البث المباشر

سر المواجهة الاستراتيجية المستمرة بين طهران وواشنطن

الأحد 13 يوليو 2025 - 13:32 بتوقيت طهران
سر المواجهة الاستراتيجية المستمرة بين طهران وواشنطن

إن ما خلق أجواء المواجهة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة اليوم ليس مجرد خلافات دبلوماسية أو اقتصادية؛ بل إن لهذا الصراع جذوره في طبقة أعمق، يتخلص في صراع الإرادات ومفاهيم الإيمان بالموعود في السياق الحضاري.

في حين أكدت إيران مرارا وتكرارا على الطبيعة السلمية لبرنامجها النووي، إلا أنه وفقًا للتقارير الدولية، تواصل الولايات المتحدة تبني نهج عدائي ومحارب ضد طهران وتصرح بأن أهم أولوياتها هي الحفاظ على أمن إسرائيل.

ولكن ما هو السبب وراء هذا الصراع المستمر؟ هل هو مجرد تنافس على المصالح الاقتصادية والسياسية خلف كواليس صناع القرار الغربيين - أم أن هناك حقيقة أعمق وأكثر حضارية تحدث؟.

في هذا الجو المتوتر، شهد الرأي العام العالمي مرارًا وتكرارًا أنه في كل مرة يتم فيها الإبلاغ عن أنباء عن اتفاق أو تعاون تقني بين إيران والمنظمات الدولية مثل وكالة الطاقة الذرية، يتم إطلاق موجة جديدة من الضغوط والعقوبات والحرب النفسية على الفور من قبل الولايات المتحدة وبعض شركائها الغربيين؛ كما لو أن الضمانات والمراقبة لا تكفي لإقناع جماعات الضغط وصانعي السياسات ذوي النفوذ في واشنطن.

هذا في حين أقرّ العديد من المراقبين المستقلين مرارًا وتكرارًا بأن البرنامج النووي الإيراني لا يهدف إلى تحقيق أهداف عسكرية، وأنه لا يوجد دليل قاطع على تصنيع أسلحة نووية.

لكن السؤال الأهم هو:

"لماذا لا يقتصر الأمر على تنفيذ الالتزامات أو الشفافية التقنية؟ لماذا لا يزال كل مسار الربح - الربح ومسار تعاون يُدمر بذرائع جديدة؟".

الحقيقة هي أن جذور هذا التحدي أعمق من مجرد مواجهة بين القوى الإقليمية أو حتى التنافس على الطاقة والتكنولوجيا. ساحة المعركة الرئيسية هي ساحة المعتقدات، الروايات والرؤية المستقبلية للحضارات، حيث يُعرّف أمن إسرائيل كرمز أيديولوجي لجزء مهم من نظام الهيمنة العالمية، وأي تحرك مختلف في المنطقة يُقابل بأشد ردود الفعل وهندسة الأزمات.

يوضح "محمد حسين طاهري آكردي"، الأستاذ المشارك في الأديان بمعهد الإمام الخميني (ره) للتعليم والبحث، الجذور الرئيسية لصراع واشنطن مع طهران قائلا:

"إن من يديرون العالم حقًا هم المسيحيون الصهاينة، وليس اليهود. إذا انقطع دعم المسيحيين الصهاينة لإسرائيل، فسوف يُهزم هذا الكيان. إن الرؤساء الأمريكيين أنفسهم هم في الغالب من أتباع هذا الدين".

يعتقد هذا الخبير الديني بأن الصهيونية ليست مجرد سلوك سياسي أو عرقي فحسب، ويوضح:

"إن الصهيونية مدرسة فكرية تكمن جذورها في الإيمان بالحكم اليهودي في فلسطين، قبل مجيء الموعود. ووفقًا لهذا الاعتقاد، يجب إنشاء دولة إسرائيل على جبل صهيون، الممتد من النيل إلى الفرات - وهو أمر يمكن حتى أن يرمز إليه بالخطين الأزرقين على العلم الإسرائيلي.

يمكن أن يكون الصهيوني مسيحيًا أو يهوديًا أو مسلمًا أو حتى ملحدًا؛ الصهيونية ليست واقعًا خارجيًا، بل هي توجه فكري يُحدد معالم السياسة العالمية اليوم".

يؤكد هذا الخبير أن مسألة "الإيمان بالموعود" ليست حكرًا على اليهودية أو الإسلام، قائلاً:

"في عالم اليوم، تؤمن جميع الأديان تقريبًا بالمنجي: يتحدث اليهود عن المسيح، وينتظر الزرادشتيون ظهور "سوشيانت"، ويعترف الهندوس بالمسيح الخامس الموعود، ويسعى المسلمون إلى تمهيد الطريق لظهور الإمام المهدي (عج)".

ومن وجهة نظر هذا الخبير للأديان، فإن ما يُشكل أجواء المواجهة بين إيران والولايات المتحدة اليوم هو صراع على إدارة مستقبل العالم؛ صراع لا ينبع من مظهر الدبلوماسية أو الاقتصاد، بل من مستوى أعمق، ألا وهو صراع الإرادات والإيمان بالموعود بين الحضارات كما يقول:

"اليوم، يدور الجدل العالمي الكبير حول من سيحكم مستقبل البشرية وعلى أي أساس من القيم؛ المهدي الموعود، المسيح، أم منقذون آخرون؟".

في غضون ذلك، فُسِّرت نظريات عالمية، مثل "نهاية التاريخ" لفوكوياما و"صراع الحضارات" لهنتنغتون، في هذا السياق؛ حيث تواجه الحضارة الغربية والحضارة الإسلامية بعضهما البعض، وسيكون مستقبل العالم نتاجًا لهذه التحديات.

يرى 'هنتنغتون" أن هذا الصراع لا نهاية له، ومحكوم عليه بالاستمرار، ولكن بناءً على الاعتقاد بالموعود، تُعتبر هذه الأزمات مقدمةً لتحقيق السلام والعدالة العالميين.

وهكذا، وخلافًا للادعاءات الرسمية حول البرنامج النووي الإيراني أو الأمن الإقليمي، ينبغي البحث عن السبب الرئيسي لإصرار أمريكا على تصعيد الأزمة مع إيران في التنافس الحضاري والتعلق الأيديولوجي بأمن إسرائيل والمُثُل الصهيونية؛ تنافس يتجاوز في جوهره الاتفاقات السياسية أو المحادثات النووية، ويتجذر في أعماق المعتقدات الروحية والحضارية للأطراف الرئيسية. لذلك، لا بد من القول إن معركة اليوم هي معركة الأفكار، التأويلات والتصورات الإنسانية لمعنى القوة والعدالة في العالم.

إذن لا تدافع الجمهورية الإسلامية الإيرانية في هذه المعركة عن استقلالها الوطني أو مصالحها المباشرة فحسب، بل تُمثل أيضًا تيارا فكريا يؤمن بأن مستقبل البشرية يتجه نحو العدالة، مطالبة الحقيقة والروحانية.

في المقابل، هناك تيارات تسعى إلى البقاء في ظل استمرار الوضع الراهن ودعم شامل للكيان الصهيوني.

ومن هذا المنظور، أصبحت معركة اليوم، التي تتجاوز الوسائل والدوافع المادية، ميدانًا لتنافس التفسيرات، المعتقدات والمُثل العليا للأمم، وسيعتمد مستقبل هذه المعركة بشكل مباشر على ثبات لاعبيها وبصيرتهم واستقلالهم الفكري.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة