البث المباشر

دعاء مكارم الأخلاق

السبت 10 يوليو 2021 - 19:09 بتوقيت طهران
دعاء مكارم الأخلاق

إذاعة طهران-أدب الإمام السجاد:


اذا كانت وثيقة رسالة الحقوق التي تضمنت البحث عن حصيلة العلاقات الاجتماعية، تمثل وثيقة اجتماعية - أي: انتسابها للمعرفة الاجتماعية- فإن (مكارم الاخلاق) يعد وثيقة نفسية - اي: انتسابها للمعرفة النفسية التي تتناول في احد اقسامها سمات الشخصية- حيث يرسم (عليه السلام) عشرات (السمات) التي تطبع الشخصية الاسلامية بحيث يمكن للملاحظ النفسي أن يستخلص منها الطابع العام لهذه الشخصية في مختلف سماتها العبادية والاجتماعية والعقلية والمزاجية - مما لايدخل في نطاق دراستنا الأدبية بقدر ما يدخل في نطاق علم النفس الاسلامي-. والمهم هو: أن نتبين عمارة الدعاء من حيث الخطوط التي انتظمت هذه العمارة وفق نسق هندسي محكم،...
بدأ الدعاء بهذا النحو:
۱-اللهم صل على محمد وآله: وبلغ بايماني أكمل الايمان، واجعل يقيني...
۲-اللهم صل على محمد وآله: واكفني ما يشغلني الاهتمام به، واستعملني بما تسألني...
۳-اللهم صل على محمد وآله: ولا ترفعني في الناس درجة الا حططتني عند نفسي مثلها...
٤-اللهم صل على محمد وآله: ومتعني بهدى صالح لا استبدل به...
٥-اللهم صل على محمد وآله: وأبدلني من بغضة اهل الشنآن المحبة...
٦-اللهم صل على محمد وآله: وحلني بحلية الصالحين، والبسني...

وهكذا يمضي الدعاء في مقاطع منسقة يبدأ كل واحد منها بفقرة «اللهم صل على محمد وآل محمد»، ويتناول كل مقطع مجموعة‌ من السمات النفسية المتجانسة او المنتسبة لجذر متجانس من السلوك مثل المقطع الأخير حيث قال:
«اللهم صل على محمد وآله، وحلني بحلية الصالحين والبسني زينة المتقين في بسط العدل، وكظم الغيظ، وستر العائبة، ولين العريكة، وخفض الجناح...» الخ(٦).
فهذه (السمات) جميعاً تنتسب الى‌ سمة (عامة) مرتبطة بما يسمى في اللغة النفسية بـ (نزعة المسالمة) مقابل (نزعة العدوان)... حيث تجيء مفرداتها في سمات جزئية مثل: بسط العدل، وكظم الغيظ، واصلاح ذات البين... الخ.
والمهم، ان هذا النمط من البناء قد جعل من فقرة «اللهم صل على محمد وآله» محطة (موضوعية) ينتهي اليها من جانب، كل مقطع بتناول موضوعاً مستقلاً كما انه من جانب آخر، يجعل للدعاء (بعداً موضوعياً) هو (مخاطبة الله تعالى) ثم (الصلاة على محمد وآله) حتى لا ينفصل ما هو (حاجة فردية) عما هو (حاجة عبادية)...
بالمقابل، نجد ان الادعية الموضوعية لا يفصلها الامام (عليه السلام) عن الادعية الذاتية ايضاً، بحيث اذا كان الدعاء يتناول ظاهرة (موضوعية) لا علاقة لها بحاجات الفرد، حينئذ يخللها الامام (عليه السلام) (بعداً ذاتياً) حتى لا ينفصل ما هو (عبادي) عما هو (ذاتي) ايضاً،... فمثلاً في دعائه (عليه السلام) اذا نظر الى السحب والبروق - وهي ظواهر ابداعية، نجده يصل بين هذه الظواهر الابداعية وبين جانبها النفعي للانسان، فيقول:
«اللهم، ان هذين آيتان من آياتك، وهذين عونان من أعوانك، يبتدران طاعتك... فلا تمطرنا بهما مطر السوء، ولا تلبسنا بهما لباس البلاء، اللهم صل على محمد وآله وانزل علينا نفع هذه السحائب وبركتها واصرف عنا اذاها...».
وحتي في دعائه (عليه السلام) لحملة العرش مثلاً، حينما يقول عنهم: «فصل عليهم وعلى الروحانيين من ملائكتك واهل الزلفة عندك، وحمال الغيب الى رسلك...» نجده يختم ذلك بقوله (عليه السلام):
«اللهم، واذا صليت على ملائكتك ورسلك وبلغتهم صلواتنا عليهم، فصل علينا بما فتحت لنا من حسن القول فيهم، انك جواد كريم»(۷) حيث وصل بين (ما هو عبادي صرف) وبين ما هو (ذاتي) هو: الصلاة على الداعي ايضاً، مشفوعاً بجملة (انك جواد كريم) حيث ترتبط هذه الفقرة بما هو فردي من الحاجات كما هو واضح...
اذن: تظل عمارة (الدعاء) خاضعة لمبنى هندسي هو ربط الحاجات الموضوعية بالحاجات الفردية وذلك بسبب كون (الداعي) من جانب، له حاجاته الفردية التي تحمل طابع المشروعية، وبكونه من جانب آخر، ينبغي أن يظل (موضوعياً) يعنى بالظواهر التي تسمو على حاجاته الفردية سواء أكان ذلك في الدعاء الذاتي الذي يربط دائماً بما هو موضوعي او في الدعاء الموضوعي الذي يربط بما هو ذاتي، بالنحو الذي لحظناه في النماذج المتقدمة...
والمهم بعد ذلك، ان المزج بين موضوعية الدعاء وذاتيته يظل خاضعاً لمبنى فني بالغ الاحكام بحيث تتوزع مقاطع الدعاء وفق خطوط منتظمة من نحو ما لحظناه في دعاء مكارم الأخلاق.
وهذا كله فيما يتصل بالخطوط العامة‌ لعمارة الدعاء من حيث الشكل الخارجي له.
اما ما يتصل بالشكل الداخلي للبناء أي: من حيث تلاحم اجزائه وصلة بعضها مع الآخر، فيمكن تقديم نموذج منه تحت عنوان:
*******
البناء الداخلي
يقول (عليه السلام) في احدى مناجاته:
۱- «الهي، اليك أشكو نفساً بالسوء امارة، والى الخطيئة مبادرة، وبمعاصيك مولعة ولسخطك متعرضة، تسلك بي مسالك المهالك، وتجعلني عندك اهون هالك، كثيرة العلل طويلة الأمل، ان مسها الشر تجزع وان مسها الخير تمنع، ميالة الى اللعب واللهو، مملوءة بالغفلة والسهو، تسرع بي الى الحوبة وتسوفني بالتوبة.
۲- الهي، اشكو اليك عدواً يضلني وشيطاناً يغويني، قد ملأ بالوسواس صدري واحاطت هواجسه بقلبي، يعاضد لي الهوى ويزين لي حب الدنيا ويحول بيني وبين الطاعة والزلفى.
۳- الهي، اليك اشكو قلباً قاسياً مع الوسواس متقلباً، وبالرين والطبع متلبساً، وعيناً عن البكاء من خوفك جامدة، والى ما يسرها طامحة.
٤- الهي، لا حول ولا قوة الا بقدرتك، ولا نجاة لي من مكاره الدنيا الا بعصمتك، فأسألك...»
الخ(۸).
هذا النص يتضمن اربعة مقاطع، كل مقطع منها موصول بما قبله وبما بعده: فالمقطع (۱) يتحدث عن نفس امارة ‌بالسوء، بالمعصية، ‌ويعرض مفردات من السلوك المتصل بكثرة العلل والأمل والجزع واللعب والمنع... الخ، وهي مفردات تتلاحم عضوياً مع النفس الامارة بالسوء.
اما المقطع (۲) فقد تحدث عن المنبه للسلوك المذكور متمثلاً في (الشيطان) ثم يعرض مفردات ذلك متجسدة في: الوسوسة، تزيين الدنيا...
واما المقطع (۳) فيترتب على سابقه وهو الطبع والرين على الفؤاد نتيجة لممارسة المفردات التي عرضت في المقطع (٤).
واما المقطع الرابع فيتجه الى (الله تعالى) لا نقاذ النفس من السوء الذي تحدثت المقاطع الثلاثة عنه.
اذن: التنامي العضوي بين هذه المقاطع يظل من الوضوح بمكان ملحوظ، مما يفصح عن احكام الهيكل الهندسي للدعاء، بحيث يمكن القول بأن (فن الدعاء) لدى الامام (عليه السلام) ليس مجرد عرض للمضمونات بل اخضاعها لهيكل هندسي متقن يرتبط كل جزء بسابقه ولاحقه، ويتنامى كل جزء وفق مراحل النمو النفسي، حتى ينتهي الى المرحلة الاخيرة وفق تخطيط مرسوم، بالنحو الذي لحظناه.
طبيعياً ان هذا التلاحم والنمو بين اجزاء النص لا يقف عند هذه المستويات فحسب، بل يتجاوزها الى التلاحم بين مختلف العناصر الفنية، بحيث تجيء عناصر (الصورة) و(الايقاع) وسواهما متجانسة مع الفكرة العامة التي ينطوي عليها الدعاء، وهو امر يمكن ملاحظته عندما نعرض للعناصر الفنية، فيما نبدأ ذلك بالحديث اولاً عن:
*******
الايقاع
يظل (الايقاع) اهم عنصر في صياغة الدعاء، بصفة ان الدعاء يقترن بعنصر (التلاوة) وليس القراءة الصامتة، وحينئذ فان التلاوة تتطلب ايقاعاً يتناسب مع وحداته الصوتية التي تنتظم في (فواصل) او (حروف) متجانسة، مضافاً الى (الايقاع الداخلي)... لذلك لا نكاد نجد دعاء يتخلى عن عنصر الايقاع بخاصة (الفواصل المقفاة) لأن القرار يجسد بروزاً ايقاعياً اشد من الايقاع الذي يحققه التجانس بين الحروف. ويمكننا ان نتبين هذا الجانب بوضوح حينما نقرأ الدعاء الآتي، حيث تمضي جميع فقراته على هذا النحو:
۱-«الهي، ألبستني الخطايا ثوب مذلتي، وجللني التباعد منك لباس مسكنتي، وامات قلبي عظيم جنايتي، فأحيه بتوبة منك يا املي وبغيتي، ويا سؤلي ومنيتي.
۲-فو عزتك ما اجد لذنوبي سواك غافراً، ولا ارى لكسري غيرك جابراً.
۳-وقد خضعت بالانابة اليك، وعنوت بالاستكانة لديك.
٤-فان طردتني من بابك فبمن الوذ، وان رددتني عن جنابك فبمن اعوذ.
٥-فوا اسفاه من خجلتي وافتضاحي، ووالهفاه من سوء عملي واجتراحي.
٦-أسألك يا غافر الذنب الكبير، ويا جابر العظم الكسير.
۷-ان تهب لي موبقات الجرائر، وتستر علي فاضحات السرائر.
۸-ولا تخلني في مشهد القيامة من برد عفوك وغفرك، ولا تعرني من جميل صفحك وسترك.
۹-الهي: ظلل على ذنوبي غمام رحمتك، وارسل على عيوبي سحاب رأفتك.
۱۰-الهي: هل يرجع العبد الآبق الا الى مولاه، ام هل يجيره من سخطه احد سواه،...»
(۹) الخ.
فالقسم الأول منه: توحد فواصله او قراراته التي تتجاوز الفقرتين، اما الاقسام الأخرى فتزدوج قراراته اي تتوحد في كل فقرتين فحسب... ومن الواضح أن توحد القرارات او ازدواجها تظل خاضعة لطبيعة الفكرة المطروحة، فاذا كانت الفكرة مستقلة او شبه مستقلة او ذات تفريع... الخ، حينئذ فان القرار يتشكل تبعاً له - اي لهذا الجزء المستقل- سواء أكانت ذات فاصلتين او اكثر... فالملاحظ مثلاً‌ ان بعض النماذج، تتوحد قراراته حتى لتشبه القصيدة من نحو:
«اللهم اني اعتذر اليك:
من مظلوم ظلم بحضرتي فلم أنصره،
ومن معروف اسدي الي فلم اشكره،
ومن مسيء اعتذر الي فلم اعذره،
ومن ذي فاقة سألني فلم اوثره،
ومن حق ذي حق لزمني لمؤمن فلم اوفره،
ومن عيب مومن ظهر لي فلم استره،
ومن كل اثم عرض لي فلم اهجره»
(۱۰).
ان هذا النص يحفل بقيم ايقاعية متنوعة، فهو من جانب (تتوحد) قوافيه بحيث يشبه المقطوعة الشعرية كما قلنا،... كما انه من جانب آخر (تتوازن) فقراته:‌مثل (الانتظام الوزني) في الشعر، كما انه من جانب ثالث يحفل بـ (تجانس) صوتي ملحوظ... ان جميع قراراته ذات روي واحد، وجميع اسطره ذات طول متماثل او متقارب، وجميعها ايضاً ذات تجانس صوتي لمستويين: التجانس بين الحروف او تكرر العبارات... فكل سطر تتكرر فيه عبارتا (من) (لم) (من مظلوم، من معروف، من مسيء،... الخ) (فلم أنصره، فلم اشكره، فلم اعذره)... وكل سطر ينطوي على تجانس بين حروفه مثل (مظلوم ظلم بحضرتي) أو خلال الأسطر جميعاً...
والمهم، ان نتجه اولاً الى العناية الضخمة بعنصر الايقاع وتنويعه بهذا النحو الذي لحظناه، بحيث نجد السطر وكأنه بيت شعر، بل يتجاوز ذلك الى ان نجد سطر يتناسق مع الآخر ليس من خلال وحدة القافية والتوازن فحسب، بل من خلال تكرر نفس العبارات، ونفس التركيب،... ونجد ثانياً ان طبيعة الموضوع فرض-في هذا النص- (توحد) قراراته وليس (تنوعها)... وذلك لسبب واضح هو: ان النص في صدد تقويم (العذر) حيال جملة من القضايا، بحيث كان العذر هو الفكرة التي تحوم عليها العبارات، لذلك كان من الطبيعي ان تتوحد القوافي، تبعاً لوحدة الفكرة ذاتها، وكان طبيعياً ان تستمر العبارات المتتابعة لان الفكرة نفسها ذات طابع استمراري،‌حيث كان العذر يتصل بالمظلوم والمعروف، والمسيء، والفقير... الخ، فاستلزم جعل القرارات متعددة بتعدد المواقف التي اعتذر منها...
اذن: جاءت الصياغة الايقاعية في هذا النص وسواه مرتبطة اولاً، بكون الدعاء (معداً لأن يتلى) حيث تتطلب التلاوة عنصراً ايقاعياً، وجاءت الصياغة الايقاعية ثانياً، مرتبطة بطبيعة الفكرة او الموقف الذي يفرض حيناً (تنوعاً) في الايقاع، وحيناً آخر (توحداً) في الايقاع، بالنحو الذي تقدم الحديث عنه.
اذاً، كان (الايقاع) يخضع لمتطلبات خاصة اوضحناها، حينئذ فان عنصر (الصورة) يخضع بدوره لسياقات يتطلبها فن الدعاء، وهذا ما ندرجه ضمن عنوان:
*******
الصورة
تجيء (الصورة) في الدعاء عنصراً - في الدرجة الثانية- بالقياس الى عنصر (الايقاع). والسر في ذلك ان (التلاوة) لا تتطلب في الحالات جميعاً الا الايقاع الذي يتناسب مع التلاوة: بصفتها (أصواتاً) لابد ان يتم التناسق بينها،... واما الصورة فليس من الضروري ان تستخدم في التلاوة بقدر ما يجيء استخدامها خاضعاً لمتطلبات السياق... ولعل ما يفرق بين الدعاء في نمطه الذي يتمحض لقضاء حاجة: من شدة او فقر أو طلب نجدة مثل أدعية الرزق او العافية او ادعية الاستسقاء او النصر على العدو... الخ.
لعل ما يفرق بين هذا النمط من الدعاء، وبين (المناجاة) التي تتميز عن الدعاء الاعتيادي بكونها (تواصلاً) و(وجداً) و(معاناة) و(توحداً)، هو: ان الدعاء الاعتيادي لا يعنى فيه الا التعبير المباشر عن الحاجات، بعكس المناجاة التي (يتعمق) ‌فيها الشخص، و(ينفعل) بحيث تتطلب هذه الحالات تعبيراً غير مباشر، وحينئذ يكون الاعتماد على عنصر (الصورة) من تشبيه أو استعارة او رمز او تمثيل... الخ، امراً له مسوغاته الفنية.
ان بعض المواقف تستلزم دلالاتها الحاحاً في اغوار النفس وتشابك حالاتها، حيث لا يتاح ابراز التشابك لهذه الحالات الوجدانية الا من خلال عنصر (الصورة الفنية)، نظراً لما تنطوي عليه طبيعة الصورة‌ من ايحاءات ورموز وكشوف تبلور التشابك المذكور.
ويمكننا على سبيل المثال ان نلحظ هذا الجانب في المقطع الآتي من (مناجاة العارفين):
۲-«الهي، فاجعلنا من الذين ترسخت اشجار الشوق اليك في حدائق صدورهم، واخذت لوعة محبتك بمجامع قلوبهم، فهم الى اوكار الافكار يأوون، وفي رياض القرب والمكاشفة يرتعون، ومن حياض المحبة بكأس الملاطفة يكرعون، وشرائع المصافاة يردون»(۱۱)، فهذا المقطع يتضمن جملة من الصور الفنية التي تتوالى واحدة بعد الأخرى دون ان يتخللها تعبير مباشر، ذلك لان الحالات الوجدانية في هذا المقطع تتناول اعمق اشكال العلاقة بين الله والعبد من حيث عمق (المعرفة) التي لا تتأتى عند العامة من البشر، ومن حيث عمق (الوجد) الذي لا يتاح لدى الغالبية منهم، وهو امر يتطلب الركون الى تعبير (مصور) يشحن بدلالات ثانوية وايحاءات شتى تتوافق مع تشابك وتجذر المعرفة والوجد، لذلك اتجه المقطع الى رصد علاقات جديدة بين الظواهر وفق تركيبة خاصة، منها: التركيبة (الاستعارية) المتمثلة في رصد العلاقة بين (أشجار الحدائق) و(اشواق الصدر) من حيث ترسيخها وتغلغلها وتعمقها داخل النفس، فالشجر بقدر ما تمتد جذوره الى باطن الارض ياخذ ثباتاً اشد، يقابله الشوق الذي ترسخ امكاناته بقدر ما يتكاثر ويتنامى، فهنا لو التجأ النص الى التعبير المباشر لما زاد على ذلك، مثلاً بقولنا (اللهم اجعل اشواقنا شديدة نحوك) لكنه بارتكانه الى عنصر (الصورة) حقق ظاهرة تغلغل الشوق وشدته وتناميه، حيث نقل القارىء الى تجربة الشجر والمزرعة ليوحي اليه بكثافة الشوق، وكان من الممكن ان يكتفي النص بمجرد (الشجر) دون ان يضيف اليه (الحدائق) مادام النمو يتحقق في اية ارض صالحة للزراعة، ولكن بما ان النص لم يستهدف مجرد تغلغل الشوق في الاعماق ليكتفي بالزرع، وانما استهدف ايضاً الاشارة الى المتعة الجمالية التي نشاهدها في (حديقة) تنتظم اشجارها وتتناسق، فتجمع الى عملية (النبت): (التنظيم الجمالي) ايضاً، وحينئذ يكون النص قد استهدف لفت النظر الى مدى الفرح والحبور اللذين تنثرهما محبة الله في صدور (العارفين) فيما يتحسسونهما ببالغ الجمال الذي يتلاشى معه اي امتاع دنيوي عابر...
اذن، أمكننا ملاحظة هذا النص المحتشد بعنصر (صوري) ملحوظ، من حيث المسوغات الوجدانية التي فرضت مثل هذه الصياغة، مما يعني ان الامام (عليه السلام) في صياغته للادعية واستخدامه لعناصر الصورة والايقاع ونحوهما، انما اخضع الصياغة لطبيعة السياق الذي يرد فيه هذا النص او ذاك، سواء اكان دعاء او خطبة او رسالة أو سواها من الأشكال التي تقدم الحديث عنها.
*******

(٦) الصحيفة السجادية: الدعاء، رقم ۲۰.
(۷) نفس المصدر: الدعاء رقم ۳.
(۸) نفس المصدر: المناجاة، رقم ۲.
(۹) نفس المصدر: المناجاة رقم ۱.
(۱۰) نفس المصدر: الدعاء رقم ۳۸.
(۱۱) نفس المصدر: المناجاة رقم ۱۲.
*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة