البث المباشر

فاطمة الزهراء في آية المودة في القربى -۳

الثلاثاء 1 أكتوبر 2019 - 10:43 بتوقيت طهران

اذاعة طهران - فاطمه في القرآن والسنة: الحلقة 51

بسم الله الرّحمن الرحيم الحمد لله كثيرا، وأزكى الصّلاة والسّلام على من أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا. إخوتنا وأعزتنا المؤمنين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في وقفتنا الأخيرة عند آية المودة، وهي قوله تبارك وتعالى: "قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى"، وقد استقرّ بنا الرأي والفهم، أنّ الآية الكريمة هذه عنت قربى النبيّ لا سواه، كما عنت قرباه الأدنون لا سواهم، وهم: عليٌّ وفاطمة والحسن والحسين، أو عليٌّ وفاطمة وأولادهما إلى تاسع الأئمّة من ذرية الحسين (صلوات الله عليهم أجمعين). وهذا ما تمّ التسالم عليه من قبل أهل التفسير وأهل الحديث، ومن قبل الروّاة والمؤرّخين، وأصحاب السّير والتراجم على حدّ الاتّفاق واليقين. وذلك لتوافر الأخبار والروايات المؤكّدة لذلك، حتّى بلغت الشُهرةِ المطبقة والشياع الواسع، من ذلك أيها الإخوة الأعزّة على سبيل المثال: ما أخرجه الطبريّ في تفسيره (جامع البيان)، بإسناده عن السّنديّ، أنّ أبا الدُّليم قال: لمّا جيءَ بعليِّ بن الحسين رضي اللهُ عنهما أسيراً (أي من كربلاء) فأقيمَ على دُرجِ دمشق، قام رجلٌ من الشام فقال: الحمدُ للهِ الذي قتلكم، واستأصلكم، وقطع قرني الفتنة! فقال له عليُّ بن الحسين رضي اللهُ عنه: أقرأتَ القرآن؟ قال: نعم. فقال: فقرأت آل حم؟ (ألف لام حاء ميم) ( أي سورة الشُّورى)، فقال الرجلُ متعجّباً: قرأتُ القرآن ولم أقرأ آل حم؟! فسأله: ما قرأت: "قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى"؟! فتساءل الشاميُّ مستغرباً: وإنّكُم لأنتم هم؟! قال: نعم. رواه الثعلبيُّ أيضاً في (الكشف والبيان)، وأخرجه الحافظ السيوطيُّ الشافعيّ في (الدرّ المنثور)، وابنُ حجر في (الصواعق المحرقة) عن الطبرانيّ.
ومن هذا النصّ إخوتنا الأفاضل إلى الآراء، فقد ذكر الطبريّ صاحب التاريخ والتفسير، وهو من مشاهير علماء أهل السنّة، أنّ سعيد بن جبير وعمرو بن شعيب قالا: الآية، آية المودّة، أو آية القربى، هي في قربى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. وقال الفخرُ الرازيّ في (التفسيرالكبير) بصريح عبارته: وأنا أقول: آل محمّدٍ صلّى الله عليه وآله وسلّم، هم الذين يؤول أمرهُم إليه، فكلُّ من كان أمرُهم إليه أشدَّ وأكمل، كانوا هُم الآل. ولا شكَ أنّ فاطمة وعلياً والحسن والحسين، كان التعلّقُ بينهم وبين رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أشدَّ التعلّقات، وهذا كالمعلول بالنقل المتواتر، فوجب أن يكونوا هُم الآل.
وفي (نظم درر السمطين) قال الحافظ الزّرنديُّ الحنفيّ: لم يكن أحدٌ من العلماء المجتهدين، والأئمّة المهتدين، إلاّ وله في ولاية أهل البيت الحظُّ الوافر، والفخرُ الزاهر،كما أمر الله تعالى بقوله: "قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى". أجل أيّها الإخوةُ الأكارم وذلكم هو الشرفُ الذي حازه أهلُ البيت النبويّ الطاهر دون غيرهم، فهُم القربى، وهُم من وجبت مودّتهم، وقد روى عن الإمام الحسين عليه السلام في بيانٍ شريفٍ له في ظلّ آية الصّلة قوله: (وأمّا القرابةُ التي أمر اللهُ بصلتها، وعظّمَ من حقّها، وجعل الخير فيها، قرابتنا أهل البيت، الذي أوجب اللهُ حقّنا على كلِّ مسلم).
ويكفي أيّها الإخوةُ الأحبّة أن نعلم أنّ آية القربى عنت أهل البيت قربى النبيّ صلّى الله عليه وآله ما أجمع عليه الحفّاظ والمفسّرون، حتّى عدّ العلامة الأمينيّ في الجزء الثالث من موسوعته (الغدير) خمسةً وأربعين علماً من أعلام السُّنّة في هذا المجال، منهم: أحمدُ بن حنبل، والواحديّ، والحسكانيّ، والجوينيّ، والثعلبيّ، وأبو نعيم الأصفهانيّ، والگنجيّ، والحضرميّ، وابنُ المغازليّ، والطبرانيّ، وابنُ الصبّاغ المالكيّ، والنّسائيّ، والبيضاويّ، وغيرهم. كذلك جاءت عشراتُ المصادر تشهدُ بذلك في كتاب إحقاق الحقّ، في ضمن الملحقات الواردة في الجزء التاسع منه بقلم المرحوم السيّد المرعشيّ.
وربّما طلب البعض أيّها الإخوة الأعزّة دليلاً نقليّاً مسلّماً في مقصود الآية المباركة، وذلك من حقّه ليقف على الأمر على بصيرة، ولتتمَّ الحجّةُ عليه بلا غبشٍ أو غموض، فنذهب معه إلى كتاب (ذخائر العقبى) لمحبّ الدين الطبريّ الشافعيّ، وكتاب (الصواعق المحرقة) لابن حجر المكّيّ، وكتاب (جواهر العقدين) للسَّمهوديّ، فنقرأ أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : "إنّ اللهَ جعل أجري عليكم المودّة في أهل بيتي، وإنّي سائلُكم غداً عنهم". ولنذهب إلى كتاب (كفاية الطالب) للحافظ الگنجيّ الشافعيّ لنقرأ له هذه الرواية أخرجها من طريق الحافظ أبي نعيم، عن جابر الأنصاريّ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله عرض الإسلام على أعرابيّ، فسأله الرجل: تسألني عليه أجراً؟ أجابه النبيّ: لا، إلاّ المودّة في القربى. فسأل الأعرابيّ: قرابتي أو قرابتك؟ قال: قرابتي. فقال الرجل: هات أبايعك، فعلى من لا يحبُّك ولا يحبّ قرابتك لعنة الله! فقال النبيُّ: آمين.
وقد أوردنا من قبل أنّ القربى المقصودين في الآية كما في أحاديث كثيرة، هُم الصدّيقة فاطمة، والإمام عليّ، وسيّدا شباب أهلِ الجنّة الحسن والحسين، صلوات الله عليهم أجمعين، وأمّا المودّة المطلوبة لهم فهي المودّة الواجبة، ومن هنا سمع أحدُهم يقول:

هُم العُروة الوثقى لمعتصمٍ بها

مناقبهم جاءت بوحيٍ وإنزال

مناقب في شورى وسورة هل أتى

وفي سورة الأحزاب يعرفها التالي

وهم آلُ بيت المصطفى فودادُهم

على الناس مفروضٌ بحكمٍ وإسجال


هكذا أورد المالكيُّ في (الفصول المهمّة)، ثمّ ذكر لآخر قوله:

هُم القومُ من أصطفاهم الودَّ مخلصاً

تمسّكَ في أخراهُ بالسَّبب الأقوى

هُم القومُ فاقوا العالمين مناقباً

محاسنهم تجلى وآثارهُم تروى

موالاتهم فرضٌ، وحبُّهمُ هدى

وطاعتُهم ودٌّ، وودُّهُمُ تقوى


وقال أبوالحسن بنُ جبير كما ذكر الشبليخيُّ الشافعيُّ في (نورالأبصار):

أحبُّ النبيَّ المصطفى وابنَ عمّه

عليّاً، وسبطيه، وفاطمة الزّهرا

هُم أهلُ بيتٍ أذهبَ الرّجسُ عنهم

وأطلعَهم أفقُ الهدى أنجماً زُهرا

موالاتهم فرضٌ على كلِّ مسلمٍ

وحبُّهم أسنى الذخائر للأخرى

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة