بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد بن عبد الله وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، والسلام عليكم مستمعينا الكرام وأهلاً بكم في حلقة أخرى من سلسلة حلقات نهج الحياة، حيث نقدم تفسيراً موجزاً لآيات أخرى من سورة النحل المباركة ونبدأ بالإستماع الى تلاوة الآيتين الثانية عشرة والثالثة عشرة بعد المئة من هذه السورة:
وَضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّـهِ فَأَذَاقَهَا اللَّـهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴿١١٢﴾
وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴿١١٣﴾
في الآيات الأخيرة من سورة النحل وهي سورة النعم الإلهية يشير الله تبارك وتعالى إلى قرية كان يأتيها رزقها رغداً وكانت فيها النعم المادية والمعنوية، سكان تلك القرية كانوا يعيشون حياة آمنة لا يهددها خطر الحروب.
وعلاوة على هذه النعم المادية أفاض الله تعالى من فضله نعماً معنوية على سكان هذه القرية، إذ بعث فيهم نبياً يهديهم سواء الصراط ويميز لهم الحق عن الباطل.
لكن أهالي تلك القرية قد كفروا بنعم الله عليهم وأنفقوها في الحرام، فكان أن باءوا بغضب من الله.
وهكذا غادر الأمان والإستقرار تلك القرية وحل بها القحط والمجاعة بعد أن كذب سكان القرية بالنبي الذي أرسل إليهم فحل بهم العذاب أضعافاً ليس في الدنيا وحسب، بل وفي الآخرة أيضاً.
والى الدروس المستقاة من هذا النص الشريف:
- إن للتاريخ قواعد وضوابط والسنن الإلهية في الماضي والحاضر والمستقبل واحدة، فما أجدر الإنسان أن يأخذ العبر من تاريخ الماضين والحركة على الخط الإلهي.
- إن لكفران النعم عقاب في هذه الدنيا حيث يسبب إلى زوال النعم.
- إن الفقر والإضطراب الأمني نتيجة لتجاهل المجتمع للتعاليم الدينية.
ويقول تعالى في الآية الرابعة عشرة بعد المئة من سورة النحل المباركة:
فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّـهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴿١١٤﴾
تنصح هذه الآية المباركة الناس بأن يستفيدوا من نعم الله تعالى بشكل صحيح كي لاتزول عنهم كما حصل لسكان تلك القرية التي أشارت إليها الآيات السابقة، والإستفادة الصحيحة من نعم الله تكون باجتناب المحرمات من المآكل والمشرب ومن ذلك الخمر ولحم الخنزير، وأن يكون ما يتناوله الإنسان مأكلاً ومشرباً من الحلال الطيب مما رزقه الله تعالى؛ ولابد من شكر النعم والعبودية لله تعالى والإنفاق في سبيله وتفقد حال الفقراء والمحرومين.
أما ما يستفاد من هذه الآية فهو:
- الإسلام دين شامل لا يختص بالعبادات فقط بل إن فيه أحكام كل شيء، ومن ذلك أحكام الأكل والشرب.
- إن التمتع بالأكل والشرب ينبغي أن يقترن بشكر النعم الإلهية.
والآن نستمع لتلاوة الآية الخامسة عشرة بعد المئة من سورة النحل المباركة:
إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّـهِ بِهِ ۖ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿١١٥﴾
الملاحظ أن بين بني الإنسان من فرط أو إفراط في اختيار المأكولات، ففريق من الناس حرم على نفسه لحوم الحيوانات كاملة وهؤلاء هم النباتيون، ويقال أن أبي العلاء المعري الشاعر المعروف كان من هؤلاء، وفريق من الناس أجاز تناول كل اللحوم حتى لحوم الأفاعي والتماسيح.
لكن القرآن الكريم نهج طريق الإعتدال، فلم يفرط أو يفرّط في هذا الأمر، وكما يقال خير الأمور أوسطها.
إن القرآن الكريم يلبي الحاجة البشرية، إنه يجيز أكل اللحوم لكن لا مطلق اللحوم.
وتحرم الشريعة الإسلامية الغراء أكل لحوم الحيوانات الميتة أو التي لم تذبح على الطريقة الشرعية، حيث لابد من توافر شروط في الذبح كي يتحقق شرعاً، ومن ذلك استقبال القبلة والتسمية، أي ذكر اسم الله تعالى وقطع الأوداج الأربعة وما إلى ذلك مما هو مبين في الكتب الفقهية.
نعم.. لابد من التأكيد هنا على أن من أهم شروط الذبح الشرعي هو أن يكون الذابح مسلماً، ومن هنا لا تحل ذبيحة الكافر حتى وإن كان كتابياً على المشهور بين فقهاء المسلمين.
ولابد من القول أن لكل قاعدة أو قانون استثناء، وهذا الإستثناء يأتي في الضرورات، حيث أن الضرورات تبيح المحضورات كما هو مقرر في الشرع الشريف، ولسان القرآن يعبر عن ذلك بحالة الإضطرار.
نعم.. من اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه، لكن ينبغي أن يكون تناول المحرم هنا بقدر الضرورة كان يتناول لحماً محرماً لسد الجوع وهو في الصحراء وليس عنده شيء غير ذلك اللحم المحرم.
وما يستفاد من هذا النص الشريف:
- إن تحريم بعض المأكولات ليس لأضرارها على الصحة وحسب، بل قد تكون الدوافع للتحريم معنوية مثل الإبتعاد عن الكفر والشرك، ومن هنا يحرم الشرع الإسلامي الأنور ذبيحة الكافر وكأنما يريد للإنسان حتى في هذا الجانب من الحياة المادية ماشياً على طريق التوحيد نائياً عن جادة الكفر.
- ليس في الإسلام طريق مسدود، وحين الإضطرار ليس هناك أي عقاب.
اللهم وفقنا للحلال وجنبنا الحرام واجعل عاقبة أمورنا الى خير، والسلام خير ختام.