بسم الله وله جميل الحمد وخالص الثناء والصلاة والسلام على أبواب رحمته الكبرى للعالمين سيدنا محمد المصطفى الأمين وآله الطيبين الطاهرين.
- السلام عليكم أعزاءنا المستمعين ورحمة الله وبركاته.
- تحية من الله طيبة مباركة نستهل بها لقاءنا بكم أيها الأكارم في حلقة اليوم من هذا البرنامج.
- أيها الأفاضل، العفة بما تعنيه من تلبية الإنسان لإحتياجاته الغريزية في إطار دائرة التحديد الشرعي وعدم تجاوزها، هذه العفة هي التي تضمن سلامة الإنسان من كثير من الأمراض النفسية ومنها الهلع والجزع عند البلاء والمنع عند الرخاء.
- وهذا هو بعض ما هدتنا إليه آيات سورة المعارج وهي تبين لنا العوامل الأساسية التي تضمن للإنسان السلامة والصحة النفسية، نستمع خاشعين بتدبر لهذه الآيات الكريمة حيث يقول الله أصدق القائلين:
"إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً{۱۹} إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً{۲۰} وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً{۲۱} إِلَّا الْمُصَلِّينَ{۲۲} الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ{۲۳} وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ{۲٤} لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ{۲٥} وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ{۲٦} وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ{۲۷} إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ{۲۸} وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ{۲۹} إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ{۳۰} فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ{۳۱} وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ{۳۲} وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ{۳۳} وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ{۳٤} أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ{۳٥}
- صدق الله العلي العظيم، إذن فالمصلون الذين يديمون الصلاة، أي يلتزمون بما اختاروه من النوافل التي يأنسون ويتقربون بها الى الله، هؤلاء يحفظهم الله من الإصابة بالأمراض النفسية الخطيرة التي ذكرتها الآيات الأولى.
- كما أن الإنفاق المستحب في سبيل الله وبمقدار معلوم يحدده المؤمن حسب إستطاعته، هذا الإنفاق هو أيضاً من العوامل التي تحفظ السلامة النفسية.
- والتصديق العملي بيوم الدين هو أيضاً مما يضمن للإنسان سلامته النفسية، والمراد هو ظهور آثار الإعتقاد بيوم الحساب على سلوك المؤمن، فلا يقوم بما يجلب عليه العقاب يوم القيامة.
- كما أن من عوامل حفظ الصحة النفسية الإلتزام بالعفة وحفظ الإستجابة للإحتياجات الغريزية في حدود دائرة المشروع لأن الله قد وضع هذه الحدود لجني ثمار هذه الإحتياجات الغريزية دون الإصابة بآفات الإفراط والتفريط.
- مستمعينا الأفاضل، كما أن الإلتزام برعاية الأمانات والعهود هو من العوامل التي تحفظ السلامة والصحة النفسية من إضطرابات الهلع والجزع والمنع، فما هو المقصود بذلك.
- عن هذا السؤال يجيب العلامة الطباطبائي رضوان الله عليه، حيث يقول في تفسيره القيم "الميزان":
- قوله تعالى : " والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون " المتبادر من الأمانات أنواع الأمانة التي يؤتمنون عليها من المال وسائر ما يوصى به من نفس أو عرض ورعايتهم لها ان يحفظوها ولا يخونوها قيل : ولكثرة أنواعها جئ بلفظ الجمع بخلاف العهد .
- وأضاف قدس سره: وقيل المراد بها جميع ما كلفهم الله من اعتقاد وعمل فتعم حقوق الله وحقوق الناس فلو ضيعوا شيئا منها فقد خانوه .
- وأضاف رحمه الله: وقيل أن الأمانات تشمل كل نعمة أعطاها الله عبده من الأعضاء وغيرها أمانة فمن استعمل شيئا منها في غير ما أعطاه الله لأجله وأذن له في استعماله فقد خانه .
- وعن معنى العهد قال العلامة الطباطبائي: وظاهر العهد عقد الانسان مع غيره قولا أو فعلا على أمر ورعايته أن يحفظه ولا ينقضه من غير مجوز. وقيل : العهد كل ما التزم به الانسان لغيره فإيمان العبد لربه عهد منه عاهد به ربه أن يطيعه في كل ما كلفه به فلو عصاه في شئ مما أمره به أو نهاه عنه فقد نقض عهده .
- مستمعينا الأكارم، ويتضح مما تقدم أن إستشعار الإنسان بمسؤوليته تجاه الله تبارك وتعالى، بمعنى أن ما خوّله وأعطاه عزوجل أمانات عليه حفظها ورعايتها، ثم تحركه بهذا الإتجاه يزوده بقوة معنوية عالية تجعله يتغلب على الأمراض النفسية لأن حفظ هذه الأمانات يجعله من الذين لا خوف عليهمولا هم يحزنون.
- وكذلك الحال مستمعينا الأفاضل مع المحافظة على العهد والإلتزام بما عاهد الله عليه فهو يحفظ للمؤمن الإستقرار النفسي الذي يحصنه من الإضطرابات النفسية وهذه حالة وجدانية مشهودة.
- كما أن حفظ حقوق الآخرين بالقيام بالشهادات التي ترتبط بهذه الحقوق دون محاباة لأحد أو خوف من أحد، يجعل نفس الإنسان مطمئنة لطمأنينة وجدانية بأنه لا يظلم أحداً.
- والذي يعين الإنسان على ذلك هو المحافظة على الصلاة التي وردت الإشارة إليها في أواخر النص القرآني، فما المقصود بالمحافظة على الصلاة؟
- قوله تعالى : " والذين هم على صلاتهم يحافظون " المراد بالمحافظة على الصلاة رعاية صفات كمالها على ما ندب إليه الشرع. قيل : والمحافظة على الصلاة غير الدوام عليها فإن الدوام متعلق بنفس الصلاة والمحافظة بكيفيتها فلا تكرار في ذكر المحافظة عليها بعد ذكر الدوام عليها .
- وهكذا يتضح أيها الإخوة والأخوات أن العامل المحوري للنجاة من الأمراض النفسية المشار إليها في أوائل هذا النص القرآني، هو حفظ الإرتباط بالله تبارك وتعالى من خلال المداومة على الصلاة كما ورد في بداية النص.
- وكذلك من خلال المحافظة على الصلاة بمعنى إقامتها بالحالة المطلوبة من التوجه والإقبال القلبي، وفقنا الله وإياكم لذلك.
- وبهذا نصل مستمعينا الأفاضل الى ختام حلقة أخرى من برنامجكم من هدى الثقلين.
- إستمعتم لنا مشكورين من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.
- الى لقاء المقبل بإذن الله دمتم في رعايته سالمين والحمد لله رب العالمين.