نص الحديث
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "سرك أسيرك، فاذا تكلمت به، فانت أسيره".
دلالة الحديث
الحديث المتقدم من النصوص الملفتة للنظر من حيث تضمنه جملة مبادئ بلاغية لها اسهامها في اضفاء الطرافة على مضمونه، انه يتعلق بالسر الذي يتعين حفظه وعدم افشائه الى الاخر، نظراً لما يترتب على الافشاء من أضرار تلحق بصاحبه.
طبيعياً: ثمة اسرار لا خطورة على افشائها، بيد ان قسماً منها لو اطلع العدو عليها ذات يوم لاستثمرها ورتب عليها اثراً سلبيا، المهم الآن هو: ملاحظة المبادئ البلاغية التي استخدمها النبي (ص) في تقرير هذه الحقيقة، واليك جانباً منها.
بلاغة الحديث
الاسير: هو الشخص الذي يأسره المقاتل، ومن ثم فانه اي الاسير رهن بيد المقاتل يستطيع تحريره أو ابقاءه أو مساعدته أو ايذاءه.. الخ، وهذا بالنسبة الى من يأسر، وأما بالنسبة الى من يؤسر، فان العكس هو الصحيح، اي: الاسير لا حرية له في التصرف الا بقدر ما يسمح المؤسر له بذلك، وهذا ما يجعله ذليلاً وسجيناً ومتحسساً بقيوده المذلة، والآن: ما هي النكات البلاغية للحديث النبوي في ذهابه الى قول "سرك اسيرك، فاذا تكلمت به فانت اسيره"؟ هذا ما نبدأ بالقاء الاضاءة عليه الآن.
الحديث المشار اليه صورة (تخيلية واقعية) بمعنى ان الخيال الذي رسمها ينتمي الى الواقع وليس الى الوهم، كيف ذلك؟ من البين ان (السر) مكتوم في الصدر لايملك حرية في التحرك اي: الخروج من الصدر والافشاء به الى الاخر الا في حالة ما اذا كان صاحب السر هو: المعلن له، وهذا ما يتماثل مع الاسير العسكري حيث لايستطيع ان يمارس نشاطاً عسكرياً بعد ان أسر بمعنى ان (السر) لايترتب على صاحبه اثر سلبي في حالة ما اذا جعله في الاسر اي: لايذيعه، فاذا اذاعه حدث عكس ذلك اي: اصبح صاحب السر هو: الاسير، بمعنى ان الاضرار التي ترتبت على افشاء السر يتحملها مذيع السر، فيتماثل مع الاسير في ترتب الاثار المذلة: كما هو واضح.
ومما يكسب هذه الصورة التمثيلية جمالاً وطرافة هو: عنصر التقابل بين الاسيرين: الاسير الحقيقي الاول، والاسير الحقيقي الاخر، اي: التقابل بين السر وبين مذيعه، حيث يتحول المذيع للسر الى أسير كالسر: قبل الاذاعة به، وهناك اسرار بلاغية اخرى لايسمح السياق بتوضيحها.
"اذن: امكننا ان نتبين جانباً من طرافة وعمق الحديث المتقدم، سائلين الله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، انه سميع مجيب.