السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين، وعلى اصحاب الحسين.
آجركم الله تعالى بذكرى المصاب الاليم في ابي عبد الله الحسين، وآل الحسين صلوات الله عليه وعليهم. وإنه لشرف رفيع، ووجاهة فخورة، أن ينتمي المرء الى سيد الشهداء سبط النبي وريحانته، سيد شباب اهل الجنة الامام الحسين بن علي وابن فاطمة سلام الله عليهم جميعا ً... ينتمي اليه بالنسب او السبب، بالمحبة والولاء، وبالصُّحبة والخدمة، كما وُفق الى ذلك أصحاب الحسين، حيث تركوا الديار والاهلين، والتحقوا بالركب الحسيني الشريف، ليُقتلوا دونه، مدافعين عنه بالانفس والارواح، في غيرة ٍ وشهامة، وحالة ٍ رفيعةٍ من التضحية والوفاء والفداء.
وكان فيهم رجل نجيب يُعرف بـ"زهير بن القين" رضوان الله عليه، فمن يكون زُهير يا ترى؟!
زهير بن القين الانماري البجليّ، هو احد شجعان المسلمين، ممن اشترك في فتوح اسلامية، انتهى به الامر ان يتحق بالامام الحسين(ع).
ذلك لما خرج الامام الحسين عليه السلام من مكة يوم التروية (الثامن من ذي الحجة الحرام)؛ لان يزيد بن معاوية ارسل اليه من يقتله ولو كان متعلقاً باستار الكعبة المشرفة، فسار الموكب الحسيني نحو كربلاء، وسار قريبا منه موكب يتزعمه زهير بن القين مجانبا لم يرغب في المسايرة او النزول معه.
وتنطوي المسافات والايام، فينزل الحسين سلام الله عليه في جانب، وينزل زهير في جانب آخر، وفجأة ً ُيقبل رسول الحسين ليقول لزهير: ان ابا عبد الله الحسين بن علي بعثني اليك لتأتيه.
هنا ينهض زهير تاركا ما بين يديه من طعام، يحجم قليلا ثم يعود مستبشرا قد اسفر وجهه، ثم يامر بفسطاطه وثقله ومتاعه ليُقدَّم له، ثم خير اصحابه قائلاً لهم: من احب منكم ان يتبعني، والا فانه آخر العهد، اني ساحدثكم حديثاً.
فانصت اصحاب زهير، فقال لهم: غزونا "بلنجر" ففتح الله علينا واصبنا غنائم.
فقال لنا سلمان الباهلي: افرحتم بما فتح الله عليكم واصبتم من الغنائم؟!
قلنا: نعم.
فقال لنا: ان ادركتم شباب آل محمد فكونوا اشد فرحا بقتالكم معهم مما اصبتم من الغنائم.
ثم قال زهير لاصحابه: اما انا، فاني استودعكم الله.
وبلغ حب اصحاب الحسين للحسين غاية قصوى، جعلهم يتسابقون على بذل المهج دونه، وابدى بعضهم روح النصرة لامامهم، ومنهم زهير بن القين، الذي قال للامام الحسين: والله لو وددت اني قتلت ثم نشرت، ثم قتلت... حتى اقتل هكذا الف مرة، وان الله عز وجل يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن انفس هؤلاء الفتيان من اهل بيتك.
واما مع عياله، فقد جاء زهير الى زوجته ـ وهي ديلم بنت عمرو ـ فقال لها: انت طالق الحقي باهلك؛ فاني لااحب ان يصيبك بسببي الاّ خير، وقد عزمت على صحبة الحسين؛ لافديه بروحي، وأقيه بنفسي. ثم سلمها مالها، واودعها الى اخيها، وفي روايه: الى عمها ـ ليوصلها الى اهلها ـ.
بكت ديلم بنت عمرو وودعت زوجها البار بهذه العبارة: كان الله عونا ومعينا لك، خار الله لك، أسألك ان تذكرني في القيامة عند جد الحسين (صلى الله عليه وآله).
في طريقه الى كربلاء، قام الامام الحسين عليه السلام خطيبا في اصحابه فقال بعد حمد الله والثناء عليه، وذكر جده والصلاة عليه: «انه نزل بنا من الامر ما قد ترون، وان الدنيا قد تنكرت، وتغيرت، وادبر معروفها... الا ترون الى الحق لايعمل به، والى الباطل لايتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقا؛ فأني لا ارى الموت الا سعادة، والحياة مع الظالمين الا برما».
فنهضت الحمية الغيورة باصحاب الحسين عليه السلام، يسبقهم في مناصرته زهير بن القين؛ ليقول لامامه وسيده ابي عبد الله الحسين (صلوات الله عليه): لقد سمعنا ـ هدانا الله بك يا ابن رسول الله ـ مقالتك، ولو كانت الدنيا لنا باقية، وكنا فيها مخلدين، لاثرنا النهوض معك على الاقامة فيها.
وعلى هذه اللهجة والنية والفكرة، كانت كلمات الاصحاب تناصر الحسين وتفديه، وترى فيه المهج سعادة وكرامة اذا بذلت في طاعته وولايته، فرضي الله عنهم، ورحم الله من قال فيهم:
بابي من شروا لقاء حسين
بفراق النفوس والارواح ِ
فئة ان تعاورالنقع ليلا ً
اطلعوافي سماه شهب الرماح ِ
ادركوا بالحسين اكبر عيدٍ
فغدوا في منى الطفوف اضاحي