نص الحديث
قال الامام علي عليه السلام يخاطب مجتمعه: "أشهود كغيّاب، وعبيد كأرباب ".
دلالة الحديث
هذا النص يعتمد على التشبيه، ويعتمد على التساؤل، ويعتمد على التقابل، اذن: نحن نتعامل الان مع نص فني له دلالاته وبلاغته، اما الدلالة فانه عليه السلام يتناول ظاهرة تخلف مجتمعه عن الجهاد، وعن سائر ما ينبغي الالتزام به، حيث عاتبه في عبارات متنوعة منها: العبارة التي انتخبناها وهي منتظمة في تساؤلين، اولهما يخاطب القوم (اشهود كغياب) والاخر (عبيد كأرباب)، وهذا نمط من الصياغة التي تتناول جزئية من السلوك، وتخصها لنكات لها اهميتها كما سنرى الان.
بلاغة الحديث
لنتحدث عن بلاغة النص فنقول: النص يعتمد تشبيهين احدهما: يشبه الحاضرين بالغياب والاخر يشبه العبيد بالارباب، وكما اشرنا فان هذين التشبيهين قد اعتمد الامام عليه السلام في صياغتهما على عنصر التساؤل وعنصر التقابل، اما التساؤل فهو: يعتمد الاداة الاستفهامية، واما التقابل فهو بين الشاهد والغائب ثم بين العبد والرب. والنكات الكامنة في النص تتطلب شيئاً من الاضاءة على هذين التشبيهين.
التشبيهان هنا واقعيان وليسا تركيبين خياليين حيث يشبه عليه السلام (الشاهد بالغائب) والعبد بالسيد، والنكتة هنا هي: ان هذين التشبيهين مشحونان بدلالات متنوعة في مقدمتها: مخاطبة الامام عليه السلام مجتمعه المتخاذل عن نصرته بانكم شهود حاضرون ولكنكم في الواقع (غائبون)، لان الشاهد ينبغي ان يجاهد ويمارس نشاطه المطلوب، وهذا هو التشبيه الاول، واما التشبيه الثاني فهو: انه عليه السلام يخاطب قومه انكم تتعاملون وكأنكم ارباب او اسياد بينما انتم رعايا ينبغي عليكم الالتزام بالطاعة، والان لنلاحظ التقابل بلاغياً.
العبد يتلقى الاوامر، والسيد يأمر، لكن العكس قد صدر عن القوم، انهم يتعاملون وكأنهم اسياد يأمرون ويمارسون السلوك وفق رغباتهم وليس وفق ما تتطلبه المصلحة العامة، كما انهم عديمو الفاعلية لايصدر منهم ما وجب عليهم من العمل حتى لكأنهم (غائبون) لاوجود لهم في الساحة، اذن: التقابل او التضاد يحفل هنا بنكات بالغة الدلالة، ولعل صيغة التساؤل تضفي مزيداً من الحيوية على الموقف، وهو انه عليه السلام يسألهم وليس يقرّهم اي: يقول لهم: كيف تحكمون، أأنتم شهود ام غياب؟ أأنتم عبيد ام ارباب؟ ما هذا السلوك؟.. الخ.
اذن: اتضح تماماً ما تحمله العبارتان من نكات بلاغية، سائلين الله تعالى ان يجعلنا ممن يومر فيطيع وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة انه سميع مجيب.