بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة على رسول الله واهل بيته الكرام .. يسرنا أن نلقاكم مجددا عبر برنامج نهج الحياة حيث نواصل التأمل في الأيات 10 إلى 12 من سورة يس المباركة ....والبداية مع تلاوة مرتلة للايتين العاشرة والحادية عشرة منها:
وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿١٠﴾
إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَـٰنَ بِالْغَيْبِ ۖ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ﴿١١﴾
تحدثت الايات السابقة حول العقوبة الشديدة التي تنتظر الكفار والمشركين يوم القيامة العقوبة التي كانت بسبب عنادهم وإصرارهم على الباطل في مواجهة الحق بحيث لم يريدوا حتى سماع كلام الرسول (ص) و إذا ما سمعوا إلى قوله لم يسمحوا بكلامه ليدخل إلى عقولهم و كأنهم لا يسمعون و على هذا الأساس فالله تعالى يقول في هذه الاية (وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون). فمهما كان حديثك يا رسول الله نافذاً في القلوب ومهما كان أثر الوحي السماوي، فإنّه لن يؤثّر ما لم يجد الأرضية المناسبة، فلو سطعت الشمس آلاف السنين على أرض سبخة، ونزلت عليها مياه الأمطار المباركة، وهبّت عليها نسائم الربيع على الدوام، فليس لها أن تنبت سوى الشوك والتبن، لأنّ قابلية القابل شرط مع فاعلية الفاعل.
نتعلم من الايتين بعض الدروس نشير إلى قسم منها:
- ثمة فرق بين إبلاغ الحكم الإلهي للناس و تأثير ذلك عليهم فعلي الرغم من احتمال عدم تأثر بعض الناس بالحكم والإنذار الالهي فعلي النبي أن ينذرهم و قديما قيل : وقد أعذر من أنذر.
- القران الكريم أساس الذكر و اتباعه وسيلة لتذكر الانسان ما نسيه ولإيقاظ فطرته من الغفلة .
- إن الخوف من الله تعالى في السر والعلانية هو علامة الإيمان الحقيقي به .
- إن الذين يصغون إلى تعاليم الانبياء (ع) ويتبعونهم فهم ستشملهم الرحمة الالهية ولهم البشرى بالفوز يوم المعاد .
والان أيها الاحبة ننصت إلى تلاوة الاية 12 من سورة يس المباركة :
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ ﴿١٢﴾
الآية إلى مسألة المعاد والبعث والكتاب والحساب والمجازاة ،و هي عبارة عن أحد أهم المهام التي يحملها الانبياء (ع) لإنذار الناس بها . إن قضية محكمة العدل الالهية يوم القيامة وحساب أعمال العباد وجزائهم أو مكافأتهم لا تتحقق إلا إذا كان هناك إحصاء دقيق لجميع تفاصيل ما صدر من البشر . أما المحاكم البشرية فهي تحكم على الأفراد من خلال الاستناد على الجريمة المرتكبة والآثار المترتبة عليها والحال فإن يوم القيامة يوم يحاسب الفرد على جميع الأعمال الظاهرة منها والباطنة مع جميع الاثار التي ترتبت عليها سواء في مساحة زمنية قصيرة أم طويلة ينال جزاءه إن خيرا فخير وإن شرا فشر .
فمثلا الشخص الذي ارتكب جريمة قتل انسن برئ ستحكم عليه المحكمة البشرية جزاء القتل أو القصاص فحسب بينما تصدر المحكمة الالهية يوم القيامة حكما بالتداعيات السيئة التي عاشتها أسرة القتيل من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية التي ربما ستستمر حتى عقود من الزمن و هذه أمور لا تنظر اليها المحكمة الدنيوية .
وبشكل عام فإن كل ما يصدر من الإنسان يثبت في صحيفة عمله و يحضر له في يوم القيامة ككتاب وهو على ثلاثة أنواع كتاب يعكس عمل الانسان لمفرده وكتاب يجمع تفاصيل حياة الأمم والكتاب الجامع الذي أحصى الله فيه كل شيء .
نستلهم من الاية معاني عظيمة منها:
- إن الفعل المضارع كما في قوله تعالى "نكتب " يدل على أن ملف أعمال الإنسان سيبقى مفتوحا حتى بعد موته .
- لا يعد الإنسان مسؤولا عن الأعمال التي يؤديها فحسب بل إنه سيحاسب على جميع الاثار والتداعيات التي تترتب على تلك الأعمال . سواء على مستوى الأسرة أو على مستوى المجتمع .
- لا تقوم المحكمة الإلهية على أساس الظن والتخيل بل انها تعتمد على الوثائق الدقيقة التي تم احصائها احصاء دقيقا .
ايها الاكارم وصلنا إلى ختام حلقة أخرى من حلقات برنامج نهج الحياة سائلين الله تعالى أن يجعل حظنا من القران أوفر الحظوظ وأكملها وأتمها آمين .. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .