بسم الله ولله الحمد والثناء الذي تفضل علينا فجعلنا من أمة وشيعة حبيبه سيد الأنبياء أبي القاسم محمد المبعوث رحمة للعالمين صلى الله عليه وآله الطاهرين.
السلام عليكم أعزاءنا المستمعين ورحمة الله وبركاته؛ معكم بتوفيق الله في حلقة جديدة من هذا البرنامج، نتعرف فيها الى نموذج آخر من تجليات الرحمة الإلهية في سيرة حبيبنا المصطفى – صلى الله عليه وآله – ولكي تعيننا هذه المعرفة على حسن التأسي والإقتداء به وإتباعه في الأخذ بسنته النقية ونهجه الرحيم القويم.
أيها الأحبة، في هذا اللقاء نتعرف الى موقفه صلى الله عليه وآله من أحد مشركي قريش قصد المدينة لإغتياله ثأراً لطواغيت قريش الذين قتلوا في معركة بدر، فكيف تعامل معه نبي الرحمة صلى الله عليه وآله؟ وما الذي نتعلمه اليوم من موقفه ونحن نواجه فتن التكفيريين وفتن المضلين؟ للحصول عن الإجابة تابعونا مشكورين.
مستمعينا الأعزاء.. جاءت الرواية بشأن محاولة عمير بن وهب الجمحي إغتيال رسول الرحمة – صلى الله عليه وآله – على لسان وصيه المرتضى الإمام علي أميرالمؤمنين، وقد كان يحدث بذلك أحد علماء اليهود جاء إليه منتقداً تعظيم المسلمين للنبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – فاحتج الحبر اليهودي بفضائل موسى الكليم عليه السلام ساعياً للقول بأنه عليه السلام أولى بالتعظيم من رسول الله – صلى الله عليه وآله – فاحتج عليه أميرالمؤمنين عليه السلام بذكر جملة من خصائص النبي الأكرم والتي صار بها – صلى الله عليه وآله - سيد الأنبياء والمرسلين عليهم جميعاً سلام الله.
فأذعن الحبر لها وآمن واعتنق الإسلام على يدي الوصي المرتضى – عليه السلام –.
أصل رواية محاولة الإغتيال مروية في عديد من المصادر مثل سيرة ابن هشام والمغازي للواقدي والإحتجاج للطبري وغيرها، وننقل هنا نصها من كتاب (الخرائج) لقطب الدين هبة الله السيد الحسيني الراوندي – رضوان الله عليه – فقد نقل عن أميرالمؤمنين عليه السلام قوله للحبر اليهودي من خصائص سيد المرسلين – صلى الله عليه وآله – قال: « ومنها : أن المشركين لما رجعوا من بدر إلى مكة أقبل عمير بن وهب الجمحي حتى جلس إلى صفوان بن أمية بن خالد الجمحي ، فقال صفوان : قبح الله العيش بعد قتلى بدر! فقال عمير : أجل والله ما في العيش بعدهم خير ، ولولا ديْنٌ عليَّ لا أجد له قضاء ، وعيال لا أدع لهم شيئاً ، لرحلت إلى محمد حتى أقتله إن ملأت عيني منه ، فإنه بلغني أنه يطوف في الأسواق، وإن لي عندهم علة ، أقول قدمت على ابني هذا الأسير. ففرح صفوان بقوله وقال : يا أبا أمية هل نراك فاعلاً ؟ قال : إي ورب البنية . قال صفوان : فعليَّ دينك وعيالك أسوة عيالي ، وأنت تعلم أن ليس بمكة رجل أشد توسعاً على عياله مني . فقال عمير : قد عرفت بذلك يا أبا وهب . قال : صفوان : فإن عيالك مع عيالي لن يسعني شئ ويعجز عنهم ودينك علي . فحمله صفوان على بعيره وجهزه وأجرى على عياله ما يجري على عيال نفسه ، وأمر عمير بسيفه فشُحذ وسُمَّ ثم خرج إلى المدينة ، وقال لصفوان : أكتم علي أياماً حتى أقدمها – أي حتى أصل المدينة المنورة - فلم يذكرها صفوان.
وكان أن اطلع الله تبارك وتعالى رسوله الأكرم – صلى الله عليه وآله – بما عزم عليه عمير الجمحي من أمر إغتياله، وما تعهد له صفوان بن أمية من قضاء دينه وإعالة أهله وكتمان خبره حتى يغتال رسول الله – صلى الله عليه وآله – فكان ان أخذ نبي الرحمة بطرفي الحلم والموعظة الحسنة ساعياً لهداية من جاء لإغتياله وإنقاذه من عاقبة السوء، قال الإمام علي عليه السلام في تتمة الرواية:
(فقدم عمير المدينة فنزل على باب المسجد وعقل راحلته وأخذ السيف فتقلده ، ثم عمد نحو رسول الله ، فلما رآه النبي « صلى الله عليه وآله » قال له : ما أقدمك يا عمير ؟ قال : قدمت في أسيري عندكم تفادوننا وتحسنون إلينا فيه ، فإنكم العشيرة . قال النبي « صلى الله عليه وآله » : فما بال السيف ؟ قال : قبحها الله من سيوف وهل أغنت من شئ ؟ إنما نسيته حين نزلتُ وهو في رقبتي
فقال له رسول الله « صلى الله عليه وآله » : فما شرطت لصفوان في الحجر ؟ ففزع عمير وقال : ماذا شرطت له ؟ قال : تحملت له بقتلي على أن يقضي دينك ويعول عيالك ، والله حائل بيني وبين ذلك ! قال عمير : أشهد أنك رسول الله وأنك صادق ، وأن لا إله إلا الله ، كنا يا رسول الله نكذبك بالوحي وبما يأتيك من السماء ، وإن هذا الحديث كان شيئاً بيني وبين صفوان كما قلت ، لم يطلع عليه غيري وغيره ، وقد أمرته أن يكتم عليَّ أياماً ، فأطلعك الله عليه ، فآمنت بالله وبرسوله وشهدت أن ما جئت به صدق وحق ! قال « صلى الله عليه وآله » : علموا أخاكم القرآن وأطلقوا له أسيره. فقال عمير : إني كنت جاهداً على إطفاء نور الله وقد هداني الله فله الحمد ، فأذن لي لألحق قريشاً فأدعوهم إلى الله وإلى الإسلام ، فأذن له فلحق بمكة ، وكان صفوان يسأل عن عمير فقيل له : إنه أسلم ، فطرح عياله !
وقدم عمير فدعاهم إلى الله وأخبرهم بصدق رسول الله « صلى الله عليه وآله » فأسلم معه نفر كثير »
وهكذا مستمعينا الأفاضل نرى كيف أن حلم رسول الله وجميل موعظته – صلى الله عليه وآله – قد نقلا عمير الجمحي من ظلمات الشرك والإنتقام الجاهلي الى أنوار الإيمان فأسلم وجهه لله مع نبي الرحمة فهدى الله به للإسلام كثيراً من الخلق.
نشكركم أيها الإخوة والأخوات على كرم الإستماع لحلقة اليوم من برنامج (نبي الرحمة) إستمعتم له مشكورين من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.