بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ثم الصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير مولانا أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم حضرات المستمعين الأكارم وأهلا بكم في حلقة أخرى من نهج الحياة، حيث نقدم لكم فيها تفسيراً لأربع آيات أخرى من سورة طه المباركة ونبدأ بالآية السابعة والعشرين بعد المئة وهي قوله تعالى:
وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ ۚ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ ﴿١٢٧﴾
في الحلقة الماضية علمنا من الآيات السابقة أن من ينأى عن طريق الله تعالى ولا يتبع رسله وأنبياءه ولا يعمل بكتبه، له في الحياة الدنيا معيشة ضنكاً وله يوم القيامة سوء العذاب، ومن يخسر الدنيا ويخسر الآخرة فهو الذي باء بالخسران المبين.
وتتحدث هذه الآية الشريفة عن الذين كفروا من الناحية العقائدية وابتعدوا من الناحية العملية عن جادة الصواب، هذا وإن الكفار مثل المؤمنين تشملهم النعم الإلهية والعطايا الربانية، إلا أنهم لايستثمرون نعم الله في الطريق الصحيح.
ولهؤلاء الكفار عذاب النار عذاب حتمي لا مفر منه ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم.
أما الدروس التي نأخذها من هذه الآية الكريمة فهي:
- أن تضييع نعم الله تعالى لا يتلاءم مع الإيمان بالخالق المتعال.
- على الإنسان أن يتولى أهمية أكبر لمحاسبة نفسه في الدنيا لكي ينجو من عقاب يوم القيامة.
ولنستمع الآن إلى تلاوة الآيتين الثامنة والعشرين والتاسعة والعشرين بعد المئة من سورة طه:
أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُولِي النُّهَىٰ ﴿١٢٨﴾
وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُّسَمًّى ﴿١٢٩﴾
يتحدث هذا النص عن الكفار والمشركين في زمن النبي (ص) الذين كانوا يتوجهون إلى اليمن والشام فيرون إطلال قوم عاد وثمود ولوط وما حل بهم لكفرهم لكن دون أن يأخذوا العبر والدروس من مصيرهم لكي يجتنبوا ما حل بهم.
نعم إن سنة الله في خلقه هي الإمهال لا الإهمال، إنه تعالى يمهل الإنسان ولا يهمل، علّه عن غيه يرجع وإلى الحق يؤوب، إن لكل أجل كتاب وقبل أن يحل أجل أمة ما، فإن الله لا يستعجلها العقاب إن كانت كافرة.
والمستفاد من هذا النص القرآني هو:
- إن من لا يعتبر مما أصاب الماضين يستحق التوبيخ.
- كم هو جميل أن نأخذ العبر من إطلال الأمم الماضية ولا نكتفي بالتجول والتنزه بينها.
- لا ينبغي أن يغتر الإنسان إن كفر ولم يحل به العذاب، ذلك أن عذاب الله آت لا ريب وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين.
ويقول أصدق القائلين في الآية الثلاثين بعد المئة من سورة طه:
فَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ۖ وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ ﴿١٣٠﴾
تخاطب هذه الآية الرسول (ص) وتدعوه إلى اتخاذ الصبر وسيلة لتحمل أذى الكفار ويستعين لتحقق ذلك بتسبيح الله بحمده آناء الليل وأطراف النهار، إذ في هذا الأمر ما يوثق العلاقة بين العبد وربه، ولنا في خير العباد رسول الله محمد (ص) الأسوة الحسنة.
ومما يفيده هذا النص المبارك أمور ثلاثة نأتي على بيانها:
- على المؤمنين الصبر والإستقامة في قبال الكافرين.
- إن إقامة الصلاة والتسبيح وسيلة لتقوية الروح في مقابل العناد والأعداء.
- ينبغي للإنسان أن يخصص من الليل شطراً للعبادة ومناجاة الله تعالى شأنه.
غفر الله لنا ولكم، حضرات المستمعين الأفاضل نشكر لكم حسن متابعتكم لهذا البرنامج وحتى لقاء قرآني جديد نستودعكم الله والسلام خير ختام.