لانزال مع دعاء العهد، وهو الدعاء الذي يتلى كل صباح، (لا اقل من اربعين صباحاً) بحسب التوصية الواردة عن المعصوم عليه السلام، حيث يتلى لتعجيل ظهور الامام المهدي عليه السلام، والمشاركة في حركته الاصلاحية للمجتمعات.. وقد حدثناك عن جملة منه، ونحدثك الآن عن مقطعه القائل: (واعمر اللهم به بلادك، واحي به عبادك، فانك قلت: ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي، فاظهر، اللهم لنا وليك...).. هذا المقطع يتضمن جملة عبارات، حدثناك في لقاء سابق عن اولاها وهي (واعمر اللهم به بلادك).. ونتابع الآن سائر عباراته، ومنها: العبارة القائلة: (واحي به عبادك)..
وهذا ما نبدأ بالقاء الاضاءة عليه الآن..
ان كنت متابعاً للقائنا السابق، حنيئذ لابد وان تتذكر باننا قلنا: ان المقصود من عمارة البلاد هو: الاعمار المادي من خلال التوظيف العبادي له، وليس الاعمار المادي المنفصل عن مبادئ الله تعالى..
وحيث نتحدث عن الفقرة الثانية وهي (واحي به عبادك)، فان الاعمار الروحي يظل هو المستهدف في العبارة المذكورة، ويلاحظ هنا اكثر من نكتة او سر في العبارة المتقدمة.. فاولها: عبر الدعاء عن البشر في مرحلة ظهور الامام عليه السلام بانه عباد الله تعالى حيث قال: (واحي به عبادك).. ومن الحقائق التي ينبغي لفت النظر اليها ان النصوص الشرعية تضفي حالة التكريم على العباد وعندما تنسبهم الى الله عزوجل، كما في قوله: (فبشر عبادي)، او(وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا...) وهذه الملاحظة ننتفع بها في موضوعنا الحالي، حيث ان الدعاء يتوسل بالله تعالى بان (يحيي) بظهور الامام المهدي عليه السلام (عباده) تعالى، وهم بطبيعة الحال الايجابيون، كما هو واضح.
والآن: لندع هذه الملاحظة ونتجه الى الدلالة المستهدفة وهي: (احياء عباد الله تعالى).. ترى: لماذا استخدم الامام عليه السلام عبارة (احي) دون سواها؟
من الواضح، ان الامام الصادق (وهو صاحب الدعاء) عندما يستخدم عبارة (احي) لابد وان يستخدمها في لغتها المجازية او الرمزية حيث يقصد بها الاحياء مقابل الاماتة..
لقد كان بالامكان مثلاً ان يستخدم الامام عليه السلام عبارة (واصلح) بدلا من الكلمة الحالية (واحي)، مع ان المعصوم عليه السلام في سياقات اخرى يستخدم كلمة (اصلح) تعبيراً عن الدلالة المستهدفة اصلاح مافسد، بخاصة وان مقطع الدعاء الذي نتحدث عنه ذكر او استشهد بالآية الكريمة (ظهر الفساد في البر والبحر..) وهذا يعني امكان استخدام كلمة (اصلح) مقابل (الفساد) الذي ظهر في البر والبحر.. لكن كما سنلاحظ ان كلمة (احياء) تعني دلالة غير كلمة (اصلاح)، وهذا ما نستهدف الاشارة اليه الآن..
لنتأمل طويلاً حتى ندرك سريعاً بان المجتمعات القريبة من عصر الظهور: تبلغ قمة الانحراف في سلوكها، ولسنا نحتاج الى الاستشهاد بعشرات النصوص الواردة عن المعصومين عليه السلام بالنسبة الى شرحها للمجتمعات المنحرفة التي طبعها (الجور)، بحيث اصبح المنكر معروفاً، والعكس بالعكس.. بل ان الفقرة التي اعقبت قوله عليه السلام: (واحي به عبادك) قالت: (فانك قلت ظهر الفساد في البر والبحر..) الخ، حيث ان التفسير لهذه الاية الكريمة يقرر بان ظهور القحط وظهور الجفاف بالنسبة الى البر والبحر انما هو بسبب معاصي الناس، وهذا يعني: ان الانحراف بلغ ابعد مداه، لذلك: فان مثل هذه المجتمعات المنحرفة حينما يطلق عليها مطصلح (الموت): يكون التعبير بذلك متجانساً مع طبيعة الانحراف الذي يطبعها.. من هذا توسل الامام عليه السلام بالله تعالى بان (يحيي) (موتى) المجتمعات من خلال (عباده الصالحين) الذين يضطلعون او يساندون الامام المهدي عليه السلام في ثورته الاصلاحية، وبذلك ينتشر العدل في الارض بعدما ملئت جوراً، وبهذا تتجدد حياة جديدة، حيث ان عبارة (واحي به عبادك) تشير الى (احياء) الحياة الجديدة للمجتمعات في عصر الظهور، وبذلك (يحيا) العباد ويعايشون الحياة الحقة الى ارادها الله تعالى لعباده الصالحين.. ونحن نسأله تعالى ان يوفقنا فعلاً الى الاسهام في خدمة امام العصر عليه السلام، والتوفيق الى الاستشهاد بين يده عليه السلام.
*******