البث المباشر

۳- الأدب الأخلاقي

السبت 10 يوليو 2021 - 19:01 بتوقيت طهران
۳- الأدب الأخلاقي

إذاعة طهران-أدب الإمام السجاد:

ما تقدم من النماذج، جسد - كما لحظنا- نصوصاً اجتماعية، بعضها يتصل بظواهر اجتماعية عامة مثل: العلاقات العامة، وبعضها بما هو خاص مثل: علاقة‌ الانسان بالمؤسسة الرسمية - الدولة-.
وهناك ايضاً ظواهر من نمط آخر تتصل بالسلوك العام او ما يسمى بـ(البعد الاخلاقي) من الشخصية، سواء اكان ذلك يتصل بعلاقة الانسان مع الله، او بعلاقته مع الآخرين، او بطبيعة تعامله مع البيئة المادية التي تحيط به، وهذا من نحو تعامله مثلاً مع متاع الحياة الدنيا، حيث تشير التوصيات الاسلامية الى مفهوم (الزهد) حيال المتاع المذكور،... وهذا ما توفر الامام (عليه السلام) ايضاً على طرحه في أشكال متنوعة من التعبير: خطابة، رسالة، خاطرة، دعاء... الخ، حيث نلحظ مثلاً قوله (عليه السلام) في وصفه لسمة‌ الزاهدين:
«ان علامة الزاهدين في الدنيا، الراغبين في الآخرة: تركهم كل خليط وخليل، ورفضهم كل صاحب، لا يريد ما يريدون، الا وان العامل لثواب الآخرة هو الزاهد في عاجل زهرة الدنيا، الآخذ للموت اهبته، الحاث على العمل قبل الاجل ونزول ما لابد من لقائه، وتقديم الحذر قبل الحين، فان الله عزوجل يقول: «حتى اذا جاء احدهم الموت قال رب ارجعون / لعلي اعمل صالحاً فيما تركت» فلينزلن احدكم اليوم نفسه كمنزلة المكرور الى الدنيا...
واعلم ويحك يا ابن آدم ان قسوة البطنة وفطرة الميلة وسكر الشبع وعزة الملك مما يثبط ويبطىء عن العمل وينسي الذكر ويلهي عن اقتراب الأجل، حتى كان المبتلي بحب الدنيا به خبل من سكر الشراب، فان العاقل عن الله الخائف فيه العامل له ليمرن نفسه ويعودها الجوع حتى تشتاق الى الشبع، وكذلك تضمر الخيل لسبق الرهان»
(٤).
هذا النموذج من الأدب الأخلاقي يطفح بدوره بعناصر فنية متنوعة كما هو ملاحظ، ويكفي ان نتأمل الاخير من هذا النص، حتى نلحظ مدى توشيحه بقيم الفن، ولنقرأ: «حتى كان المبتلى بحب الدنيا به خبل من سكر الشراب» حيث اعتمدت هذه الفقرة عنصر التشبيه، ولنقرأ ايضاً: «وكذلك تضمر الخيل: لسبق الرهان» حيث اعتمدت هذه الفقرة عنصراً صورياً مهماً هو الصورة الفنية الاستدلالية... وما ان ندقق في هاتين الصورتين مثلاً حتى ندرك اهميتهما فنياً وفكرياً،... فتشبيه المبتلى بحب الدنيا بمن مسه خبل من الشراب ينطوي على دقة بالغة الاهمية، فهو استخدم الاداة (كأن) دون ان يستخدم اداتي التشبيه المعروفتين (الكاف) و(مثل)، نظراً لان الاداة (كأن) خاصة بالتشبيه الذي يقل عن درجة الوسط في رصده للعلاقة بين المشبه والمشبه به، فاذا كان الشبه كبيراً بين الطرفين استخدمت الأداة (مثل)، واذا كان متوسطاً استخدمت الاداة (الكاف)، واذا كان اقل من المتوسط استخدمت (كأن). وبما ان درجة التشابه بين السكر من الدنيا والسكر من الشراب لا تصل الى حد التماثل او التقارب، حينئذ فان استخدام الاداة (كأن) تظل هي الاداة الفنية التي تتناسب مع هذا التشبيه... واما الصورة الاستدلالية (وكذلك تضمر الخيل: لسبق الرهان) فهي تفرض جماليتها على القاريء ما دمنا نعرف بوضوح ان تدريب الانسان على الجوع يقتاده بالتدريج الى ان يزهد بالشبع، ومن ثم يتصاعد بسلوكه الى القمة من حيث تحقيق التوازن النفسي للانسان، وهو غاية ما تتطلع البشرية اليه، أي تحقيق التوازن،.. لذلك فان الصورة الاستدلالية القائلة بان (الخيل تضمر: لسبق البرهان) تظل بديلاً فنياً لمن يجوع لتحقيق التوازن الداخلي، فكما ان الخيل يقلل من اكلها من اجل ان يتحقق سبقها في الرهان، كذلك عندما يقلل الشخص من اكله من اجل ان يتحقق سبقه الى تحقيق التوازن النفسي، فضلاً عما يقتاده ذلك الى‌ الربح الأخروي بطبيعة الحال.

*******


(٤) نفس المصدر: ص ۲۷۸، ۲۷۹.

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة