بسم الله الرّحمن الرّحيم
"الحمدُ للهِ غافر ِالذُّنوب، وأفضلُ الصّلاةِ والسّلامِ على المصطفى حبيب النُّفوس وطبيبِ القلوب، وعلى آلهِ المنزّهين عن جميعِ العيوب" .
إخوتنا وأعزّتنا الأكارم... السّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، طابت أوقاتكم، وأهلاً بكم في هذا اللّقاءِ الطيب المتجدّدِ معكم، حيث نسرح معاً في آفاقٍ قرآنيةٍ ممتعة، نتعرّف فيها على بعض خصائص أهلِ البيتِ النبويِّ الطّاهر، وقد كتب اللهُ تبارك وتعالى لهم أن يشتركوا في قضاياهُم الخلقيةِ والخُلقية، وفي فضائلهمُ المعنويةِ والرُّوحية.. حتّى كان من ذلك كما أشرنا أنّ الله عزّوجلّ كان خَلَقَهم قبلَ أبينا آدمَ عليه السلام في صورٍ خاصّةٍ رآها آدمُ في هيئةِ أشباحٍ نورانية، فسأل اللهَ عنها، فأخبره جلّ وعلا أنّ هؤلاءِ خمسةٌ من وُلدِه، لولاهُم ما خلقَه، ولولاهُم ما خَلَق هذا الوجود، لأنّهم أشرفُ من كلِّ موجود، بل لأجلِهم خَلَق اللهُ الكائناتِ والموجودات... ثمّ أرشدَ اللهُ عزّشأنُه نبيه آدمَ عليه السلام قائلاً له: "يا آدم، هؤلاء صفوتي من خَلقي، بهمِ أُنجيهم وبهم أُهلكهم، فإذا كان لك إليَّ حاجةٌ فبهؤلاءِ توسّل.
وهنا انقدحت لنا (أيها الإخوة الأفاضل) ثلاثة أسئلة:
الأوّل: من هؤلاءِ الذين وصَفَهم الله عزّوجلّ أنّهم صفوةُ خلقِه وبهم ينجي وبهم يهلك؟
الثاني: من روى هذا الحديث القدسيَّ الشريف؟
والسؤال الثالث: هل حانت الساعةُ التي كانت لآدمَ إلى ربّه حاجة فأئتمرَ بأمر الله تعالى فتوسّل بصفوة الخلق، الذين لولاهُم ما خُلق الخلق؟
إلى التعرّف على كلِّ ذلك (أيها الإخوة) بعد هذه الوقفةِ القصيرة.
إخوتنا الأحبّة... أمّا من هؤلاءِ الذين هم سيكونون من وُلد آدم (عليه السلام)، وهُم صفوةُ الخلق، فقد عرّفهُم الله تعالى في أحاديث قُدسيةٍ عديدة، منها قولُه جلّ جلالُه: "فأنا المحمودُ وهذا محمّد، وأنا العالي وهذا عليّ، وأنا الفاطرُ وهذه فاطمة، وأنا الإحسانُ وهذا الحسن، وأنا المحسنُ وهذا الحسين" . وأمّا من روى هذا الحديثَ القُدسيَّ المبارك، فعددٌ من الرواة الثّقات لدى المسلمين، وعددٌ من المؤلّفين والمصنّفين، من المحدّثين والمفسّرين... منهم العالمُ الشافعيّ الشيخ إبراهيمُ الجوينيّ في جزئه الأوّل من كتابه (فرائد السمطين).
وأماّ الساعةُ التي كانت لآدمَ عليه السلام أشدُّ الحاجات إلى الله تعالى، وكان لابدّ له أن يتوسّلَ إلى الله عزّوجلّ، فتلك ساعةُ توبته، وكان سبقَ لله تعالى أن أرشده إلى التوسّل بالخمسة الأنوار: محمّدٍ وعليّ، وفاطمة والحسنِ والحسين صلواتُ الله عليهم. وكان من آدمَ أن أخذَ بإرشاد الله تعالى إياه، فتاب إلى الله وتابَ اللهُ عليه، وهوالتوّابُ الرحيم.
أمّآ أين ذلك في كتاب الله وقوله عزّ من قائل.. فذلك ما سيتبين لنا بعد قليل بإذن الله تعالى.
*******
أيها الإخوة والمؤمنون... لقد تحدّثت آيات في أوائل سورة البقرة عن قصّة أبينا آدم و أمّنا حواء عليهما السلام، ابتدأت بالحديث حول إرادة الربّ بجعل آدم خليفة لله في الأرض، وقد أخبرت الملائكة بذلك، وكان آدم قد تعلّم الأسماء كلّها، بعد ذلك جاء الأمر الإلهيّ بالسجود لآدم فسجدت الملائكة وعصى إبليس إذ كان من المستكبرين، فأزلّ أبوينا حتّى أخرجهما من الجنّة التي لم تعدّ لحياتهما، لأن آدم هو خليفة الله في الأرض كما شاءت إرادة الربّ وصرّح بذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: "إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً" (سورة البقرة ۳۰)… فكان بعد مكيدة إبليس – وقد قاسم أبوينا النّصح، ولم يعهد في خلق أن يقسم بالله زوراً وكذباً – أن جاء الأمر الإلهيّ بالهبوط إلى الأرض، وكان لابدّ لادم عليه السلام من التوبة، وكان لابدّ للتوبة من سبب وثيق، فجاءت رحمة الباري عزّ شأنه حيث قال: "فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ" (سورة البقرة ۳۷).
أمّا الكلمات التي تاب بها آدم عليه السلام وبها قبل الله توبته، فقيل: هي أدعية في طلب المغفرة وقبول التوبة.
ولكن يبقى الدعاء محجوباً، والكلمات الداعية تبقى غير مرتفعة حتّى يحصل السبب، كما ذكر ذلك في صريح قوله تعالى:
" إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً" (سورة النساء :الاية الرابعة والستون)
ومن هنا هرع آدم (عليه السلام) إلى التوسّل بمن كان الله تعالى أرشده اليهم لو كانت له إليه حاجة، وهل من حاجة إلى الله تعالى أشدّ من التوبة؟! فتوسّل إليه.
كما أجمعت روايات المسلمين: "بمحمّد المصطفى الأمين، وعليّ سيد الوصيين، وفاطمة سيدة نساء العالمين، وبريحانتي رسول ربّ العالمين، الحسن والحسين، صلوات الله عليهم أجمعين" .
*******