بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطيبين الطاهرين .. معكم أيها الأحبة ضمن حلقة جديدة من برنامج نهج الحياة إذ نواصل الشرح المبسط للايات 14 إلى 17 من سورة فاطر المباركة .. دعونا في البداية نصغ إلى تلاوة الاية 14 من هذه السورة المباركة:
إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ۚ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴿١٤﴾
أشرنا في الحلقة الماضية أن المشركين كانوا يعبدون أصناما لا تملك أية قدرة وليس من شانها إدارة هذا الكون ،فتواصل هذه الاية المباركة تأكيد القران الكريم أن الأصنام لا تسمع لنداء من يعبدها ..(إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم)، لماذا ؟ لأنّها قطعة من الحجر والخشب لا أكثر،إنها جمادات لا شعور لها، (ولو سمعوا ما استجابوا لكم).إذ اتّضح أنّها لا تملك نفعاً ولا ضرّاً حتّى بمقدار (قطمير) وعلى هذا فكيف يتوقع المشركون منها أن تعمل لهم شيئاً أو تحلّ لهم عقدة.
والأدهى من ذلك فهذه الأصنام في يوم القيامة ( يكفرون بشرككم). ويقولون: اللهمّ إنّهم لم يعبدونا، بل إنّهم عبدوا أهواءهم في الحقيقة. هذه الشهادة إمّا بلسان الحال الذي يدركه كلّ شخص من خلال ضميره ، أو أنّ الله في ذلك اليوم يعطي للأصنام إمكانية النطق فتنطق ويشهدن بأنّ هؤلاء المشركين المنحرفين إنّما عبدوا في الحقيقة أوهامهم وشهواتهم.
ثمّ يؤكد الباري تعالى في ختام الآية : أن لا أحد يخبرك يا رسول الله عن جميع الحقائق كما يخبرك الله تعالى: (ولا ينبئك مثل خبير).
نستلهم من الآية معاني ومفاهيم منها:
- إن النزعة المادية عند بعض البشر تسير بهم إلى حيث يرون الجمادات الميتة التي لا تسمع ولا ترى ولاتضر ولا تنفع أنها تستحق العبادة وهم يتركون الله الخالق المتعال السميع العليم .
- إن الشرك بالله تعالى لا ينفع لا في الدنيا ولا في الاخرة .
- كل ما عبد سوى الله سيعلن برائته من العباد يوم القيامة .
- لا يمكن الحصول على أخبار يوم القيامة إلا من خلال الوحي والكتب السماوية .
والان أيها الأكارم نستمع إلى تلاوة الايات 15 إلى 17 من سورة فاطر:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّـهِ ۖ وَاللَّـهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴿١٥﴾
إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ﴿١٦﴾
وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى اللَّـهِ بِعَزِيزٍ ﴿١٧﴾
بعد الدعوة المؤكّدة إلى التوحيد ومحاربة أي شكل من أشكال الشرك وعبادة الأوثان، يحتمل أن يتوهّم البعض فيقول: ما هي حاجة الله لأن يُعبد بحيث يصرّ كلّ هذا الإصرار، ويؤكّد كلّ هذا التأكيد على عبادته وحده؟ لذا فإنّ هذه الآيات توضّح هذه الحقيقة وهي أنّ البشرهم المحتاجون لعبادته لا هو سبحانه وتعالى، فتقول الآية الكريمة: (ياأيّها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد).
نعم، فالقائم بذاته لا يحتاج لسواه، وهو الله تعالى، وكلّ البشر بل كلّ الكائنات تحتاج إليه في جميع شؤونها وفقيرة إليه ومرتبطة بذلك الوجود المستقل بحيث لو قطع إرتباطها به لحظة واحدة لأصبحت عدما في عدم، فكما أنّه غير محتاج مطلقاً، فإنّ البشر يمثّلون الفقر المطلق، وكما أنّه قائم بذاته، فالمخلوقات كلّها قائمة به تعالى، لأنّه وجود لا متناهي من كلّ ناحية، ومع حال كهذه، ما حاجته تعالى لعبادتنا؟! إنه لا حاجة له لعبادتنا له لأنه الغني بل نحن المحتاجون والفقراء إلى الله ونسلك سبيل تكاملنا عن طريق عبادته وطاعته، ونقترب بذلك من مصدر الفيض اللامتناهي، ونغترف من أنوار ذاته وصفاته.
وعليه فإنّ البشر فقراء إلى الله ، فيجب عليهم أن لا يطأطئوا رؤوسهم لغيره تعالى، وأن لا يطلبوا حاجاتهم إلاّ منه تبارك إسمه، لأنّ ما سوى الله محتاج إلى الله كحاجتهم إليه، وحتّى أنّ تعظيم أنبياء الله وقادة الحقّ إنّما هو لأنّهم رسله تعالى وممثّلوه، لا لذواتهم مستقلّة.
وعليه فهو "غني حميد" أي إنّه في عين استغنائه عن كلّ أحد، فهو رحيم وعطوف وأهل لكل حمد وشكر، وفي الوقت نفسه فهو أرحم الراحمين، وهو غير محتاج لأحد مطلقاً.
لم تكن دعوة الله تعالى البشر للتوجه إليه وعبادته منطلقا من حاجة الله تعالى للعبادة لانه الغني بل إن عبادة الله تعالى تمثل ملجأ وثيقا يعتمد عليه الإنسان.
إن استغنى البشر لاستكبر أمام الله تعالى ولم يرضخ لأوامره عزوجل ولذا فإن القران يؤكد على خصلة الفقر لدى الإنسان.
أيها الأحبة وصلنا إلى ختام هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة شكرا على المتابعة والسلام عليكم.