انخفاض الأسعار إلى ما دون الصفر يعني أنّ بائعي النفط يدفعون للشارين لكي يحرّروهم من براميل النفط المكدّسة.
كيف وصلت الأزمة إلى هذه المرحلة؟ وما تداعيات ذلك على الدول العربية؟ خبيرة النفط والغاز اللبنانية لوري هايتيان أجابت على أسئلة "بي بي سي"، وحاولت أن تبسّط لنا الأزمة قدر الإمكان.
هناك نوعان من الخام الأمريكي، ويستخدمان كمعيارين لتحديد أسعار النفط في العالم.
الأول هو نفط "غرب تكساس الوسيط"، ويستخدم كمعيار لتحديد سعر النفط في أمريكا الشمالية، والثاني هو البرنت، الأكثر تداولاً عالمياً، ويستخدم كمعيار للتسعير في أوروبا وآسيا وافريقيا.
النفط الذي وصل سعره إلى ما دون الصفر أمس هو نفط غرب تكساس، لكن أسعار برنت انخفضت أيضاً، وبلغت نحو 20 دولاراً، بعدما وصلت في سنوات سابقة إلى سقف المئة دولار.
في الثمانينيات، وصولا إلى عام 2004، استقرّ سعر برميل برنت عند حدود الثلاثين دولاراً.
البيع والشراء في سوق النفط لا يتمّ فقط على كميات عينية من النفط. هناك تداول دائم في السوق العالمية لعقود بيع وشراء بين مضاربين لا يرغبون بالحصول على النفط بشكل عيني، بل يحققون الأرباح فقط عبر المتاجرة بالعقود.
بسبب الاقفال الناتج حول العالم عن فيروس كورونا، صار هناك أزمة فائض في الإنتاج، مع استمرار السعودية وروسيا بضخّ كميّة نفط كبيرة في السوق، ومع انخفاض الطلب لتوقّف حركة الملاحة والسيارات والصناعة في العالم بسبب الاقفال هكذا، لم يعد حاملو العقود قادرين على بيعها، ولا حتى قادرين على أخذ حمولات النفط التي اشتروها سابقاً، لأنّ أماكن التخزين بلغت التخمة.
الأسبوع الماضي اتفقت الدول الموقعة على اتفاق أوبك و بلاس (23 دولة مصدرة للنفط منها 13دولة عضو في منظمة أوبك)، على تخفيض انتاج النفط بمقدار 9.7 مليون برميل يومياً، بدءاً من مايو/ أيار المقبل. لكنّ ذلك لن يحلّ الأزمة، لأنّ النفط المخزن لا يصرف، طالما الناس معزولون في بيوتهم، وكلّ شيء مقفل.
علينا أن نراقب قرارات الدول العربية التي تعتمد على انتاج النفط، وكيف سينعكس انخفاض أسعار النفط على موازنتها، وإن كانت الأزمة ستسبّب عجزاً أم لا، وإن كانت هناك خطط حكومية لدعم الوقود.
نتذكر أنّ خفض الدعم عن الوقود في السابق أدّى إلى غضب شعبي في السابق.
المشكلة لا تطال السعودية فقط، لدينا الجزائر التي تمرّ في مرحلة انتقالية، ويعتمد اقتصادها على النفط والغاز، وعلينا أن ننتظر لنرى كيف سيؤثر ذلك على قطاعات الاقتصاد الأخرى، وعلى عيش المواطنين الكريم.
كذلك الأمر في العراق، حيث يعتمد الاقتصاد بالكامل على النفط والغاز، والميزانية تذهب بأكملها لدفع الرواتب، ولا توجد استثمارات كبيرة، وقد يعود الناس للتظاهر في الشارع بعد انتهاء أزمة كورونا.
هذا المشهد قد يتكرّر في بلدان كثيرة تشهد ضغوطاً اقتصادية، وقد تؤثر أزمة النفط وتداعيات كورونا على الإجراءات الضرائبية، ودعم المواد الأساسية.
تغيّر أسعار الوقود يتعلّق بالسياسات الحكومية المعتمدة في كلّ بلد، ومنسوب الدعم الذي تقدمه للوقود. في لبنان مثلاً، ثبتت الحكومة سعر الوقود، لتحصل على نسبة معينة من الأرباح.
لن يزيد سعر النفط ان لم يزد الطلب، ولن يزيد الطلب ان لم تعد دورة الحياة الى طبيعتها، بعد انتهاء الاقفال الناتج عن محاولات احتواء كورونا.
تضمّن اتفاق أوبك بلاس عدّة مراحل لخفض الإنتاج على مستويات، لن تنتهي الا بحلول عام 2022.
وإن لم يتوصّل العلماء إلى لقاح للفيروس، قد تتأخر العودة إلى حياتنا الطبيعية، وسيتأخر التعافي الاقتصادي.
وحتى في هذه الحالة، سنحتاج وقتاً لنرى تغيراً جذرياً في أسعار النفط، لأنه سيكون علينا استخدام الإنتاج المكدّس، وسنحتاج وقتاً كي نعود ببطء إلى سعر ٣٠ أو ٣٥ دولاراً للبرميل.
عمار المسعودي