نفذ هذا الإمام الهمام في فترة إمامته القصيرة مهمتين استراتيجيتين بدقة وحكمة؛
الأولى: تهئية الظروف للشيعة في عصر الغيبة
والثانية: تقديم الإمام المهدي (عج) كآخر حجة الله على الأرض.
أشارت "مهري مرزداران"، الخبيرة الدينية والباحثة في تاريخ الإسلام، إلى المكانة الخاصة للإمام الحسن العسكري (ع) في تاريخ الإمامة وقالت:
على الرغم من أن بداية غيبة إمام الزمان (عج) تزامنت مع لحظة ولادته الميمونة، إلا أن الإمام الحادي عشر (ع) كان يكشف عن الوجود المقدس لابنه لأصدقائه ورفاقه الخاصين في أوقات مختلفة حتى يستعد الشيعة لقبول الإمام الغائب (عج).
وأضافت هذه الخبيرة، مشيرة إلى إحدى هذه الأحداث التاريخية:
"كان أحمد بن إسحاق القمي ممن عرف الإمام العسكري (عليه السلام) ابنه الصغير عليه، وقال (ع) له:
"هذا الإمام من بعدي".
وفي اللقاء نفسه، أطلق الطفل ذو ثلاث سنوات على نفسه لقب "بقية الله"، بأسلوب فصيح وبلاغي".
وأوضحت قائلة:
"لم يكن هذا التعريف دليلًا على وجود الإمام الثاني عشر فحسب، بل كان أيضًا رسالةً تبشيرية لأحمد بن إسحاق لنشر هذه الحقيقة بين الشيعة، وتهيئة الأرضية الاجتماعية لقبول الإمام الغائب (عج)".
وشرحت مرزداران العملية التدريجية لتحقق الغيبة، قائلة:
"لقد مرّت الغيبة بمرحلتين:
الأولى:
"الغيبة الصغرى"، التي استمرت قرابة سبعين عامًا، تواصل خلالها الشيعة مع إمام الزمان (عج) عبر نوابه الخاصين".
الثانية:
بانتهاء النيابة الخاصة وصدور توقيع الإمام المهدي (عج) الشريف باسم "علي بن محمد السمري" بدأت المرحلة الثانية وهي الغيبة الكبرى التي لا تزال مستمرة إلى يومنا هذا، وأصبحت قيادة الجماعة الشيعية في هذه الفترة إلى مؤسسة الفقاهة.
وأكدت هذه الباحثة الدينية، مشيرة إلى صلة معرفة الإمام المهدي (عج) بمعرفة سبحانه وتعالى:
يروي الإمام السجاد (عليه السلام) في حديثٍ عميق أن الله قال للنبي موسى (عليه السلام):
"اجعل محبتي في قلوب الناس ومحبة الناس في قلبي".
سأل النبي موسى: كيف؟
فكان الجواب:
"ذكّر الناس بنعم الله وادعُ المذنبين إلى التوبة".
ثم قال عز وجل:
"من لم يعرف إمام زمانه لن يعرفني أيضا".
يدل هذا الحديث على أن المعرفة الإلهية لا تتم إلا بمعرفة الإمام، وأن جهود علماء الدين في تعريف الناس بإمام زمانهم خدمةٌ تفوق عبادة مئة عام".
وتشير هذه الخبيرة والباحثة الدينية إلى أن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) كانت له مهمتان أساسيتان خلال فترة إمامته القصيرة:
الأولى: تهيئة المجتمع لدخول عصر الغيبة،
والثانية: تقديم الإمام المهدي (عج) كآخر حجة إلهية على الأرض.
وقد أجاد الإمام العسكري (ع) في كلتا المهمتين بحكمة ومهارة منقطعة النظير.
وفي إشارة إلى أحد أهم أحداث إمامة الإمام العسكري (عليه السلام)، قالت هذه الخبيرة في التاريخ الإسلامي:
"كانت حادثة أداء الصلاة على جثمان والده الإمام الحادي عشر (ع) من الدلائل الواضحة على وجود الإمام المهدي (عج). فعندما هُيئ جثمان الإمام الحسن العسكري (ع) لأداء الصلاة، بادر أخو الإمام جعفر بالصلاة عليه، ولكن فجأة ظهر صبي في الخامسة من عمره، فدفع جعفر جانبًا، وصلى بنفسه على جثمان والده. وكان هذا المشهد أوضح دليل على وجود الإمام المهدي (عج) بين الشيعة.
وقالت "مرزداران" في إشارة إلى استراتيجيات الإمام العسكري (عليه السلام) لتهيئة الشيعة في غياب الإمام المهدي (عج):
"قام الإمام الحسن العسكري (ع) بتدريب الشيعة للحفاظ على صلتهم الدينية بالإمام المهدي (عج) حتى في غياب الاتصال المباشر معه وذلك عبر اتباعه سياسة السرية وإقامة اتصالات غير مباشرة عبر نوابه الخاصين".
وأشارت "مرزداران" إلى أن هذه الطريقة لم تمنع فقط انقطاع العلاقة بين الأمة والإمام، بل أبقت أيضًا على محبة الإمام الغائب وعاطفته حية في نفوس الشيعة واستمرت على مر العصور.
واستطردت هذه الخبيرة قائلة:
"إن الحكام العباسيين، الذين كانوا يخشون التأثير الروحي للإمام العسكري (عليه السلام)، قاموا باستشهاده عبر شراب مسموم وسعوا إلى تحديد هوية الإمام المهدي (عج) إلا أن الاستراتيجيات الحكيمة للإمام الحادي عشر (ع) وأعماله المدروسة مهدت الطريق للغيبة واستمرار الهداية الإلهية، وفشلت خطط الأعداء.
واختتمت قائلة:
"إن جهود الإمام الحسن العسكري (ع) في التعريف بإمام العصر والزمان (عج) وتدريب الشيعة على التكيف مع فترة الغيبة، تشكل إرثاً باقياً في تاريخ التشيع، مما أدى إلى استمرار تيار الإمامة، ومهد الطريق لظهور وإقامة العدالة العالمية في المستقبل".