قائلاً له:"يا رسول الله، إنّي مستجيرٌبالله وبهما".
فضحك حينها رسول الله، حتّى ردّ يده الطاهرة إلى فمه الشريف، ثمّ قال للرجل التائب المستجير، المستشفع بالحسن والحسين سيّدي شباب أهل الجنّة:"إذهب فأنت طليق"، ثمّ التفت صلّى الله عليه وآله إلى حبيبيه وريحانتيه الحسن والحسين فقال لهما: قد شفّعتكما فيه أي فتيان!، فأنزل الله تبارك وتعالى على حبيبه المصطفى: "لَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً"(سورة النساء ٦٤).
مستمعينا الأكارم…
ومن تأريخ صدر الإسلام ننقلكم الى عصرنا الحاضر وقصة اهتدائه الأخ ماجد المهندس الى الصراط المستقيم ببركة الدم الحسيني المقدس.
والأخ ماجد هو من خريجي كلية الهندسة في جامعة بغداد ومن أهالي شمال العراق، ويعمل الآن في المجال الهندسي، ويرجع سبب اهتدائه ومع عائلته الى دموعٍ صادقة ذرفها بتأثير من التضحية الفريدة في سبيل الله التي شهدها يوم عاشوراء سنة إحدى وستين للهجرة.
كتب الأخ ماجد المهندس قصة اهتدائي تحت عنوان: الحمد لله الذي هداني لولاية علي، عليه السلام، وقال فيها: الحمد لله الذي وفقني للتعرف على إخوة من أهل الكوت والعمارة أيام دراستي الجامعية في بغداد وكانوا من السادة الموسوية… كنت، في البداية، أكذبهم في كل ما يقولون أثناء المناقشات التأريخية والعقائدية كانت التي تجري بيننا. فيومها كنت من المتشددين، يعني كنت(وهابياً إلا قليلا)!..
وكانت حصيلة المناقشات مع الأخوة السيد عباس من العمارة والسيد علي من الكوت أن دعوني الى أن أبدأ بقراءة التأريخ والكتب العقائدية وما يخص الصحابة والتابعين وغيرهم بدقة دون تحيز الى طرفٍ دون آخر لكي أصل الى الطريق الصحيح…
بدأت بالفعل البحث والقراءة وتابعت معها المناقشات الطويلة مع أولئك الأخوة وكانت هذه المناقشات تطول أحياناً عدة ساعات من الليل والنهار.
ويتابع الأخ ماجد المهندس نقل قصة إهتدائه الى الصراط المستقيم قائلاً: طلبت من الله عز وجل مع النية الصادقة أن يفتح أمامي الطريق الصحيح والمنبع الأصيل لعبادته كما يريد هو سبحانه وتعالى لا كما أريد أنا…
ولله الحمد بعد شهورٍ طوال من البحث والمناقشات حدث في إحدى الليالي أن جرى النقاش حول معركة الطف، فتحدث السيد عباس الموسوي وهو كما ذكرت من طلبة كلية الهندسة عن إستخفاف العصابة من أتباع يزيد لعنه الله بأهل البيت، عليهم السلام، وتحدث عن كيفية وقوع مجزرة كربلاء التي ذبحوا فيها أشرف خلق الله أعني الحسين وأهل بيته وأصحابه في تلك الليلة…أخذت أبكي وأبكي…لم أتمالك نفسي، ولم يكن بكائي عاطفياً…كلا ولا وإنما كشف الله بهذا البكاء عن بصيرتي وعرفت الحق وأهل الحق ورجال الحق ومن تلك الليلة من سنة ثمانٍ وثمانين وتسعمائة وألف ميلادية إتبعت المذهب الحق وركبت سفينة الحسين وإلتزمت ولاية علي، عليهما السلام، وأنا الآن أعمل رئيس المهندسين في دائرة في شمال العراق…بعد أن هداني الله سبحانه بدأت بمخاطبة عائلتي جميعاً وإستبصرنا بفضل الله تعالى إبتداءً من الوالد الى أصغرنا في العائلة المكونة من سبعة أشخاص ولله الحمد.
وما أريد أن أقوله هو أن الذي يبحث عن الحقيقة لابد أن يبحث ويقرأ ويسأل وأن تكون لديه النية الخالصة مع الله في بحثه طلباً للحقيقة لا لمجرد المجادلة والمخاصمة والإستهزاء وليعلم أن العقل حجة بالغة عليه يوم القيامة أمام الله تعالى … ونسألكم الدعاء…
ونحن أيضاً مستمعينا الأكارم نسألكم الدعاء بالهداية لجميع طلاب الحق والحقيقة وبالموفقية لجميع المهتدين إليها.
وبهذا نختم لقاء اليوم من برنامج(بالحسين إهتديت) إستمعتم له من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران تقبل الله منكم حسن المتابعة ودمتم في هدايته سالمين.