تُقدم بعض فقرات "الصحيفة السجادية"، هذا الكتاب الرائع للدعاء والمناجاة والمعرفة، نظرةً عميقة من الإمام السجاد (عليه السلام) إلى المخاطر الخارجية والعداوات الخفية. ولا يعبر الإمام (ع) في هذه الأدعية، عن الألم الداخلي والاحتجاج على الظلم فحسب، بل يُعلّمنا أيضًا كيفية الاعتماد على الرحمة الإلهية والبصيرة في مواجهة المؤامرات المجهولة.
في زمن قد يكون فيه المؤمنون هدفًا للمكائد أو الحسد أو العداوات الخفية، فإن التأمل في هذا الدعاء يُلهم الثبات والبصيرة الأخلاقية في ميدان الحياة. ويستخدم الإمام السجاد (عليه السلام) لغة الدعاء والتضرع ليخبرنا بسير هذه المعركة الخفية، ويرسم لنا طريق التوكل على الله، بالإضافة إلى العقلانية والوعي.
ونقرأ في بعض فقرات الدعاء التاسع والأربعين من الصحيفة السجادية:
"وَكَمْ مِنْ بَاغٍ بَغَانِي بِمَكَايِدِهِ، وَنَصَبَ لِي شَرَكَ مَصَايِدِهِ، وَوَكَّلَ بِي تَفَقُّدَ رِعَايَتِهِ، وَأَضْبَأَ إِلَيَّ إِضْبَاءَ السَّبُعِ لِطَرِيدَتِهِ انْتِظَاراً لِانْتِهَازِ الْفُرْصَةِ لِفَرِيسَتِهِ، وَهُوَ يُظْهِرُ لِي بَشَاشَةَ الْمَلَقِ، وَيَنْظُرُنِي عَلَى شِدَّةِ الْحَنَقِ. فَلَمَّا رَأَيْتَ -يَا إِلَهِي تَبَاركْتَ وَ تَعَالَيْتَ- دَغَلَ سَرِيرَتِهِ، وَقُبْحَ مَا انْطَوَى عَلَيهِ، أَرْكَسْتَهُ لِأُمِّ رَأْسِهِ فِي زُبْيَتِهِ، وَرَدَدْتَهُ فِي مَهْوَى حُفْرَتِهِ، فَانْقَمَعَ بَعْدَ اسْتِطَالَتِهِ ذَلِيلًا فِي رِبَقِ حِبَالَتِهِ الَّتِي كَانَ يُقَدِّرُ أَنْ يَرَانِي فِيهَا، وَقَدْ كَادَ أَنْ يَحُلَّ بِي لَوْلَا رَحْمَتُكَ مَا حَلَّ بِسَاحَتِهِ".
1. الأشرار ومكائد الأعداء
يشير الإمام السجاد (ع) في هذه الفقرة إلى التجارب الصعبة التي استهدفه فيها الحاقدون بحيل وخدع مختلفة. أعداء نصبوا له، بدافع الحقد والحسد، فخاخاً مدروسة وسرية؛ نماذج من الكراهية القاسية التي كانت متخفية وراء وجه ودود أو سلوكيات تبدو محبة.
يصف الإمام السجاد (ع) مشاهد حيث ينصب العدو، كالصياد الماهر، فخاخا عديدة، ويعين أحيانا عملاء لمراقبته وانتظار اللحظة المناسبة لإيذائه. وتُبرز هذه الاستعارة شدة جرأة العدو في تنفيذ مخططاته الشريرة.
2. التظاهر بالود؛ إخفاء الحقد والضعينة
يتجلى جزء من خطورة هذا النوع من العداء في ازدواجية الوجه: فمن جهة، يبدو العدو منفتحا ولطيفًا، ومن جهة أخرى، يُكنّ كراهية وغضبا شديدين للإمام السجاد (ع). هذا التناقض السلوكي يُصعّب مواجهة هؤلاء الأعداء.
ثم يُوجه الإمام السجاد (ع) كلامه إلى اللهَ سبحانه وتعالى بأنه يا ربّنا العظيم، أنت أعلم بفساد العدوّ ودنسه ونواياه الشريرة الخفية. ويكشف رب العالمين، بعلمه الشامل وقدرته التي لا تُضاهى، المؤامرات الخفية ويعيد العدو إلى نقطة الهلاك.
3. سقوط العدو في فخ صنعه بنفسه
يصف الإمام السجاد (ع) الحدث وصفًا لطيفًا، إذ وقع العدو أخيرًا في فخه وحفرة صنعها بنفسه. من كان يتوقع أن يراه مذلولًا، وقع هو نفسه في الذل، ووقع في فخّ خططه؛ خططٌ ظنّ أنها ستُهلك الآخرين، لكنها في النهاية لحقت به.
وأخيرا، يخلص الإمام السجاد (ع) إلى أنه لولا رحمة الله وفضله، لربما تحققت خطة العدو، ولوقعت المصيبة عليه. لكن فضل الله هو الذي أنقذه، وأفشل المؤامرة التي دبرت له. وتُذكّرنا هذه الفقره بالدور الأساسي للتوكل، الدعاء والكرامة الإلهية في طريق صبر المؤمن ونصره.