السلام عليكم إخوة الإيمان ورحمة الله، من الوصايا النافعة والجامعة التي كتبها الأتقياء من أهل المعرفة تلكم الوصية التي ضمنها إجازته الروائية لأحد العلماء، العارف الإمامي الزاهد والفقيه العامل الورع الشيخ ابراهيم بن سليمان القطيفي، وهو رضوان الله عليه من أعلام علماء الإمامية في القرن الهجري العاشر. وقد كتب هذه الوصية بتأريخ السادس عشر من المحرم سنة ۹۱٥ للهجرة في حرم مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، نعطر قلوبنا في هذا اللقاء بشطرٍ من فقرات هذه الوصية البالغة.
قال رضوان الله عليه بعد الوصية بالتقوى على العموم: هذا في العموم أما الخصوص فهو أن تحافظ على أوقاتك ولا تضيع شيئاً منها فتخسر، فان فرغت فاذكر الله فان ذكر الله على كل حال يعدل أكثر الأعمال الصالحة، وإذا توجهت إلى عبادتك فاحرس نفسك عن وساوس الصدر، وأستح من ربك أن يراك إذا توجهت في حاجة من حاجات الدنيا الى غيره توجهت بقلبك، واذا توجهت اليه عزوجل أعرضت عنه حال توجهه إليك، فإنك مع ذلك حقيق بالمقت من الله تعالى. ولاتنس محاسبة نفسك يوما وليلة أبدا، فان النفس إذا أُرسلت استرسلت وإذا قيدت تقيدت. واختم على فمك لايخرج منه كلمة إلا وتحب أن تراها مكتوبة في عملك يوم القيامة، فما لا تحبه فاتركه، فقد روي أن رجلاً من المجاهدين قتل مع النبي صلى الله عليه وآله في بعض الغزوات، فأتته أمه وهو شهيد بين القتلى، فرأت في بطنه حجر المجاعة مربوطا لشدة صبره وقوة عزمه، فمسحت عليه وقالت هنيئا لك يابني، فسمعها رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لها : "لاتحتّمي على ربك لعله كان يتكلم فيما لايعنيه".
وقال العارف القطيفي رضوان الله عليه في تتمة وصيته البالغة: وعليك بالمواظبة على الدعاء في كل حال والالحاح فيه فقد روي عنهم صلى الله عليهم ما فتح الله لأمر باب دعاء إلا وفتح له باب إجابة، واجهد في الدعاء لأخوانك، فان لك بالدعاء لهم مائة ألف ضعف ما تدعوه مضمونة، ودعاؤك لنفسك مظنون، فإذا صحت عقيدة امرء من الناس فلا يكن في قلبك عليه غل أبد لأن معاصيه تتعاظم على الله، فقد روي عنهم عليهم السلام أن رجلا قال "والله لايغفر الله لفلان"، فقال تعالى: "قد غفرت ذنوبه وحبطت عمل الذي تأبى عليّ أن أغفر لعبدي". وإياك ثم إياك ثم إياك أن تميل نفسك في أحد إلى حب الرياسة حتى بالحق، وذلك لأن الله تعالى إذا رضي منك بأن لاتكلف إلا نفسك كان خيرا لك من أن تسأل عن غيرك، ولاتخدعنك نفسك بأن ذلك لله، فان كراهة الرياسة لله، والنيات لها لله إذا اتفقت من غير حب لها، هو سبيل المعصومين الذين علموا أن تعريفهم عن الله وتوصيلهم من الله إلى الله.
أيها الاخوة والأخوات وفي ختام وصيته أكد العارف القطيفي على التوسل بأولياء الله عليهم السلام والتواصل المستمر مع المواعظ الألهية وقال: واجعل لنفسك وردا من الليل تذكر فيه ربك، ولاتكن من الغافلين، فهذه وصيتي إلى نفسي أولا ثم إلى إخواني المؤمنين، وإليك خصوصا نفعك الله وإيانا والمؤمنين بها وبساير المواعظ، بمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين وعلي ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد والحسن والحجة بن الحسن صلوات الله عليهم أجمعين وختم لنا ولكن بما يرضى به عنا إنه أهل ذلك. ولاتغفل عن معاودة المواعظ يوما قط فإن لم تستطع ففي الأسبوع فان بذلك يتجلى القلب، ويتذكر الآخرة، وعليك بالمداومة على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وصلة ذريته عليهم السلام.
رحم الله الفقيه والعارف التقي الشيخ ابراهيم بن سليمان القطيفي وجزاه الله خيراً على هذه الوصية المخلصة والنافعة وجزاكم الله خيراً أعراءنا مستمعي إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، على طيب الإصغاء لبرنامج (من فيض أهل المعرفة)، في حلقته هذه فالى الحلقة المقبلة بأذن الله نستودعكم الله والسلام عليكم.