في كتاب (كامل الزيارات) ـ وهو كتاب قيّم مثق ـ عن ابي هارون المكفوف، قال: دخات على ابي عبد الله (الصادق) عليه السلام، فقال: انشدني، فأنشدته.
فقال: لا، كما تنشدون وكما ترثيه عند قبره (أي بترنُّم ٍ حزين ولحن ٍ شجيّ) فأنشدته:
أمرُرْ على جدث الحسيـن
فقلّ لأعظمهِ الزكية
قال ابو هارون: فلما بكى أمسكت أنا، فقال: مُرَّ (اي: استمر)..فمررتُ.
ثم قال زدني، فأنشدته:
يا مريم قومي واندبي مولاك
وعلى الحسين فأسعدي ببكاكِ
فبكى، وتهايج النساء.
فلما أن سكتن قال لي: يا ابا هارون، من أنشد في الحسين فأبكى عشرة فله الجنة. ثم جعل ينتقص واحدا ُ واحداً.. حتى بلغ الواحد،
فقال: من أنشد في الحسين فأبكى واحداً فله الجنة.
ثم قال: من ذكره فبكى... فله الجنة.
السيد رضا الموسوي الهندي واحد من شعراء الثكل والتفجع والرثاء. عرفه العراق في القرن الرابع عشر عالما ً نشيطا ً وشاعراً مؤثراً وله في مأساة كربلاء شعر ما يزال يُنشد على المنابر في مجالس العزاء ومآتم سيد الشهداء سلام الله عليه:
إن كان عندك عبرة تجريها
فانزل بأرض الطف كي نسقيها
فعسى نبلُّ بها مضاجع صفوة ٍ
ما بلت الاكباد من جاريها
ولقد مررت على منازل عصمة
ثقل النبوة كان القي فيها
فبكيت حتى خلتها ستجيبني
ببكائها، حزناً على اهليها
وذكرت إذ وقفت عقيلة حيدر
مذهولة تصغي لصوت اخيها
بأبي التي ورثت مصائب أمها
فغدت تقابلها بصبر ابيها
لم تله عن جمع العيال وحفظهم
بفراق اخوتها وفقد بنيها
لن انس إذ هتكوا حماها، فانثنت
تشكو لواعجها الى حاميها
تدعو... فتحترق القلوب، كأنما
يرمي حشاها جمرهُ من فيها:
هذي نساؤك... من يكون ـ إذا سرت
بالأسر ـ سائقها ومن حاديها؟!
أيسوقها زجر بضرب متونها
والشمر يحدوها بسبِّ ابيها؟!
عجبا ً لها بالامس انت تصونها
واليوم آل امية ٍ تبديها!!
حسرى، وعزَّ عليك أنْ لم يتركوا
لك من ثيلبك ساتراً يكفيها
وسروا برأسك في القنا، وقلوبها
تسمو إليه، ووجدها يُضنيها
إنْ أخَّروه شجاه رؤية حالها
أو قدموه... فحاله يُشجيها
وللسيد رضا الهندي أيضا ً من بائيّته المعروفة، يحكي عن سيد الشهداء سلام الله عليه:
فأقام عينُ المجد فيهم مفرداً
عقدت عليهم سهمامهم أدابا
لم انسهُ إذ قام فيهم خاطباً
فاذا هم لا يملكون خطابا
يدعو: ألست انا ابن بنت نبيكم
وملاذكم إنْ صرفُ دهر ٍ نابا؟!
أولم يوصِّ بنا النبيُّ وأودع
الـثقلين فيكم: عترة ً وكتابا ؟!
فغدوا حيارى، لا يرون لوعظه
إلا ّ الأسنة والسهام جوابا
حتى إذا اسفت علوج أمية ٍ
ألا ترى قلب النبيّ مصابا
صلت على جسم الحسين سيوفهم
فغدا لساجدة الظبا محرابا
ومضى لهيفاً... لم يجد غيرالقنا
ظلاً، ولا غير النَّجيع شرابا
ظمآن ذاب فؤاده من غُلة
لو مسَّت الصخر الاصمَّ لذابا