بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم حضرات المستمعين وأهلا بكم في حلقة أخرى من نهج الحياة إذ لا نزال في رحاب سورة الأنبياء المباركة، ويسرنا أن نقدم لكم تفسيراً موجزاً لآيات أخرى منها.
ولنستمع أولاً إلى تلاوة الآيتين الثانية والأربعين والثالثة والأربعين، حيث يقول جل جلاله:
قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَـٰنِ ۗ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ ﴿٤٢﴾
أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُم مِّن دُونِنَا ۚ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ وَلَا هُم مِّنَّا يُصْحَبُونَ ﴿٤٣﴾
في السابق من حلقات هذا البرنامج علمنا أن الكفار والمشركين الذين ينكرون يوم القيامة وينكرون الجنة والنار، كانوا يسخرون من المسلمين الذين يعتقدون بوجود الثواب والعقاب الإلهيين، والأكثر من ذلك فإن الكفار يرون عقائد الإسلام حول الآخرة ضرباً من الخرافات.
ومن هنا فإن الله تبارك وتعالى يحث المسلمين في القرآن على الصبر و عدم الجزع، موضحاً أن الكفار لا ريب ينالون جزاء كفرهم يوم الحساب.
والملاحظ أن هذا النص فيه من الدلالة الواضحة على أن العقاب الإلهي والعذاب آت إلى الكفار، ليس في الآخرة وحسب، بل في الدنيا أيضاً وأن ربنا يمهل ولا يهمل، ثم أنى لأصنام الكفار أن تدفع عنهم عذاب الله وهي لا تنفع ولا تضر.
والمستفاد من هذين الآيتين أمران، هما:
- إن من يعرض عن الله فإنه يحرم من رحمة الله وساء لهذا الإنسان المصير.
- إن غير الله عاجز عن الإمدادات الربانية، إذن على الإنسان أن يتوجه دوماً إلى الله العلي العظيم.
ويقول جل شأنه في الآية الرابعة والأربعين من سورة الأنبياء (ع):
بَلْ مَتَّعْنَا هَـٰؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ ۗ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ۚ أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴿٤٤﴾
تحدثت الآيات السابقة حول عدم وجود الأمان للكفار من عذاب الله تعالى.
وفي هذه الآية بيان بأن ليس لأحد الفرار من الموت كافراً كان أم مؤمناً، ذلك أن الموت هو سنة من سنن الباري في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلاً أو تحويلاً، وهذا الخطاب القرآني يقول للنبي (ص) [إنك ميت وإنهم ميتون].
ألم يرى الناس كيف أن أمماً سادت ثم بادت؟ ألم يروا كيف أن الموت أفناهم وكيف أن الغلبة هي لله العظيم المتعال؟
والذي تفيده الآية الرابعة والأربعون هو:
- إن إستفادة الكفار من النعم الإلهية في الدنيا ليس دليلاً على رضا الله عنهم، بل أن الله تباركت أسماؤه أسبغ من نعمه على الناس كفاراً كانوا أم مؤمنين لا فرق بين أحد وآخر.
- إن في دراسة التاريخ الماضين عبر ودروس للآتين والقادمين، نعم الأجدر بالإنسان أن لا يغتر بالدنيا وزبرجها فإنها فانية وإن الآخرة لهي الحيوان.
والآن نستمع إلى تلاوة الآية الخامسة والأربعين من سورة الأنبياء (ع):
قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاء إِذَا مَا يُنذَرُونَ{45}
تشير هذه الآية إلى غفلة وغرور البعض من الناس، إنها تخاطب رسول الله (ص) أن ما ينزل من القرآن على صدره المبارك هو الوحي المبين الذي ينبغي أن يبلغ للناس كي يخرجوا من ضلالهم ويفيقوا من غفلتهم. لكن ماذا للنبي أن يفعل مع الصم من الكفار الذين صموا آذان عقلهم عن قول الحق؟
نعم، الحق أن كفار مكة كانوا أصموا عقولهم عن الدين الحق، آذانهم كانت تسمع قول الحق بيدأن عقولهم كانت تأبى قبوله.
إن كل إنسان عاقل لو سمع من يخبره بوجود الخطر يبدي رد فعل لحفظ نفسه من ذلك الخطر وهذا أمر غريزي إلا أن الكفار خالفوا بعنادهم الغريزة ولم يستجيبوا إليها.
والآن إلى الدروس المستفادة من هذه الآية فمنها:
- إن دعوة الأنبياء تقوم على أساس الوحي الإلهي وليس للنبي أن يقول شيئاً من عنده [وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى].
- إن العمي الصم هم لهم آذان وعيون سالمة لكن صمت وعميت بصيرتهم، وهذا هو الداء العضال في النفس البشرية.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من الذين تستقبل أفئدتهم قول الحق إنه سميع الدعاء [ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشداً] صدق الله العلي العظيم.
حضرات المستمعين الأفاضل، نشكر لكم حسن الإصغاء إلى اللقاء والسلام خير ختام.