بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
كان من اخلاق الامام علي عليه السلام التشدد مع النفس والاقرباء والمسؤولين وعدم التراخي في احقاق الحق وهذا الامر يدخل في سمات حكام العدل كما ان التسهل مع الاقرباء والتراخي مع المسؤولين واعطاء المسؤولين واعطاء النفس هواها من سمات حكام الجور فعند حكام العدل ان السلطة فرصة للمزيد من الجهاد والعمل في سبيل الله وكسب رضاه تعالى فهي عند حكام العدل مسؤولية امام عند حكام الجور فالسلطة فرصة لأشباع الرغبات والشهوات والتمتع بالملذات فهي عندهم حكم اللهو والتسلط.
الامام علي يقول وكما جاء في غرر الحكم ودرر الكلم "الولايات مضامير الرجال ثم ان اولى الناس بمجاهدة النفس والتشدد معها هم الحكام حيث تجد نفوسهم المجال واسعاً للفساد والافساد" وجاء في المستطرف قول الامام علي عليه السلام "من نصب نفسه للناس اماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه ومعلم نفسه ومؤدبها احق بالاجلال من معلم الناس ومؤدبهم" .
لما ذكرنا تجد مستمعي الكرام ان الامام علي عليه السلام كان يشدد مع نفسه خاصة فيما يرتبط بقضايا المال والجاه حتى بملذات الطعام فقد روي عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال "ما اعتنج على علي عليه السلام امران في ذات الله تعالى الا اخذ بأشدهما وقد كان في الكوفة يأكل من ماله في المدينة" كما ذكره العلامة المجلسي في بحار الانوار. ويذكر ايضاً رواية غلامه قنبر جاءه ذات مرة وقال له: قم ياامير المؤمنين فقد خبأت لك خبيئة قال وماهو؟ ويحك! قال: قم معي فقام وانطلق به الى بيته فأذا بجرة مملوءة ذهباً وفضة، فقال: يا امير المؤمنين رأيتك لاتترك شيئاً الا قسمته فأدخرت لك هذا من بيت المال فقال علي عليه السلام: ويحك ياقنبر! لقد احببت ان تدخل بيتي ناراً عظيمة؟ ثم سل سيفه وضربها ضربات كثيرة فأنتثرت من بين اناء مقطوع نصفه واخر ثلثه ونحو ذلك ثم دعا بالناس فقال: قسموه بالحصص. يقول امير المؤمنين عليه السلام في غرر الحكم ودرر الكلم: "ان انصح الناس انصحهم لنفسه واطوعهم لربه ويتحقق ذلك بمخالفة الهوى" اذ يشير عليه السلام في المصدر نفسه الى ذلك بقوله: "دواء النفس الصوم عن الهوى والحمية عن لذات الدنيا فلابد من اتهام النفس ومخالفتها والادبار عنها لكي نصلحها" ويتأكد ذلك في قول علي عليه السلام "اقبل على نفسه بالادبار عنها" وفي موقع اخر من نفس المصدر يقول: من لم يتدارك نفسه بأصلاحها اعضل داءه واعيا شقاءه وفقد الطبيب.
مستمعينا الكرام الامام علي عليه السلام كأي انسان له نفس تشتهي الشيء، شأنه في ذلك شأن غيره من الناس، تتوق الى الملذات ولكن الفرق انه كان يجاهدها وها هو عليه السلام يقول وكما جاء في روضة الواعظين: ولو شئت لأهتديت الطريق الى مصفا هذا العسل ولباب هذا القمح ونساج هذا القز ولكن هيهات ان يغلبني هواي ويقودني جشعي الى تخير الاطعمة ولعل بالحجاز او اليمامة من لاطمع له بالقرص او لاعهد له في الشبع. وهكذا كان يجوع ليواسي الناس ويعيش جوعهم والمهم ولذلك يقول لعل في الحجاز او اليمامة من لاطمع له في قرص او لاعهد له في شبع، كان عليه السلام يعود نفسه على الصبر وعلى الجوع ولايذلها لأحد وفي ذلك روي في لئالي الاخبار ان امير المؤمنين عليه السلام مر بقصاب فقال له القصاب: ياامير المؤمنين هذا اللحم سمين اشتر منه فقال عليه السلام: ليس الثمن حاضراً! فقال القصاب: انا اصبر على الثمن يا امير المؤمنين، فقال الامام علي عليه السلام: وانا اصبر على اللحم!
نعم مستمعينا الكرام هكذا كانت اخلاق امير المؤمنين التشدد على النفس، وقفنا عليها في برنامج من الاخلاق العلوية نسأله تعالى التوفيق للجميع للسير على مثل هذا النهج الكريم راجين لكم كل الخير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.