إليه تحنُّ القلوب المؤمنة وإلى مزاره تشتاق. وكربلاء تتربع متألقة دائما ً في عالم المُلك هذا، وتزهر مشرقة فياضة بأنوار الرحمة الالهية في عالم الملكوت.
ويظلّ الحسين صلوات الله عليه صفي الله وحبيبه الاثير، وتقدَّسَ كلُّ من انتمى الى الحسين، وكلُّ ما انتمى اليه.
وزيارته في مشهده الانور بكربلاء فرصة ثمينة نفيسة، نَبخسها حقَّها إنْ وصفناها بالفرصة الذهبية وهل ذهب الدنيا الاّ تراب أصفر، او معدن من معادن التراب؟!
يُزار صلوات الله عليه في الامن والرخاء، كما يُزار في الشدة وخوف الظالمين وشتان هذه الزيارة وتلك.
يقول الامام الصادق سلام الله عليه: لا تدع زيارة قبر الحسين عليه السلام لخوف؛ فإن من تركه رأى من الحسرة ما يتمنى أنّ قبره كان عنده. أما تُحّب أن يرى الله شخصك وسوادك فيمن يدعو له رسول الله (ص) وعليُّ وفاطمة والائمة عليهم السلام؟
صوت حسيني ثاكل يستفزه الهمّ ويُسبل منه الدموع هو صوت دِعبل الخزاعيّ في أحدى مراثيه الطافحة بلوعة المؤمن على فجائع صفيّ الله المقدس في كربلاء، وهو يخاطب نفسه المفجوعة:
أأسبلتَ دمع العين بالعبرات
وبتَّ تقاسي شدة الزفراتِ؟
وتبكي على آثار آل محمد ٍ
وقد ضاق منك الصدر بالحسرات
ألا فاٌبكهم حقاً، وأجر ِ عليهم
عيونا ً لريب الدهر منسكبات
ولا تنس في يوم الطفوف مصابهم
بداهية من أعظم النكبات
سقى الله اجداثا ً على طف كربلا
مرابع أمطار من المُزنات ِ
وصلى على روح الحسين وجسمهِ
طريحاً لدى النهرين بالفلواتِ
قتيلا ً بلا جُرم ٍ، فُجعنا بفقده
فريدا ً ينادي: أين أين حُماتي؟!
أأنسى ـ وهذا النهريطفح ـ ظامئا ً
قتيلا ً ومظلوما ً بغير تراب ِ؟!
وقد رفعوا رأس الحسين على القنا
وساقوا نساه وُلهاً خَفِراتِ
فقل لأبن سعد ـ أبعد الله سعده -
ستلقى عذاب النار واللعنات
سأقنت طول الدهر ما هبّت الصَّبا
وأقنتُ بالآصال والغدوات
على معشر ضلوا جميعا ً، وضيعوا
مقال رسول الله بالشبهات ِ
ومن القرن الثالث ايضاً، غير دعبل.. هذا صوت محمد بن ادريس الشافعي الفقيه المعروف، وهو يحسّ بفداحة ما أصاب آل محمد(ص) يوم عاشوراء من حيف وجور واستباحة الحُرُمات:
تأوّب همّي، والفؤادُ كئيبُ
وأرقَ عيني، فالرُّقاد عجيبُ
فرى كبدي من حزن آل محمدٍ
ومن زفرات ٍ ما لهنّ طبيبُ
ومما نفى جسمي وشيبَ لمّتي
تصاريف أيام ٍ لهنّ خُطوبُ
فمن مُبلغ عني الحسين رسالة ً
وإن كرهتها أنفس وقلوب
ذبيح بلا جُرم... كأن قميصه ُ
صبيغ بماء الارجوان خضيبُ
فللسيف إعوال، وللرمح رنّة
وللخيل من بعد الصهيل نحيبُ
تزلزلت الدنيا لآل محمد
وكادت لهم طمم الجبال تذوب ُ
وغارت نجوم، واقشعرَّت كواكب
وهُتِّك استار، وشُقَّ جُيوب ُ
يُصلى على المبعوث من آل هاشم ٍ
ويُغزى بنوه؟! إنّ ذا لعجيب!
لئن كان ذنبي حبُّ آل محمد ٍ
فذلك ذنب لست عنه أتوب ُ
همُ شفعائي يوم حشري وموقفي
إذا ما بدت للناظرين خُطوب ُ