نتابع حديثنا عن الأدعية المباركة، ومنها دعاء (الجوشن الكبير)، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن أحد مقاطعه الجديدة وهو: (يا من هو احد بلا ضد، يا من هو فرد بلا ند، يا من هو صمد بلا عيب، ...).
هذا المقطع من الدعاء يتضمن فقرات منتظمة وفق مبني هندسي يقوم علي اثبات المظهر ونفي المضاد او المخالف له مثل احديته تعالي ونفي الضد، وفرديته تعالي ونفي الند، والمهم الآن هو ملاحظة هذه المظاهر من عظمته تعالي، ونقف اولاً عند الاوليين من الفقرات، وهما: يا من هو احد بلا ضد، يا من هو فرد بلا ند. فماذا نستلهم منهما، وماذا يتضمنان من النكات الدلالية المتنوعة؟
ينطوي هذان المظهران علي جملة نكات ينبغي لفت النظر اليها، منها: الفارق بين (احد) و (فرد)، والفارق بين (ضد) و (ند)، ومنها: التقابل بين العبارتين نفسهما فضلاً عن مفرداتهما ومنها: النكات الكامنة وراء ذلك، ونقف عند العبارة الاولي نجدها علي هذا النحو، (يا من هو أحد)، ونتساءل: ما هو الفارق بين (احد) و (واحد)، حيث استخدم هنا مصطلح (احد) كما هو ملاحظ؟
الجواب: ان مصطلح (احد) يعني: ما لا يتجزأ ولا ينقسم، كما يعني: نفي الشريك في ذاته وصفاته، واما (الواحد) فيعني: نفي التركيب والاجزاء، كما يعني نفي المشركة في الصفات، بينما (احد) هو تفرد الذات.
طبيعياً، ان قارئ الدعاء قد يلتبس عليه الامر، فيضطرب في تحديد ما هو مقصود في هذه الصفة وتلك، حيث ان الواحد والاحدوالفرد تتشابه في دلالاتها، ولكننا نعتزم لفت النظر الي ما هو الواضح من ذلك فنقول: ان عبارة (يا من هو احد بلا ضد) تعني: انه تعالي لا شريك له في ذاته وصفاته، اما ذاته فلتفرده بها بحيث لا يمكن لأي من المخلوقات ان تدرك كنه ذلك البتة، ولذلك ورد النهي عن البحث عن هذا الموضوع واما الصفات فلوضوح عدم المشارك لله تعالي، فقدرته مثلاً أوعلمه مثلاً او ارادته لا يمكن تصور مشاركة لها لانها مطلقة لا حدود ذلك ومن البين ان ما هو مطلق لا حدود له لا وجود لذلك في عالم المخلوقات، بل يتفرد به تعالي: كما هو واضح.
ونتقدم الي معني (احد بلا ضد). فما هو المقصود من (الضد)؟
ان الضد هو مايقابله من الصفة، فأذا اخذناه في استخدامه اللغوي العادي: كالتقابل بين الليل والنهار، والابيض والاسود، حينئذ فان الدلالة المذكورة لا يمكن ان نتصورها في هذا الموقف، لانه تعالي يتفرد بصفته، لذلك فان الدلالة المقصودة هي عدم وجود المقابل لله تعالي، فيكون معني مصطلح (الضد) هنا: مصطلح (المقابل) وبذلك يتم المعني، اي: ان الله تعالي لا مقابل له بل هو المتفرد في وجوده.
ونتجه الي العبارة الثانية وهي: (يا من هو فرد بلا ند) فماذا نستلهم منها؟
من الواضح ان (الفرد) كمصطلح يعني: ما يقابل الزوج، وبهذه الدلالة فان الله تعالي هو فرد لا يلحق به فرد آخر ليكون زوجاً، بل ينفرد بذلك ولا يمكن تصور وجود آخر يلتحق به واما عبارة (الند) فمعناها: (المثل)، وهذا يعني ان الله تعالي منفرد لا مثيل له.
اذن امكننا ان نبين الفوارق بين الأحد، والضد، والفرد، والند من حيث الصفات الالهية التي يتناول المقطع: تفرده تعالي بها، وعدم امكانية تصور المقابل او المثل لها.
*******