نص الحديث
قالت فاطمة الزهراء (عليها السَّلام): ما يصنع الصائم بصيامه اذا لم يصن لسانه وسمعه وبصره وجوارحه.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم يمكننا ان ننسبه الي الاستعارة، ولكنها هي: الحقيقة ذاتها، علي نحو ما نبدأ بتوضيحه بلاغياً. اما الآن فنشير الي حقيقة الصوم من حيث كونه تأجيلاً لحاجة الانسان الي الطعام والشراب، وانعكاسات ذلك علي سلوكه الاجتماعي، وعلي صحته النفسية، فضلاً عن الاثابة اخروياً. اما انعكاسات ذلك علي السلوك الاجتماعي والفردي فيمثل في ما يرويه المعصومون (عليهم السَّلام) من ان الصوم يرَشِّد الشخصية ويذَكرها بالفقراء اجتماعياً وبجوعها وعطشها - اي الشخصية - يوم القيامة، حيث يدفعها ذلك الي تعديل سلوكها.
ولكن لندع هذا الجانب، ونتجه الي ما قررته فاطمة الزهراء (عليها السَّلام) من الاشارة الي صوم اللسان، والسمع والبصر، وسائر الجوارح، وهو تعبير بلاغي آن لنا ان نحدثك عنه الآن.
بلاغة الحديث
مادام الصوم هو الامتناع عن الأكل والشرب، فإن استخدامه في الامتناع عن المعصية يظل استعارة كما هو واضح، والمطلوب هو: ملاحظة هذه الاستعارة بلاغياًَ. فما هي نكاتها؟ مع ان خلع طابع الصوم علي ما هو ليس بأكل او شرب، من حيث وضوح دالته، هذه الإستعارة إلا انها من العمق والطرافة بمكان كبير.
كيف ذلك؟ واضح ان اللسان يظل من اشد الجوارح معصية حيث ان الكذب - وهو مفتاح كل شر، كما عبر المعصومون (عليهم السَّلام) عنه ـ وكذلك الغيبة والبهتان والغش والخداع والنفاق والعدوان اللفظي من شتم واهانة والامر كذلك بالنسبة الي السمع، كالاستماع الي الغيبة، والغناء والباطل. يظل عرضة للمعصية والامر كذلك بالنسبة الي البصر، كالنظر الجنسي وسواه والامر كذلك بالنسبة الي سائر الجوارح والمهم هو ان خلع طابع (الصوم) وهو الامتناع عن الشيء علي هذه الجوارح - يظل من العمق بمكان، حيث ان الصوم الشرعي هو: مقاومة لشهوة الطعام ولشهوة الشراب، واقتران هذه المقاومة بالشدة لأنها تتصل بتأجيل اقوي الشهوات المادية، لذلك فإن خلع طابع التأجيل للشهوة علي اللسان والسمع والبصر يظل مؤثراًَ لما هو أهم من الصوم العضوي او المادي ألا وهو الصوم الاستعاري أي صوم اللسان والسمع والبصر بمعني: ان هذه الجوارح اشد اهمية من شهوتي الطعام والشراب مادامت فاطمة الزهراء (عليها السَّلام) اشارت الي عدم فائدة الصوم اذا لم يقترن بصوم الجوارح، كما أشرنا.