نص الحديث
قال الامام الرضا _عليه السَّلام_: "الأجل: آفة الأمل"
دلالة الحديث
الحديث المتقدم استعارة تتسم بالطرافة وبالعمق، ومن حيث دلالتها العامة تعني: ان الأمل الذي يحياه المرء يجعله في غفلة من الموت، مما يترتب عليه ان يغفل المرء عن مهمته العبادية المتمثلة في العمل بمبادئ الله تعالى حتى يكتسب رضاه في الجنّة. ولكن من يحيا الأمل يظل غافلاً عن اداء وظيفته، فاذا اذنب مثلاً يماظل في التوبة، واذا قصّر في عمله العبادي يماطل في تلافيه، وهكذا. ان هذه الظاهرة "اي: الأمل" وكونه ينسى الانسان آخرته، بصفة ان الموت قد يأتي فجأة ولا تستطيع الشخصية ان تتلافاه فتتحمل مسؤولية سلوكها من حيث الذنوب او التقصير الخ. من هنا نجد الامام الرضا _عليه السَّلام_يصوغ لنا كلاماً فنياً هو: الاستعارة المتمثلة في خلع طابع "الآفة" على "الأمل" ، بصفة ان "الآفة" هي: اداة افساد للشيء كالزرع مثلاً حينما تصيبة الآفة يفسد كما هو واضح، واذا نقلنا هذه العبارة المباشرة "الآفة" الى دلالتها البلاغية اي: الاستعارة، نجد ان الامام _عليه السَّلام_ قد عبّر عن الأمل" الذي يحياه الانسان ويغفل عن آخرته او يغفل عن "الأجل" الذي هو الموت: يظل بمثابة "الآفة" التي تفسد الزرع، فيذهب مثلاً ما بذله الفلاح او الزارع من جهود كالسقي أو الحرث أو الخ، تذهب سدى، وكذلك الشخصية التي تحيا "الأمل" وتسوّف في اداء وظيفتها العبادية سوف تذهب حياتها سدى. هنا يتعين علينا ان نلقي مزيداً من الانارة على هذا الجانب.
بلاغة الحديث
قد يقول القائل: ان الزرع اذا فسد انما تنسحب عليه كلمة "الآفة" لانها تتسبّب في ضياع الجهود التي بذلها الزارع، اما صاحب الأمل، فقد تفوته الطاعات في مستقبله، واما طاعاته السابقة للأمل فتظل باقية على حالها واذن: كيف نوفّق من الزاوية البلاغية بين آفة الزرع وآفة الأمل؟ الجواب: ان الانسان لا يعلم البتة ماذا يترتب على الذنب الواحد من غفران أو عدمه وما يترتب على الطاعة المستقبلية من إثابة، وحينئذ فان التقصير في ملافاة ما فاته من التوبة او ما فاته من الطاعة، من الممكن ان يجعله خاسراً، وهو ما تؤكده النصوص الشرعية المشيرة الى ان الله تعالى قد يرتب على الذنب ما لا غفران له، وقد يرتب على فوات الطاعة ما لا ينفع الندم على ذلك.
اذن: العمق والطرافة في صياغة الصورة الاستعارية المتقدمة تظل من الوضوح بمكان، سائلين الله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، انه سميع مجيب.