البث المباشر

الإمام السيد علي الخامنئي.. ثلاثون عاماً من القيادة

الأحد 9 فبراير 2020 - 17:00 بتوقيت طهران
الإمام السيد علي الخامنئي.. ثلاثون عاماً من القيادة

تولى الإمام السيد علي الخامنئي قيادة الثورة الإسلامية وولاية أمر المسلمين في إيران يوم 4 حزيران 1989 بعد اجتماعات عقدها مجلس خبراء القيادة بعد يوم واحد من ارتحال مطلق الثورة الإسلامية الإمام الخميني "قده".

وتعتبر فترة قيادة الإمام الخامنئي استكمالًا لخط ومشروع الإمام الخميني وتميزت بمنجزات على المستويات كافة؛ سياسية وعسكرية وأمنية واجتماعية وقضائية واقتصادية وثقافية وفكرية وفنية، وتميزت فيها إيران بالمنجزات العلمية واحتلالها المراكز الأمامية عالميًا في مجالات البحث العلمي والتصنيع، كما تميزت ببناء استراتيجيات في المجالات المذكورة سابقًا يمكن اعتبارها انموذجًا يحتذى به لباقي الدول.
 

أولًا: المولد والنشأة

وُلِد السيد علي الخامنئي في مدينة مشهد من محافظة خراسان الإيرانية بتاريخ 8 سبتمبر/أيلول 1939. ويعود نسبه إلى جده الأكبر من أبناء أحمد بن علي (زين العابدين السجاد) بن الحسين، الإمام الرابع للشيعة، وكان حسين خامنئي جد السيد علي خامنئي ووالده جواد من العلماء الشيعة الآذريين المقيمين في مدينة النجف حيث كانت أصولهم تعود إلى مدينة تفرش في وسط إيران (المحافظة المركزية) ثم هاجروا إلى أذربيجان الإيرانية وبعدها إلى النجف. وُلد والد خامنئي في النجف ثم عاد مع والده إلى مدينة تبريز لأن والده كان يتولى إدارة أحد المساجد في هذه المدينة وعاد للدراسة إلى الحوزة العلمية في مدينة النجف مرة أخرى قبل أن ينتقل إلى مدينة مشهد كي يستقر فيها ويكون إمام جماعة جامع كوهرشاد المعروف في هذه المدينة ويولد السيد علي خامنئي هناك.

والدته، خديجة ميردامادي، أصولها من مدينة أصفهان وهي من أحفاد مير برهان‌ الدين محمد باقر إسترآبادي الملقب بـ "ميرداماد"، أحد أشهر الفلاسفة والفنانين والخطاطين والمحدثين والفقهاء في أيام الصفويين.

ولربما كان نسب والدته، كما يقول الإمام الخامنئي نفسه عندما يتكلم عادة مع المقربين منه عن أيام طفولته، سببًا كي تقوم بتعليمه الشعر والأدب والفنون الإسلامية والإيرانية عند صغره وهي كانت حافظة للقرآن الكريم وكانت أول معلمة له. ولهذا السبب، فإن السيد عشق الشعر والأدب والموسيقى منذ صغره وكان ما زال يقيم أمسيات شعرية وأدبية خاصة في منزله بين الفينة والأخرى.

 

ثانيًا: دراسته وشبابه

بدأ السيد علي الخامنئي دراسة العلوم الدينية منذ سن الرابعة في الكتاب (مدارس ذلك الحين)؛ حيث بدأ بتعلم القراءة وحفظ القرآن الكريم واستمر بالدراسة في مدرسة نواب في مدينة مشهد حتى الثانية المتوسطة وبدأ بدراسة الدروس الحوزوية عند والده وآية الله، سيد جليل حسيني سيستاني، منذ الصف الخامس الابتدائي إلى جانب دراسته في المدرسة، ثم انتقل إلى مدينة النجف، عام 1958، مع والده لمدة عامين حيث تتلمذ هناك على يد آية الله محسن الحكيم، وآية الله أبوالقاسم الخوئي، وآية الله محمود شاهرودي، وبعدها عاد إلى مدينة مشهد مع والده ليكمل دراسته تحت إشراف آية الله محمد هادي ميلاني.

قرَّر السيد الذهاب إلى مدينة قم، عام 1959، لدراسة العلوم الدينية حيث تتلمذ هناك على يد آيات الله: حسين بجنوردي وروح الله الخميني ومرتضى حائري يزدي ومحمد محقق ميرداماد والعلامة طباطبائي حيث عاد إلى مدينة مشهد مجددًا، عام 1964، ليبدأ بتدريس العلوم الفقهية وأصول المكاسب والتفسير للطلاب الشباب، عند أستاذه القديم آية الله ميلاني.  واستغل موقعه كمدرس للعلوم الدينية للطلاب الشباب كي يقوم بتدريس أصول الإسلام والأيديولوجيات الإسلامية للشباب حيث كان يقنعهم بضرورة إسقاط نظام الشاه، وتم اعتقاله مرارًا ولكنه استمر بهذا العمل حتى عام 1977 حيث تم اعتقاله وإبعاده إلى مدينة إيرانشهر في محافظة سيستان وبلوشستان.

استطاع السيد في هذه الفترة تجنيد عدد كبير من الشباب الذين شاركوا فيما بعد في إقامة الثورة الإسلامية في إيران. وما ساعده في التأثير على الشباب شغفه بالشعر والآداب الإيرانية والعالمية الأمر الذي كان يجعله يُنظَر إليه كرجل دين معاصر مختلف عن غيره يشارك في الأمسيات الشعرية ولديه علاقات وطيدة بالمفكرين والمثقفين والأدباء في ذلك الحين ويشاركهم اجتماعاتهم الثقافية.

وعاد إلى تدريس الخارج في الفقه وأبواب الجهاد والقصاص والمكاسب المحرمة عام 1989 بعد أن أصبح وليًّا فقيهًا ومرشدًا للثورة لكي يثبت مرتبته العلمية الدينية.

 

ثالثًا: الحياة السياسية

كانت عائلة السيد الخامنئي عمومًا منضوية تحت ألوية الحركات القومية والمشاركة في الثورة الدستورية حيث إن عمه، محمد خامنئي، وزوج عمته، الشيخ محمد خياباني، كانا من الشخصيات المعروفة في الحركة الدستورية، وتم إعدام محمد خياباني إبَّان حكم الشاه.

ولكن حياة السيد السياسية بدأت عمليًّا عام 1952 عندما التقى بـ"مجتبى نواب صفوي" زعيم حركة فدائي الإسلام السرية في مدينة مشهد وأدى هذا اللقاء إلى بناء أواصر صداقة بين الشابين وتم اعتقال الخامنئي لأول مرة بسبب مشاركته في اجتماع احتجاجي لأعضاء منظمة فدائي الإسلام لدعم القضية الفلسطينية في مشهد عام 1962، حيث كان يلقي بكلمة يدين فيها تعاون الشاه السابق مع الكيان الصهيوني . التقى السيد لأول مرة بالإمام الخميني عام 1957 حيث تتلمذ على يديه وتأثر بأفكاره السياسية.

التقى خامنئي برفيق دربه (حسب وصفه)، أكبر هاشمي رفسنجاني، عام 1957، في مدينة كربلاء بالعراق بالصدفة وتعرف إليه من خلال آية الله شبيري زنجاني، وبعد عامين التقيا مجددًا في مدينة قم حيث كان الشابان يدرسان العلوم الدينية وبدأت علاقات وطيدة بين الشابين واستأجرا منزلًا مشتركًا في مدينة قم بعد العودة من كربلاء وعاشا سوية لعدة سنوات مع عائلاتهم واستمرت هذه العلاقة فيما بينهم حتى وفاة هاشمي رفسنجاني عام 2017.

إن دخول السيد الخامنئي في الحركات السياسية الإسلامية عبر بواباتها العريضة أدى لانتخابه عضوًا في لجنة من 11 شخصًا شكَّلها الإمام الخميني لإصلاح الحوزة العلمية في قم وتحضير أرضيتها سياسيًّا للانقلاب على الشاه.

كان آية الله بروجردي، مؤسس الحوزة العلمية في قم، يعارض فكرة تسيُّس الحوزة العلمية، وعليه فإن هذه المجموعة كان عليها أن تعمل بشكل سري في الحوزة ولم تستطع أن تعلن عن وجودها إلا بعد وفاة آية الله بروجردي. كانت هذه المجموعة تعمل على تجنيد طلاب العلوم الدينية وتنظيمهم سياسيًّا كي يكونوا نواة لحركة مستقبلية لإسقاط نظام الشاه.

واستطاع السافاك (جهاز استخبارات الشاه) كشف وجود هذه المجموعة وإلقاء القبض على بعض أعضائها عام 1964 واستطاع خامنئي الفرار ولكن السافاك تمكن من اعتقاله بمدينة مشهد عام 1965 وتم الحكم عليه بالسجن لمدة ستة أشهر. ثم عاد إلى تحركاته السياسية بمجرد الخروج من السجن وسُجن مجددًا بسبب خطاباته المعارضة للشاه.

وكان ضمن رجال الدين القلائل الذين كانوا لا يشاركون فقط في البرامج التي كان ينظمها علي شريعتي في حسينية الإرشاد في مدينة طهران، بل كان يشارك أيضًا في إلقاء الخطابات وإجراء محاضرات بجانب مرتضى مطهري، وأكبر هاشمي رفسنجاني، ومحمود طالقاني، وأبو الفضل زنجاني، ومهدي بازركان، ويد الله سحابي، وعباس شيباني، وكاظم سامي، الذين كانوا يُعتبرون من الإسلاميين الوطنيين والذين كانوا يعتبرون من قبل الشباب في ذلك الحين، منفتحين على العصر.

وعام 1970، قاد مجموعة من رجال الدين في حركة إعلامية عبر المنابر لتحريك الشارع الإيراني لقبول الإمام الخميني مرجعًا للتقليد بدلًا من آية الله الحكيم الذي توفي في ذلك التاريخ؛ الأمر الذي أدى إلى شهرة واسعة للإمام الخميني الذي كان يناضل ضد نظام الشاه وأدى إلى اعتقال خامنئي ومنعه من اعتلاء المنابر.

ولكن السيد الخامنئي لم يلتزم بقرار المحكمة واستمر باعتلاء المنابر حتى تم اعتقاله ونفيه إلى مدينة إيرانشهر في محافظة سيستان وبلوشستان ولكن نفيه إلى هذه المدينة تحول إلى أداة قوة له مجددًا؛ حيث إن هذه المدينة شهدت سيلًا عظيمًا عام 1977 أدى إلى تخريب قسم كبير من المنازل ولم تستطع حكومة الشاه حينها إعانة المصابين بسبب بعد المسافة ووعورة الطرق ولكن السيد استطاع الاتصال بعدد من رجال الدين في مدن يزد ومشهد وكرمان وباقي المدن الإيرانية من خلال شبكة العلاقات التي كان رجال الدين قد بنوها خلال السنوات الماضية. وقاموا بجمع المساعدات من خلال المساجد وانهالت المساعدات إضافة إلى المتطوعين إلى أهالي مدينة إيرانشهر وضواحيها من قبل رجال الدين؛ الأمر الذي أدى إلى اكتساب الخامنئي لشعبية كبيرة في هذه المدنية والمدن المجاورة لها ولفت النظر إلى قدرة رجال الدين على إدارة أمور الناس في حين أن الحكومة كانت تفتقر إلى هذا التنظيم.

اضطر السافاك إلى نقله لمدينة جيرفت ولكن شعبية السيد في كل المحافظة كانت في أوجها وبمجرد دخوله جيرفت ألقى خطابًا معارضًا للشاه مجددًا في جامع جيرفت المركزي ولم يستطع السافاك اعتقاله بسبب كثرة الناس الذين كانوا يحيطون به.

وعلى الرغم من نفيه إلى مدينة جيرفت فإن بدء حركة الثورة الإسلامية في إيران أدى إلى انفراط كل الدوائر الأمنية من حوله وبمجرد إحساسه بفك الحصار عنه عاد إلى مدينة مشهد عام 1378 ليقود الحركات الثورية ضد نظام الشاه في محافظة خراسان.

 

بعد الثورة (1978-1987)

قام الإمام الخميني بتشكيل لجنة الثورة لتشكيل نظام جديد للجمهورية الإسلامية الإيرانية ضمَّت عددًا من رجال الدين والحكماء والثوريين وكان السيد الخامنئي عضوًا ثابتاً في اللجنة إلى جانب هاشمي رفسنجاني، وتم دمج هذه اللجنة مع الحكومة بقرار من الإمام الخميني نفسه وأضحى عدد من أعضاء هذه اللجنة ذوي مناصب حكومية مثل السيد الخامنئي الذي أضحى مساعد الشؤون الثورية لوزارة الدفاع في حين كان مصطفى شمران وزيرًا للدفاع.

كان أحد أهم قرارات لجنة الثورة تشكيل قوات عسكرية لحماية الثورة سميت بالحرس الثوري واللجان الثورية والتعبئة الشعبية (بسيج)، وأشرف الخامنئي على هذه القوات حتى أواخر عام 1979 حيث استقال ليترشح لانتخابات مجلس الشورى الإسلامي.

قام الإمام الخميني بتعيين الخامنئي بمنصب إمام جمعة طهران بتاريخ 14 يناير/كانون الثاني 1980، حيث أقام صلاة الجمعة في طهران منذ ذلك الحين وحتى 26 يونيو/حزيران 1981؛ حينها أقدم عناصر منظمة مجاهدي خلق بزرع قنبلة في ميكروفون جامع أبي ذر بطهران ومحاولة اغتيال الخامنئي ولكنه نجا من محاولة الاغتيال هذه بصعوبة بالغة أدت إلى إصابته بجروح بليغة وخسارة أعصاب يده اليمنى واضطراره إلى ترك مسؤولية إقامة صلاة الجمعة لمدة طويلة بسبب حالته الصحية.

واستطاع السيد النجاح بالدخول إلى مجلس الشورى الإسلامي في أول دورة له بعد الثورة، فبراير/شباط عام 1980، حيث شغل منصب رئيس لجنة الدفاع في هذا المجلس. وترك المجلس بعد أن تم انتخابه رئيسًا للجمهورية عام 1981.

واشتهر السيد أيضًا بأنه كان من أشد معارضي الإبقاء على العلاقات مع الولايات المتحدة ويصر على تصفية كل الحكومة ممن لم يكونوا ثوريين أو لديهم ميول تجاه العلاقات مع الولايات المتحدة أو الدول العربية الرجعية.

 

رابعًا: تنصيبه للقيادة

مع رحيل الإمام الخمينيّ قدس سره في الساعة 10,20 من مساء يوم السبت 3 حزيران 1989م، عقد مجلس الخبراء في صباح اليوم التالي جلسة طارئة بحضور جميع الأعضاء، ولم تمض عشرون ساعة على الجلسة حتّى تمّت مبايعة آية الله العظمى الخامنئيّ دام ظله وليًّا لأمر المسلمين وقائدًا للثورة الإسلاميّة بـ(60) صوتًا مؤيِّدًا من مجموع (74) خبيرًا حضروا الاجتماع.

 

خامسًا: الإمام الخامنئي ولياً لأمر المسلمين لا للإيرانيين فقط

تعتبر تجربة الحكم الإسلامي وشكله المتّبع في نظام الجمهورية الإسلامية من الظواهر التي لم يعهدها المسلمون منذ عصر الأئمة عليهم السلام باعتبار أنه نظام يقوم على أساس أن يكون الحاكم فيه ومصدر السلطة الأولى هو الولي الفقيه الذي هو في نفس الوقت وليًا للأمة الإسلامية كلها لا وليًا للأمر في الدولة التي يقوم نظامها على أساس الإسلام فقط، ومن هنا نشأ سؤال أو اعتراض لدى البعض مفاده أنه ما هي علاقة الإمام الخميني الراحل أو السيد القائد بسائر المسلمين؟

وهل أن المساحة الجغرافية للقيادة تتعدى حدود إيران وتشمل غير الإيرانيين؟ أم أنها تقتصر على إيران فقط؟ والإجابة عن هذا السؤال تتفاوت بتفاوت المباني الفكرية والشرعية لأصحابها، إضافة إلى طبيعة الموقف من الجمهورية الإسلامية ونظامها القائم. ولكن من خلال الفهم لما حصل من بيعة عامة للسيد الخامنئي من قِبَل الأمة ومراجعها ندرك أبعاد ومساحة ولايته العامة.

فقد بويع السيد الخامنئي دام ظلّه من الأمة من خلال انتخاب مجلس الخبراء له، وهو المجلس الذي عيّنته الأمة مباشرة، وارتضت قراراته.

ثم توالت عليه رسائل البيعة وبياناتها، بصفته وليًا لأمر المسلمين المطلق الذي تجب طاعته على الجميع. وبايعه مراجع الدين الكبار عبر الرسائل التي بعثوا بها إلى سماحته، كالرسالة التي بعثها شيخ الفقهاء والمجتهدين آية الله العظمى الشيخ محمد عليّ الأراكي، وسماحة آية الله العظمى السيد محمد رضا الموسوي الكلبايكاني، وسماحة آية الله العظمى الشيخ هاشم الآملي، وسماحة آية الله العظمى السيد شهاب الدين المرعشي النجفي (قدس الله أسرارهم جميعاً) كما بايعته الجامعة الكبرى في قم من خلال مؤسستيها الكبيرتين: (مجلس إدارة الحوزة العلمية). وكذلك الحوزات والتجمعات العلمية في مشهد وأصفهان وطهران وغيرها، ومنها: (جماعة علماء طهران). وأما خارج إيران فقد بايعه المسلمون الواعون في فلسطين ولبنان والعراق وباكستان وأفغانستان والهند، بتجمعاتهم الشعبية وحركاتهم السياسية وشخصياتهم البارزة. إضافة إلى الشخصيات الأخرى في مختلف دول العالم.

 

سادسًا: منجزات الجمهورية الإسلامية الإيرانية بقيادة السيد الخامنئي

بعد 30 عامًا من تولي الخامنئي لقيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية ولشؤون المسلمين عامة وما سبقها بفترة ما بعد انتصار الثورة الإسلامية مباشرة، يمكن رؤية سياسات الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كنموذج يُقتدى به للدولة القادرة على تعزيز مصالح أمنها القومي والاكتفاء الذاتي، وفيما يلي، أبرز منجزات الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الجوانب الثقافية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية خلال فترة تولي السيد علي الخامنئي قيادة الثورة الإسلامية:

 

على الصعيد الاقتصادي

أبدع الإمام الخامنئي في انتاج دولة التطور والبحث العلمي، فقد ساهم التحوُّل البنيوي في النظام الإيراني، بتأمين الأرضية اللازمة لتحقيق الاكتفاء الذاتي للشعب الإيراني. كما انتقلت إيران من دولة تحتاج الى الدعم في قطاع الصناعة (قبل الصورة) الى دولة مُصدرة للصناعات بالإضافة الى مرحلة التطور في البحث العلمي على الصُعد كافة وصولًا الى الطاقة النووية.

لقد حققت القيادة الحكيمة في ايران العديد من المنجزات على الصعيد الاقتصادي ومن هذه المنجزات الحفاظ على موارد الثروة مثل النفط والحؤول دون نهبها من قبل الأجانب الطامعين والعمل دون الإسراف والتبذير واستغلال بيت المال، والانكباب على العمل والاهتمام بالقرى وتوفير الإمكانات المعيشية فيها، كذلك تدعيم البنى التحتية للتنمية وإعداد الكوادر المتخصصة في المجالات المختلفة وتطوير طرق انتاج الطاقة وبناء السدود، وتطوير شبكة الطرق والمواصلات والموانئ وإشاعة مراكز التعليم في مستويات متعددة، من اجل تحقيق هدف الوصول الى مرحلة الاكتفاء الذاتي في التصنيع العسكري، والطبي والمدني كصناعة السيارات والصلب والتكنلوجيا كتقنية «النانو»، وصولًا الى الفضاء وفي مجالات اقتصادية اخرى.

هذا التطور الاقتصادي في إيران سار في طريقه الى الامام رغم وجود بعض الموانع والعقبات مثل المقاطعة الاقتصادية والاعتداءات الاقتصادية الكبيرة من أميركا وبعض الدول الأوروبية كذلك الحصار الاقتصادي الذي ما زال مفروضًا حتى اليوم.

 

على الصعيد الاجتماعي

بعد انتصار الثورة الإسلامية واستلام الإمام الخامنئي لقيادتها، توافرت الاجواء المناسبة لتنمية القيم الاخلاقية والإنسانية، والعودة الى الذات، عبر ازالة مظاهر الفساد من المجتمع، ورفع مستوى الوعي العام والمعنويات، من خلال مكافحة الأمية، التي حققت اغراضها الى حد كبير، في سبيل توفير الامن الاجتماعي والقضائي والمساواة لأبناء الشعب، والعمل على تنمية روح الوحدة والإخاء واشاعة الأدب الثوري – الديني.

وترسخ مبدأ التنسيق بين الالتزام والتخصص والتدين والثقافة، من خلال التعاون بين الحوزة العلمية والجامعات الاكاديمية ومراكز البحوث والدراسات وزيادة امكانياتها.

نجحت الجمهورية الإسلامية أيضًا في التعريف بنموذج المرأة المسلمة من خلال اعداد الاجواء لإقامة مهرجانات مختلفة حول النساء. وتمكنت من نشر الصحف والمجلات النسوية، وتأسيس الجمعيات الخاصة بهن، هذا بالإضافة الى مشاركة فاعلة للمرأة في الرياضة وتواجدها في الحياة السياسية الذي يتجسد في الترشيح لعضوية مجلس الشورى الإسلامي والمجالس البلدية والقروية. وهكذا قدمت المرأة الإيرانية نموذجًا جديدًا للمرأة المسلمة في العصر الحاضر، وبددت سحب الإعلام المضاد للإسلام الذي يدعي حرمان المرأة المسلمة من ممارسة الأنشطة الاجتماعية والرياضية والثقافية والسياسية وغيرها.

ونجحت الثورة في إيران بقيادة السيد الخامنئي من ترسيخ مبدأ الثقة بالذات وبالثقافة الذاتية في البلدان الاسلامية ومنطقة العالم الثالث، والتأثير على نظريات العلوم الاجتماعية والنظريات الثورية في العالم.

 

على الصعيد العسكري

شملت الثورة الإسلامية في إيران أيضًا البعد العسكري حيث شهدت ايران نقلة نوعية على صعيد تطوير الأسلحة لديها لا بل تجاوزت هذه الحقبة رغم الحصار وغاصت في صناعة الأسلحة كافة بمجهودها الذاتي كصناعة وتطوير الصواريخ الباليستية والأقمار الاصطناعية وصناعة المدرعات والسفن الحربية والمقاتلات الجوية، بالإضافة الى صناعة الرادارات والدفاعات الجوية وصولًا الى امتلاك تقنية التشويش الإلكتروني المتطورة، لتصل الجمهورية الإسلامية بفضل قيادتها الى مرحلة الجهوزية لخوض الحروب الإلكترونية وعلى نطاق واسع ومثال على ذلك عملية السيطرة وإنزال الطائرة الاميركية التجسسية  RQ170.

والان الجمهورية الاسلامية في إيران، تعد نفسها لمقارعة الدول الكبرى في حرب النجوم وخير دليل على ذلك الوتيرة الزمنية المتسارعة لإطلاق الأقمار الاصطناعية على اختلاف انواعها ومهامها الى الفضاء في برنامج يشهد تطورا مضطردا وصولًا الى ارسال اول رائد فضاء ايراني الى سطح القمر بحلول عام 2020.

 

على الصعيد السياسي

تمكنت الحكومة في إيران من بلورة تشكيلات سياسية مختلفة مع شفافية في المواقف، من اجل تحقيق وتعزيز الاستقلال السياسي للبلاد، وقطع ايادي التسلط الأجنبي عنها، عن طريق المساهمة في نمو الوعي السياسي والوعي العام للشعب وتواجده في مختلف المجالات، والحركة نحو التقنين والمجتمع المدني الديني.

وعملت على ارساء دعائم نظام الجمهورية الاسلامية في إيران فبعد انتصار الثورة، تحققت ارادة الشعب في ايجاد النظام الاسلامي، وأن لفظ الجمهورية يحدد نوع الحكومة، اما لفظ الإسلامية فيحدد مضمون نظام الحكم الجديد في إيران، حتى ان تسمية كلمة الجمهورية الاسلامية لم تفرض على الشعب الايراني بل جاءت عبر استفتاء نزولًا عند رغبة الشعب الثائر وهذا يسجل لأول مرة في تاريخ الثورات بأن تسمية النظام لا تفرض او تسقط على الشعب بل اتت عبر ارادة حرة وخالصة نابعة عن قناعات الجماهير الثائرة.

عمّق هذا النظام الجديد اواصر الارتباط بين الدين والسياسة وعرض النموذج الزاهي للحكومة الدينية، بحيث كان النظام الشيوعي في العالم يروج لفكرة «الدين افيون الشعوب»، اما النظام الرأسمالي فكان يشيع فكرة «عزل الدين عن السياسة»، وجاءت الثورة الاسلامية لتثبت ان الدين ليس افيونًا للشعوب بل هو «المحرك لها الذي يهبها القدرة على الإدارة السياسية للمجتمع».

وعلى صعيد الانتخابات حصلت في إيران انتخابات نيابية عديدة بالإضافة الى الاستحقاقات الرئاسية وتناوب شخصيات متعددة على سدة الرئاسة في حين لم تشهد دول الجوار اي انتخابات فضلا عن تعيين موظفي الفئة الاولى.

ان السياسة الخارجية للجمهورية الاسلامية في إيران تقوم على اساس رفض كل انواع التسلط والهيمنة وحفظ استقلال البلاد في جميع المجالات ومد جسور العلاقة مع الدول غير المعادية في العالم، عبر تصدير رسالة الثورة ودعم حركات التحرر في العالم. ويرى اغلب الباحثين بل اكثرهم في الشؤون الاسلامية والشرق اوسطية والعالم العربي، ان «الثورة الاسلامية في إيران هي أكبر محرك للحركات الاسلامية السياسية».

ونجحت قيادة وإدارة السيد الخامنئي في إيران من خلال توليه لقيادة الثورة المباركة برسم معالم الوجه الحقيقي للإسلام وإثبات مظلومية الشعب المسلم في إيران، وعرض نظرية حوار الحضارات والعمل على ايجاد العلاقات بين شعوب العالم، وإزالة اشكال التوتر على المستوى الدولي.

 

على الصعيد الأمني والدفاعي

حققت الجمهورية الاسلامية الايرانية الاكتفاء الذاتي في تصنيع المعدات العسكرية والدفاعية في شتى الصنوف، فقد استطاعت امتلاك القدرات الصاروخية بفضل جهود علمائها الشبان، اضافة الى تصنيع مختلف الاسلحة البرية والجوية والبحرية مثل الدبابات والمدافع والطائرات المقاتلة والمسيرة والبوارج والزوارق الحربية، وبإمكانيات ذاتية.

وعلى الصعيد الامني، تعتبر ايران حاليا من اكثر الدول مستقرة امنيا في هذا المنطقة المضطربة والحافلة بالتوترات، وتمكنت من تفكيك عشرات الخلايا الارهابية التي حاولت التسلسل من خارج الحدود للقيام بأعمال تخريبية.

 

على الصعيد العلمي والطبي

بتوجيهات الإمام الخامنئي وقيادته، حقق الباحثين الإيرانيين الابداعات والاختراعات في مختلف المجالات العلمية والطبية، حيث تمكنت من امتلاك الطاقة النووية السلمية بجهود علمائها الشبان بالرغم من محاولات ومؤامرات الدول الاستكبارية عرقلة برنامجها النووي للأغراض السلمية، كما استطاعت ايران تأسيس برنامج فضائي اطلقت خلاله عدة مركبات فضائية واقمار صناعية للاتصالات والبحث العلمي، وتم انشاء عشرات الجامعات في مختلف المدن حيث زاد عدد الطلاب الجامعيين على اربعة ملايين طالب، وباتت وتيرة التقدم العلمي في ايران اكثر من المعدل العالمي، وحققت الجمهورية الاسلامية تطورا في تقنية النانو وزراعة الخلايا الجذعية اضافة الى اجراء عمليات زرع الاعضاء مثل القلب والكلية والكبد.

 

على الصعيد الثقافي والرياضي

شهدت الساحة الثقافية في ايران تطورا كبيرا فقد نشطت الحركة السينمائية والمسرحية بعيدا عن مظاهر الابتذال في السينما الغربية، وحصدت الافلام الايرانية العديد من الجوائز في المهرجانات العالمية مثل اوسكار وكان وبرلين، لتناولها قضايا انسانية واجتماعية.

وعلى الصعيد الرياضي حققت ايران ايضا انجازات كثيرة في العديد من المسابقات والدورات العالمية، فقد حصل الرياضيون الايرانيون على العديد من الميداليات في الدورات الاولمبية والقارية والعالمية وفي مختلف الالعاب مثل رفع الاثقال والمصارعة والفنون القتالية وكرة القدم والسلة والطائرة والكرة الشاطئية وكرة الصالات، كما فازت ايران بالمركز الثالث في بطولة العالم بكرة الصالات التي اقيمت العام 2017 في البرازيل، ووصلت الى نهائيات كأس العالم بكرة القدم اربع مرات في عهد الجمهورية الاسلامية وآخرها في مونديال روسيا 2018.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة