العين التي تدمع لمصاب الحسين وأهل بيته في كربلاء.. عين مرحومة موفقة. والقلب الذي يخشع ويحزن لما حلّ بسيد الشهداء عليه السلام يوم عاشوراء قلب فيه خير.
عن مسمع بن كردين عن الامام جعفر بن محمد الصادق سلام الله عليه ـ في حديث طويل ـ قال:
قال لي ابو عبد الله (الصادق): يا مسمع، انت من اهل العراق... أما تأتي قبر الحسين؟
قلت: لا، أنا رجل مشهور من اهل البصرة، وعندنا من يتبع هوى هذا الخليفة، واعداؤنا كثيرة من أهل القبائل من النُّصّاب وغيرهم، ولست آمن أن يرفعوا عليّ (اي: يرفعوا عليّ تقريراً أمنياً) عند ولد سليمان، فيميلون عليّ.
قال لي الصادق (عليه السلام): أفما تذكر ما صُنع به (اي ما صُنع بالحسين)؟
قلت: بلى.
قال: فتجزع؟
قلت: إي والله، وأستعبر لذلك حتى يرى أهلي أثر ذلك عليّ... فأمتنع من الطعام، حتى يستبين ذلك في وجهي.
قال (سلام الله عليه): رحم الله دمعتك، أما إنّك من الذين يُعدُّون في أهل الجزع لنا والذين يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا، ويخافون لخوفنا، ويأمنون إذا أمنّا. أما انك سترى عند موتك وحضور آبائي لك ووصيتهم ملك الموت بك، وما يلقونك به من البشارة... ما تقرُّ بع عينك قبل الموت؛ فملك الموت أرقُّ عليك وأشدُّ رحمة ً لك من الام الشفيقة على ولدها.
وكربلاء ملحمة فوق ما تعرف الملحمات وبطولة لم تعهدها في العالم البطولات؛ لأن الحسين صلوات الله عليه فرد لا يتكرر... أوحد في كل شئ؛ لأنه الحسين!
في مرثية ملحمية... يتهادى صوت شاعر العراق في القرن الثاني عشر الشيخ كاظم الازري البغدادي... يحكي عن البطولة والفاجعة:
هي المعاهد... ابلتها يدُ الغير
وصارم الدهر لا ينفكّ ذا أثر
أفدي القروم الالى سارت ركائبهم
والموت خلفهم يسري على الاثرِ
لله من في مغاني كربلاء ثوى
وعنده علم ما يأتي من القدر ِ
إذا الشياطين بارته انبرت شهب
ترميهم عن شهاب الله بالشرر ِ
ثاروا، فلو لا قضاء الله يمسكهم
لم يتركوا لأبي سفيان من أثر ِ
سل كربلا... كم حوت منهم هلال دجىً
كأنها فلك للأنجم الزهر ِ!
لم انسَ حامية الاسلام منفرداً
خالي الظعينة من حام ٍ ومنتصر ِ
يرى قنا الدين ـ من بعد استقامتها ـ
مغموزةً، وعليها صدع منكسر ِ
فقام يجمع شملاً غير مجتمع ٍ
منها، ويجبر كسراً غير منجبرِ
لم انسهُ، وهو خوّاض عجاجتها،
يشقُّ بالسيف منها سورة السُّور ِ
كم طعنة ٍ تتلظى من أنامله
كالبرق يقدح من عود الحيا النضرِ
وضربةٍ تتجلى من بوارقه
كالشمس طالعة من صفحتي نهر ِ
وواحد الدهر قد نابته واحدة
من النوائب، كانت عبرة العبر ِ
من آل أحمد لم تترك سوابقه
في كل آونة ٍ فخرا ً لمفتخر ِ
وأقبل النصرُ يسعى نحوه عجلاً
مسعى غلام الى مولاه مُبتدر ِ
فأصدر النصر، لم يطمع بمورده
وعاد حيران بين الورد والصَّدر ِ
يا نيِّرا ً راق مرآه ومخبرهُ
فكان للدهر ملء السمع والبصرِ
لاقاك منفردا ً أقصى جموعهم
فكنت أقدر من ليث ٍ على حُمُر ِ
لم تدع آجالهم.. إلا ّ وكان لها
جواب مُصغ ٍ لأمر السيف مؤتمرِ
صالوا.. وصُلت،ولكن أين منك هُمُ
النَّقشُ في الرمل غيرالنقش في الحجرِ