بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين، خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا ومولانا أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم، حضرات المستمعين وأهلا بكم في حلقة أخرى وجديدة من برنامج نهج الحياة، لازلنا وإياكم في رحاب سورة طه المباركة، وقد أنهينا حتى الآن تفسير 89 آية منها وفي هذه الحلقة نقدم تفسيراً لآيات أخرى بادئين بالآيات التسعين والحادية والتسعين، حيث يقول جل شأنه:
وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ ۖ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَـٰنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي ﴿٩٠﴾
قَالُوا لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ ﴿٩١﴾
في الحلقة الماضية ذكرنا أن نبي الله موسى عليه السلام حينما غاب عن قومه 40 يوماً لتلقي التوراة في جبل الطور، ظهر بين بني اسرائيل السامري، وكان شخصاً منحرفاً، حيث عمل بصنعه العجل على حرف الناس عن عقيدة التوحيد إلى الشرك والضلال.
ويدلنا هذا النص أن هارون، أخا موسى (ع) ووصيه، طلب من الناس أن لا يغتروا بكلام السامري وعجله الذهبي وحثهم على ملازمة التوحيد الخالص، وبين هارون للقوم أن ما يمرون به هو امتحان إلهي صعب وعليهم الخروج منه بنجاح وشكر نعم الله تعالى عليهم وأفضلها نعمة التوحيد.
وخاطب هارون بني اسرائيل بقوله، هل نسيتم عهد الولاية لي عليكم؟ هل نسيتم أن أخي موسى لما أراد الرحيل استخلفني فيكم وأوجب لي الطاعة عليكم؟
لكن بني إسرائيل أصروا على انحرافهم ولم يبدوا أذناً صاغية لنصائح هارون (ع) وبقوا على عبادتهم العجل حتى عاد موسى عليه السلام.
ومما يستفاد من هذا النص الكريم هو:
- إن كل المؤمنين عرضة للإمتحان والإختبار حتى يمحص المؤمن الحقيقي عن غيره، ذلك أن المؤمن الحقيقي هو الثابت على إيمانه وهو الذي لا تتزلزل عقائده.
- إن إتباع أولياء الله تعالى حين وقوع الفتن، فيه صيانة للإنسان من الوقوع في الخطأ وزلة القدم.
ويقول تعالى في الآيتين الثانية والتسعين والثالثة والتسعين من سورة طه الكريمة:
قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا ﴿٩٢﴾
أَلَّا تَتَّبِعَنِ ۖ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ﴿٩٣﴾
كما هو واضح، فإن هارون كان وصي وخليفة موسى عليه السلام في قومه، فعندما أراد الكليم الذهاب إلى جبل الطور، إستخلفه في قومه، ولما عاد ووجد بني اسرائيل قد عادوا إلى الشرك، عاقب هارون وقال له: ما منعك أن تقف بوجه ما فعل الناس وقد أوصيتك بحفظهم من الإنحراف؟
ومن البديهي أن حرص موسى (ع) على إيمان الناس هو الذي جعله يعاقب أخاه هارون.
ويفيدنا هذا النص ما يلي:
- إن القادة الربانيين مسؤولون أمام الناس وعليهم العمل على الحؤول دون إنحراف الناس عن طريق الصواب.
- إن خطر الإنحراف يهدد كل الناس، فلابد من تفاديه ما أمكن.
ولنستمع الآن إلى تلاوة الآية الرابعة والتسعين من سورة طه:
قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي ۖ إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ﴿٩٤﴾
شرح هارون لأخيه موسى (ع) معالم الموقف وأوضح له أنه قد أدى وظيفته في إنذار القوم ونصحهم في أن يعودوا إلى رشدهم وأن الذي حدث هو أن بني اسرائيل لم يعبأوا بكلامه وقد هموا بقتله.
والآن إلى ما نأخذه من دروس من هذا النص المبارك فهي:
- إن الغضب إزاء ما يشاهد من انحراف عن طريق الحق دليل على الغيرة الدينية، وهذا من خصائص أولياء الله تعالى من الرسل والأنبياء والأئمة عليهم الصلاة والسلام والصالحين من العلماء الأبرار في كل زمان ومكان.
- إن التعامل مع ظاهرة الإنحراف في المجتمع أمر لازم، لكن لا على حساب إشاعة الفوضى والنزاع بين فئات المجتمعات، ذلك أن الإختلاف بين الناس هو الآخر خطر على الدين وكيانه.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعاً للثبات على دينه ويجنبنا الإنحراف والنزاع؛ ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
حضرات المستمعين الأفاضل هكذا انهينا هذه الحلقة من نهج الحياة ولنا عودة إلى هذا النهج القويم ورحاب الذكر الحكيم، دمتم سالمين والسلام عليكم ورحمة الله بركاته.