بسم الله غاية آمال العارفين وله الحمد حبيب قلوب الصادقين وأزكى الصلاة والتسليم على سادات أوليائه المقربين محمد وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم أعزاءنا ورحمة الله وبركاته، نبقى في هذه الحلقة من برنامج من عرفاء مدرسة الثقلين مع سيرة العارف الامامي الشهير المحقق أحمد بن محمد الملقب بالمقدس الاردبيلي الذي خصصنا له الحلقتين السابقتين من البرنامج، فنشير الى بعض أسرار بلوغة مراتب الكمال السامية من خلال بعض ما ورد في سيرته ووصاياه يتخلل ذلك لقاء مع خبير البرنامج سماحة الشيخ محمد السند وحديث عن التأسي بالمعصومين عليهم السلام ودوره في التقرب الى الله عزوجل.
عندما نراجع اقوال العلماء في المقدس الاردبيلي نلاحظ بوضوح إجماعهم على سمو مراتبه العلمية والعملية فقد وصفوه بأنه (عابد جليل القدر عظيم الشأن، أورع أهل زمانه وأعبدهم وأتقاهم)، حتى قال العلامة المجلسي عنه أنه بلغ الغاية القصوى في الورع والتقوى والزهد والفضل وأضاف المجلسي قائلاً: لم أسمع بمثله في المتقدمين والمتأخرين.
[يعني من العلماء والصلحاء والعباد بعد الائمة الطاهرين عليهم السلام] وكان اهتمام المقدس الاردبيلي البالغ بالتدبر في النصوص الشريفة وتطبيقها على سلوكه بدقة مفتاح بلوغه هذه المراتب السامية، لاحظوا احباءنا ما قاله زميله في الدراسة السيد الخاتون آبادي في كتاب حدائق المقربين حيث قال عن سيرة المقدس: «كان يأكل ويلبس ما يصل إليه بطريق الحلال ردياً كان كان أم سنياً ويقول: المستفاد من الاحاديث الكثيرة وطريقة الجمع بين الاخبار؛ لأن الله يحب أن يرى أثر ما ينعمه على عباده عند السعة كما يحب الصبر على القناعة عند الضيق».
ثم نقل السيد الخاتون آبادي أنه (رحمه الله) كان تهدى اليه الملابس الفاخرة ويُلتمس منه أن يلبسها فيستجيب، وحدث أنه أهديت له عمامة كبيرة من قماش نفيس فلبسها وخرج بها لزيارة حرم أمير المؤمنين عليه السلام فكان بعض السائلين يطلبون منها شيئا ً فيقتطع منها قطعاً ويعطيهم حتى لم يبق له منها عندما رجع الى البيت سوى قطعة صغيرة طولها ذراع واحد!!؛ ثم قال السيد الخاتون آبادي: ومن صبره على القناعة عند الضيق أنه كان يلبس ما يصله من الحلال ولو كان ردياً أو رثاً حتى حكي أنه لرثاثة أثوابه ـ [لضيق أصابه في بعض الاوقات] ـ إلتقاه بعض زوار النجف في الطريق فلم يعرفه، فطلب منه أن يغسل ثياب سفره فتقبل منه ذلك وباشر بنفسه قصارتها [أي غسلها] الى ان فرغ منها، وجاء بها الى ذلك الرجل ليسلمها إليه، فأتفق أن عرفه الرجل في هذه المرة وأخذ الناس يوبخونه والمقدس يمنعهم ويقول: إن حقوق إخواننا المؤمنين أكثر من أن يُقابل بها غسل الثياب.
وكما تلاحظون الافاضل؛ فإن الحكاية المتقدمة تعبّر عن أن المقدس الاردبيلي كان شديد الاجتهاد في السعي للتأسي بأئمة الهدى عليهم السلام الذين نجد في سيرهم نماذج راقية لهذا السلوك في التعامل مع الناس.
والتأسي بأئمة الهدى عليهم السلام الذين نجد في سيرهم نماذج راقية لهذا السلوك في التعامل مع الناس.
والتأسي بالمعصومين (عليهم السلام) بما يطيقه الانسان بالطبع هو من أهم وسائل التقرب الى الله عزوجل والتي أشار القرآن الكريم إليها وأمرنا بها في أكثر من مورد.
المزيد من التوضيح لهذه الحقيقة نستمع إليه معاً من خبير البرنامج سماحة الشيخ محمد السند في الاتصال الهاتفي التالي الذي أجراه زميلنا.
المحاور: السلام عليكم احبائنا وسلام على خبير البرنامج سماحة الشيخ محمد السند، سماحة الشيخ سؤالنا في هذه الحلقة عن معنى التأسي بالمعصومين (عليهم السلام) ما المراد بهذا التأسي وما هي آثاره في التقرب من الله تبارك وتعالى؟
الشيخ محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على محمد وعلى آله الطاهرين، التأسي في الحقيقة نوع من اتخاذ الامام قدوة واسوة وبالتالي فيها انقياد وفيها مشاكلة وفيها مماثلة وفيها مشايعة، فالتأسي هو معنىً آخر من معاني التشيع او المشايعة والمتابعة والانقياد، والتأثير له درجات بقدر درجات المعرفة والانقياد والولاية، فأذن التأسي ابعاداً وسيعة من الجانب النظري والمعرفي ومن الجانب العملي بقدر وسع الايمان، بالتالي وبقدر وسع التشيع والمشايعة والانقياد، وبقدر وسع الأئتمام وبقدر وسع الطاعة والتسليم، فاذن التأسي هو لون من الوان نفس التسليم والاسلام والايمان والائتمام والمشايعة والانقياد، ومن ثم هذا لابد ان نلتفت اليه ان التي تروج من ان التأسي بالنبي وبأهل بيته انما هو في الجوانب الدينية والشرعية واما العاديات فتلك الجهات في النبي واهل بيته بشرية وليست هي دينية شرعية وما شابه ذلك، هكذا زعم وقيل ولذا بعضهم قال ان لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، المراد بها في الامور الشرعية، واما الامور العاديات في حياة النبي صلى الله عليه وآله فلا معنى للتأسي به صلى الله عليه وآله في ذلك، ولكن هذه المقالة وان راجت عند الكثير من الكتاب والمحققين وربما علماء العلوم الاسلامية، على اية حال لكن هذه المقالة في نظرنا مفندة ومدحوظة، وبان النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعله الله قولباً واهل بيته قولباً وقالباً متكاملاً في كل ابعاده وشؤونه، فمن ثم لا معنى لوجود العاديات في حياته، لا نقول انه لا يمارس حياته البشرية يمارسها ولكن النموذج الاوفق الاكمل والمثال المحتذى الذي يريده الله عز وجل منا في اكلنا وشربنا حتى في امورنا البسيطة هناك نموذج امثل، يضربه الله عز وجل الا وهو سيد الانبياء، ومن ثم عبر الباري تعالى عن تمام شؤون النبي بماذا إِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ، يعني كل سيرة وفعل النبي وسجيته وسجاياه وما شابه ذلك كلها امثولة وتحتذى واسوة تقتدى ومن ثم في آية اخرى ايضاً، اشار الى ذلك القرآن الكريم بقوله: مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى، وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، ان هو "الضمير كثير ربما المفسرين اعادوه الى نطق النبي"، ولكن الصحيح الضمير يعود للنبي صلى الله عليه وآله نفسه إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى يعني النبي كأنما مجسمة وكتلة وحي في كل شؤونه وفي حاله وترحاله وفي قيامه وقعوده وفي شؤونه اليسيرة والعظيمة، كل ذلك كتلة من الوحي الوحيانية الا ان شؤون الوحي تختلف، ولو اعدنا الضمير الى نطق النبي فالنطبق بالتالي ليس النطق اللفضي وانما بمعنى القوة المدبرة لشؤون النبي، باعتبار ان الانسان الميزة فيه انه ناطق يدرك، فالجهة العقلية في النبي بدل ان يكون الفصل مميز النطق العقلي النطق الوحياني، شبيه ما ورد في آيات آخرى، ان انا الا بشر يوحى الي، الدرجة المتكاملة في النبي ليس كبقية البشر جهة نطق عقلي وانما هو نطق وحياني، فأذن كل شؤون النبي صلى الله عليه وآله وكذلك من بعده عترته الطاهرة، في الحقيقة هي شؤون قدوية وامثولة منصوبة من قبل الباري تعالى لنا لنقتدي بها ونستنبط منها السير الحسنة والمراجعة في كل شأن وفعل.
المحاور: سماحة الشيخ محمد السند شكراً لكم، وشكراً لكم احبائنا وانتم تتابعون ما تبقى من البرنامج.
أعزاءنا نتابع تقديم هذه الحلقة من برنامج مدرسة الثقلين بالاشارة الى أن مما إمتاز به المقدس الاردبيلي قدس الله نفسه الزكية شدة إخلاصه لله في العمل فغايته من كل تحركاته رضاءه عزوجل.
ينقل مؤرخو سيرته في ابواب كراماته من سيرته أنه خرج في بعض الاسحار الى بئر قريب طلباً لماءٍ يتوضوء به لكي يصلي نافلة الليل؛ فأرسلوا الدلو الى قعر البئر ولما سحبه وجد فيه بدلاً من الماء جواهر وأحجار كريمة فألقاها في البئر وتكرر الامر فدعا ربه أنه يريد ماءً للصلاة فخرج الدلو بالماء في المرة الاخيرة فأسبغ وضوءه وصلى!
ونختم أحباءنا بهاتين الوصيتين من المقدس الاردبيلي ننقلها من كتابه الفقهي زبدة البيان في آخر موضوع النية في الوضوء؛ قال (رحمه الله):
• الامر المهم الضروري الذي لا بد منه ولا تصح بدونه العبادة هو الاخلاص الذي هو مدار الصحة وبه تتحقق العبودية والعبادة
• وأما الموصى به الذي أوصي به دائماً فهو الاحتياط مهما أمكن وعدم ترك قول ضعيف نادر ولا ترك رواية ضعيفة في شيء من الاعمال والافعال فلا تنسى!