السلام عليكم إخوة الإيمان، من أجمع الوصايا المبينة لأهمية التقوى وحقيقتها وآثارها في التقرب من الله وكيفية التحلي بها، هي الوصية الموسومة (بالنافعة) التي كتبها علم فقهاء الإمامية العرفاء في القرن الهجري العاشر الشيخ الأجل زين الدين العاملي الملقب بالشهيد الثاني. وقد كانت لنا عدة وقفات عند هذه الوصية نختمها في لقاء اليوم بوقفة عن التوضيحات القيمة بشأن تقوى الجوارح والقلب قال قدس سره الشريف: "القول في قسم الاكتساب (أي الواجبات) موكول إلى كتب العبادات وإن افتقرنا في ذلك إلى وظائف قلبية ودقائق علمية وعملية لم يدونها كثير من الفقهاء وإنما يفتح بها على من أخذ التوفيق بزمام قلبه إلى الهداية إلى الصراط المستقيم. وأما شطر الاجتناب فمنه ما يتعلق بالجوارح ومنه ما يتعلق بالقلب، فأما الجوارح التي تتعلق بها المعصية وهي السبعة التي هي بمقدار أبواب جهنم، فمن حفظها حرس من تلك الأبواب إن شاء الله تعالى، وهي العين والأذن واللسان والبطن والفرج واليد والرجل ".
ثم يأخذ رضوان الله عليه ببيان إشارات إجمالية تفتح لنا طريق محاسبة كل جارجة من جوارحنا وتعرفنا بكيفية حفظها على الصراط المستقيم قال قدس سره: "فأما العين فإنها خلقت لك لتهتدي بها في الظلمات، وتستعين بها على قضاء الحاجات، وتنظر بها ملكوت الأرض والسماوات، وتعتبر بما فيها من الآيات، وللنظر في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وآله ومطالعة كتب الحكمة للاستيقاظ، فاحفظها أن تنظر بها إلى غير محرم وإلى مسلم بعين الاحتقار أو تطلع بها إلى عيب مسلم بل كل فضول مستغن عنه، فإن الله جل جلاله يسأل عن فضول النظر كما يسأل عن فضل الكلام. وأما الأذن فاحفظها أن تصغي بها إلى بدعة أو فحش أو غيبة أو خوض في الباطل أو ذكر مساوئ الناس، فإنها خلقت لك لتسمع كلام الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وأوليائه وتتوصل باستفادة العلم بها إلى الملك المقيم والنعيم الدائم".
وقال العارف التقي الشيخ الشهيد الثاني قدس سره في تتمة وصيته: "وأما اللسان فإنه خلق لذكر الله وتلاوة كتابه العزيز وإرشاد خلق الله إليه وإظهار ما في الضمير من الحاجات للدين والدنيا، فإذا استعمل في غير ما خلق له فقد كفر به نعمة الله تعالى، وهو أغلب الأعضاء على سائر الخلق لأنه منطلق بالطبع ولا مؤونة عليه في الحركة، ومع ذلك فجنايته عظيمة بالغيبة والكذب وترك تزكية النفس وبمذمة الخلق والمماراة وغير ذلك من آفاته، ولا يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم فاستظهر عليه بغاية قوتك حتى لايكبك في جهنم، ففي الحديث: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة فيهوي بها في جهنم سبعين خريفا). وروي أن رجلا قتل شهيدا في المعركة فقال قائل: هنيئا له الجنة، فقال صلى الله عليه وآله: (ما يدريك لعله كان يتكلم فيما لايعنيه ويبخل بما لايغنيه)".
ثم قال رحمه الله: "وأ ما البطن فكلفه ترك الشره واحرص على أن تقتصر من الحلال على ما دون الشبع، فإن الشبع يقسي القلب ويفسد الذهن ويبطل الحفظ ويثقل الاعضاء عن العبادة ويقوي الشبهات وينصر جنود الشيطان، والشبع من الحلال مبدأ كل شر، وهكذا تتفقد باقي جوارحك فطاعتها ومعاصيها لاتخفى".
ثم قال رضوان الله عليه في ختام وصيته النافعة: "وأما ما يتعلق بالقلب فطرق تطهيره من رذائلها طويلة، والورع المتقي في زماننا من راعى السلامة من المحرمات الظاهرة المدونة في كتب الفقه، وقد أهملوا تفقد قلوبهم ليمحوا عنها الصفات المذمومة عند الله تعالى من الحسد والكبر والبغضاء والرياء وطلب الرئاسة والعلى وسوء الخلق مع القرناء وأرادة السوء للأقران والخلطاء، حتى أن كثيرا لايعدون ذلك من المعاصي مع أنها رأسها. كما أشار إليه صلى الله عليه وآله: (ادنى الرياء الشرك) وقوله صلى الله عليه واله وسلم: (لايدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر). وقوله صلى الله عليه وآله: (الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب). وقوله صلى الله عليه وآله: (حب المال والشرف ينبتان النفاق كما ينبت الماء البقل)، إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في هذه الباب وقد قال صلى الله عليه وآله: (إن الله لاي نظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)".
رحم الله شيخنا الشهيد الثاني العلامة زين الدين العاملي وجزاه الله خيراً على هذه الوصية الخالدة التي أهداها لطلاب المعرفة والقرب الإلهي. وبهذا ينتهي أحباءنا لقاء اليوم من برنامج (من فيض أهل المعرفة)، إستمعتم له من إذاعة طهران، صوت الجمهورية الإسلامية في ايران. تقبل الله أعمالكم والسلام عليكم.