2 ـ وقال الحسن بن ظريف : اختلج في صدري مسألتان أردت الكتاب بهما الى أبي محمّد ((عليه السلام)) ، فكتبت أسأله عن القائم اذا قام بم يقضي ؟ وأين مجلسه الذي يقضي فيه بين الناس ؟ وأردت أن أسأله عن شيء لحُمّى الربع ، فأغفلت ذكر الحُمّى ، فجاء الجواب :
سألتَ عن القائم، وإذا قام قضى بين الناس بعلمه كقضاء داود((عليه السلام)) ولا يسأل البينة ، وكنت أردت أن تسأل عن حمّى الرُّبع ، فأنسيت فاكتب في ورقة وعلّقه على المحموم: (يَانَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاَماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ)([51]). فكتبت ذلك وعلّقته على المحموم فأفاق وبرىء([52]) .
3 ـ وروى الشيخ المفيد عن أبي القاسم جعفر بن محمّد عن محمّد بن يعقوب عن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن جعفر ، قال : كتب أبو محمّد الحسن((عليه السلام)) الى أبي القاسم إسحاق بن جعفر الزبيري قبل موت المعتز بنحو من عشرين يوماً ، إلزم بيتك حتى يحدث الحادث ، فلما قُتل بريحة كتب إليه قد حدث الحادث ، فما تأمرني ؟ فكتب إليه : ليس هذا الحادث ، الحادث الآخر . فكان من المعتز ما كان([53]).
أي أنّ الإمام ((عليه السلام)) ، أشار الى موت المعتز ، فطلب من مواليه أن يلتزموا بالبقاء في بيوتهم حتى ذلك الوقت لظروف خاصة كانت تحيط بالإمام ((عليه السلام)) وبهم من الشدة وطلب السلطان وجلاوزته لهم .
ومن الطبيعي أنّ موت الخليفة يعقبه غالباً اضطراب في الوضع يمكّن معارضيه من التحرك والتنقل بسهولة .
4 ـ ما حدّث به نصراني متطبّب بالري، يقال له: مرعبدا، وقد أتى عليه مائة سنة ونيف، وقال: كنت تلميذ بختيشوع طبيب المتوكل، وكان يصطفيني، فبعث إليه الحسن بن عليّ بن محمّد بن الرضا((عليه السلام)) أن يبعث إليه بأخصّ أصحابه عنده ليفصده([54]) ، فاختارني وقال: قد طلب منّي ابن الرضا من يفصده فَصُرّ إليّ وهو أعلم في يومنا هذا بمن تحت السماء، فاحذر أن تعترض عليه فيما يأمرك به، فمضيت إليه فأمر بي إلى حجرة، وقال: كن هاهنا الى أن أطلبك.
قال: وكان الوقت الذي دخلت إليه فيه عندي جيّداً محموداً للفصد، فدعاني في وقت غير محمود له، وأحضر طشتاً عظيماً ففصدت الأكحل فلم يزل الدم يخرج حتى امتلأ الطشت، ثم قال لي: اقطع، فقطعت، فغسل يده وشدّها، وردني الى الحجرة، وقدّم من الطعام الحار والبارد شيء كثير، وبقيت الى العصر، ثم دعاني، فقال: سرّح، ودعا بذلك الطشت فسرّحت، وخرج الدم الى أن امتلأ الطشت فقال: إقطع، فقطعت، وشدّ يده وردّني الى الحجرة، فبتّ فيها، فلمّا أصبحت وظهرت الشمس دعاني وأحضر ذلك الطشت وقال: سرّح، فسرّحت، فخرج من يده مثل اللبن الحليب الى أن امتلأ الطشت، ثم قال: إقطع، فقطعت، وشدّ يده، وقدّم إليّ تخت ثياب وخمسين دينار، وقال: خذها واعذر وانصرف. فأخذت وقلت: يأمرني السيّد بخدمة، قال: نعم تحسن صحبة من يصحبك من دير العاقول، فصرت الى بختيشوع وقلت له القصة، قال: أجمعت الحكماء على أنّ أكثر ما يكون في بدن الإنسان سبعة أمنان من الدم، وهذا الذي حكيت لو خرج من عين ماء لكان عجباً، وأعجب ما فيه اللبن، ففكّر ساعة، ثم مكثنا ثلاثة أيّام بلياليها نقرأ الكتب على أن نجد لهذه القصّة ذكراً في العالم فلم نجد .
ثم قال: لم يبقَ اليوم في النصرانية أعلم بالطب من راهب بدير العاقول ، فكتب إليه كتاباً يذكر فيه ما جرى ، فخرجت وناديته فأشرف عليّ فقال مَن أنت؟ قلت صاحب بختيشوع . قال : أمَعك كتابه ؟ قلت : نعم فأرخى لي زبيلاً، فجعلت الكتاب فيه فرفعه فقرأ الكتاب ونزل من ساعته فقال : أنت الذي فصدت الرجل ؟ قلت : نعم ، قال : طوبى لأمك ، وركب بغلاً، وسرنا ، فوافينا (سُرّ من رأى) وقد بقي من الليل ثلثه ، قلت : أين تحبّ ؟ دار اُستاذنا أم دار الرجل ـ أي دار الإمام الحسن العسكري ـ ؟ قال : دار الرجل، فصرنا الى بابه قبل الأذان الأوّل ففتح الباب وخرج إلينا خادم أسود وقال : أيكما راهب دير العاقول ؟ فقال : أنا جعلت فداك، فقال إنزل ، وقال لي الخادم: احتفظ بالبغلين، وأخذ بيده ودخلا فأقمت الى أن أصبحنا وارتفع النهار ثم خرج الراهب ، وقد رمى بثياب الرهبانية ولبس ثياباً بيضاً وأسلم فقال : خذني الآن الى دار اُستاذك ، فصرنا الى باب بختيشوع ، فلما رآه بادر يعدو إليه ثم قال، ما الذي أزالك عن دينك ؟
قال : وجدت المسيح وأسلمت على يده ، قال : وجدت المسيح ؟ ! قال : أو نظيره ، فإن هذه الفصدة لم يفعلها في العالم إلاّ المسيح وهذا نظيره في آياته وبراهينه ، ثم انصرف إليه ولزم خدمته إلى أن مات([55]).
5 ـ وعن أبي عليّ المطهري: إنّه كتب إليه من القادسية يعلمه انصراف الناس عن المضي إلى الحجّ وإنّه يخاف العطش إن مضى ، فكتب ((عليه السلام)) : إمضوا فلا خوف عليكم إن شاء الله، فمضى من بقي سالمين ولم يجدوا عطشاً([56])والحمدلله رب العالمين.