عاشوراء يوم لا كالايام، وكربلاء بقعة لا كالبقاع. كل شيء لعزيز الله الحسين صلوات الله عليه متميز، متفرّد ماله من نظير. وتلك خصوصية خصَّ بها الله تبارك وتعالى سيّد الشهداء.
في كتاب (كامل الزيارات) عن الامام السجاد عليّ بن الحسين(ع) انه قال، وهو الصادق الصدوق: اتخذ الله أرض كربلاء حرما ً آمنا ً مباركا ً قبل ان يخلق الله ارض الكعبة ويتخذها حرما ً بأربعة وعشرين الف عاما ً. وانه إذا زلزل الله تبارك وتعالى الارض وسيرها رُفعت (اي كربلاء) كما هي بتربتها نورانية صافية، فجُعلت في أفضل روضة من رياض الجنة، وأفضل مسكن في الجنة.. لا يسكنها إلا ّ النبيّون والمرسلون ـ أو قال: اولو العزم من الرسل ـ فإنها لتزهر بها رياض الجنة كما يزهر الكوكب الدرّيّ بين الكواكب لأهل الارض.. يغشى نورها أبصار اهل الجنة جميعا ً، وهب تنادي: أنا ارض الله المقدسة المباركة التي تضمنت سيّد الشهداء وسيد شباب اهل الجنة.
لن يبكي أرضا ً غير ارض كربلاء، ولن يندب راحلا ً غير من سكنوا كربلاء. إنه عليّ ابن عبد العزيز الخُلعي... تتهادى أمواج حزنه من أغوار القرن الثامن:
يا عين... لا لخلوّ الرَّبع والدِّمَن ِ
باكي الرزايا... سوى الباكي على الدِّمَن ِ
واسي نبي الهدى فيما اصيب به
وساعدي البضعة الزهرا على الحزن ِ
ومثليها: بأرض الطف صارخة
على القتيل الغريب النازح الوطن ِ
تشكو الى الله ـ والاملاك محدقة ٌ
بالعرش ـ تستصرخ المولى أبا الحسن ِ
من حولها مريم عبرى... واسية ٌ
يذرفن دمعا ً كصوب العارض الهتِن ِ
لهفي لما نال مولاتي، وقد نظرتْ
شلو الحسين ٍ بلا غُسلٍ ولاكفن ِ
مُلقى على الارض عاري الجسم منعفر
الخدَّين، مختضب الاوداج والذقن ِ
لهفي على زينب حرّى مجرَّدة ً
مسلوبة ً، تستر الانوار بالرُّدُن ِ
لهفي على فاطم الصغرى مُقرَّحة
بالدمع اجفانها، مسلوبة الوسَن ِ
تدعوإلى زينب: ياعمّتا، سَلب
العِلجُ القناع ليسبيني ويهتكني
ورمت استر وجهي عند رؤيته
فظلّ يشتمني عمداً ويضربني
أين الحماة، وأين الناصرون لنا؟!
واخيبتي اجار دهري واعتدى زمني
لهفي على السيد السجاد معتقلا ً
في اسرهم، مستذلا ً ناحل البدن ِ
إذا شكا أسمعوه قُبحَ شيمهم
وإنْ ونى قنَّعوه فاضل الرَّسَن ِ
فيالها محنة ً عمَّت مصيبتها
ويالها حسرة ً في قلب ذي شجن ِ
يُهدى يزيد برأس طال مارشف
المختار من ثغره تقبيل مفتتن ِ
وتستحث ُّ بنات المصطفى ذللا
على المطايا... إلى الاطراف والمُدُن ِ
لم يبالوا بنو حرب بما صنعوا
ولا شفوا غلل الاحقاد ِ والضغَن ِ
كأنني بالبتول الطهر واقفة
في الحشر تشكو الى الرحمن ذي المنن ِ
تأتي... وقد ضمَّخت ثوب الحسيم دما ً
من نحره، وهي تبدي الحزن في حزن ِ
تدعو: ألا يالمسمومي! ويا اسفي
على قتيلي، ويا كربي... ويا حزني
يا رب، من نوزعت ميراث والدها
مثلي، ومن طولبت بالحقد والاجن ِ؟!
وتستغيث امام العرش ساجدة ً
والمصطفى واقف... والدمع كالمُزن ِ
فيبرز الامر: إني قد سمعتُ، وقد
نقمت ممن عصى امري وخالفني
غضوا العيون، فخاتون القيامة قد
جاءت لتشفع فيمن بالولاء كُني
من كل محترق ٍ، من عُظم فجعتها
بكى وساعدها بالدمع الهتن ِ